المرحلة القادمة من المنافسة الروسية الإيرانية في سوريا

2019.03.07 | 16:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ماذا يمكن أن نتوقّع بالنسبة للمرحلة القادمة في سوريا؟، يمكن لنا النظر إلى روسيا وإيران وهما على أعتاب الدخول في معركة كل ضد الطرف الآخر، وقد تميّزت الأعوام السابقة من الصراع بأن كل عام كان له موضوع مختلف، بدءًا من العام 2014 وظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وحتى العام الماضي حيث اندلعت صراعات بين الدول، وخلال تلك الأعوم كانت هناك سلسلة من التغيُرات التي أصابت أقدار ومصائر أبطال الرواية، وإذا ما نظرنا إلى الأمام؛ فإن هذا العام ربما يشهد صراعًا بين العناصر الرئيسية المكونة للتحالف الموالي للحكومة السورية، وبدأت كل من موسكو وطهران في تأليب الفصائل الموالية لكل طرف ضد الطرف الأخر، تلك الفصائل التي ظهرت بعد تفكك القوات السورية.

وخلال الأسابيع الماضية من العام الحالي؛ كانت هناك تقارير عن صراعات مفتوحة بين الوحدات الموالية للنظام السوري، وأن تلك المعارك اندلعت في مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية بشكل تام، وفي منتصف يناير وضح أن هناك نزاعات مسلحة اندلعت بين الوحدات الموالية لكل من روسيا وإيران في محافظة حماة، وأن المعركة التي جرت في التاسع عشر من يناير اشتركت فيها أسلحة ثقيلة، بما فيها الدبابات والمدفعية، ويقال أن تلك المواجهات أسفرت عن مقتل أكثر من 200 مقاتل، وادّعت صحيفة “نوفايا جازيتا” الروسية المحسوبة على المعارضة أن تلك المواجهات تطورت فيما بعد، واشتركت فيها وحدات روسية وإيرانية في مواجهات عسكرية مباشرة ضد بعضها البعض، حيث تسعى الوحدات الإيرانية للدفاع عن موقعين استراتيجيين يحيطان بإقليم إدلب الذي يسيطر عليه الثوار، وهناك صحيفة “كوميرسانت” الروسية اليومية، التي أشارت في تقرير لها إلى أن القوات الموالية لإيران رفضت عودة المدنيين السُنّة إلى ديارهم، وأن تلك الوحدات الإيرانية دخلت في مواجهات مسلحة مع وحدات مدعومة من روسيا حول مزرعة كان عناصر الوحدات الإيرانية يريدون الاحتفاظ بها لأنفسهم.

وقد اتضح أن تلك المواجهات كانت بمثابة معركة من أجل احتلال مركز الصدارة بين فصائل مختلفة تابعة للجيش السوري، وهناك رجُل روسيا المفضل “سهيل الحسن”، الذي بات ذائع الصيت منذ العام 2013، ووصل إلى مرتبة أعلى منذ التدخُل العسكري الروسي في الأزمة السورية في أواخر العام 2015، ومن حينها تم دمج “قوات النمر” – التي تعُد الوحدة الخاصة لسهيل الحسن – داخل الفيلق الخامس، وهي الوحدة التي قامت روسيا بتدريبها لتصبح من أكثر الوحدات العسكرية تماسُكًا على الأراضي السورية.

وفي ذات الوقت فقد اختارت إيران دعم الفرقة الرابعة المدرعة التي يقودها “ماهر الأسد”، شقيق الرئيس بشار الأسد.

وقد بات لكل طرف مجموعة من القوات الموالية له على الأراضي السورية: فهناك موسكو التي لديها قوات الشرطة العسكرية والوحدة التابعة لمنظمة “فاغنر”، وهي منظمة شبه عسكرية تضم عناصر من المرتزقة، وهناك إيران التي تمتلك مجموعة ضخمة من المقاتلين الشيعة الأجانب على الأراضي السورية.

وقد قام نائب وزير الخارجية الروسي “سيرغي ريابكوف” بإثارة ضجة في الخامس والعشرين من يناير، خلال كلمة قصيرة له أعقبت التقارير الصادرة حول تلك المواجهات المسلحة، قام خلالها بتوضيح مسألة التحالف الروسي الإيراني قائلًا: “نحن نعمل سويًا فحسب”.

وعلى الرغم من عدم التأكيد على تلك الحقيقة بشكل صريح، فطالما تباينت الأهداف والأساليب الخاصة بكل من موسكو وطهران على الأراضي السورية، فبينما تريد إيران تغيير الأساس الديموجرافي في المناطق الرئيسية (وهناك أقاويل أن ذلك هو سبب اندلاع مواجهات يناير)، فايران تسعى إلى زرع مختلف الميليشيات التي تحارب عنها بالوكالة داخل هيكل الدولة السورية التي تشهد إعادة تشكيل من جديد، على غرار قوات “الحشد الشعبي” الموجودة في دولة العراق المجاورة، وفوق كل ذلك فإن طهران تريد أن تجعل من سوريا مركزًا للعمليات خلال المواجهة القادمة بين إيران وإسرائيل.

لكن روسيا لا تريد شيئًا مما سبق، والهدف الأساسي لموسكو يتمثّل في الوصول لإنهاء الصراع عبر التفاوض على تقسيم منطقة إدلب التي يسيطر عليها الثوار (بما فيها القضاء على الجماعات المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام HTS) وذلك بالتنسيق مع تركيا، كما تهدف موسكو إلى منع اندلاع مواجهة تركية – كردية على نطاق واسع.

وليست هناك مصلحة للكرملين في اندلاع حرب جديدة مُدمِرّة بين تحالف تقوده إيران وبين إسرائيل، وهي المواجهة التي لن تستطيع موسكو السيطرة عليها حال اندلاعها، وتلك النقطة الأخيرة أصبحت مثارًا للخلاف بشكل خاص، حيث قام مؤخرًا مسئول إيراني رفيع المستوى بوزارة الدفاع باتهام روسيا بالتنسيق مع تل أبيب من أجل السماح لسلاح الجو الإسرائيلي بضرب أهداف إيرانية على الأراضي السورية.

والواقع أن التقارير الأخيرة حول التوتر بين روسيا وإيران على الأراضي السورية لا تعُد الأولى من نوعها، وعلى أي حال، فخلال الأزمة التي أثيرت حول صحة بشار الأسد خلال العام2017؛ سرت إشاعات بأن قوات الشرطة العسكرية الروسية والميليشيات الإيرانية قامت باحتلال مواقع استراتيجية في العاصمة دمشق، تحسُبًا لظهور خليفة بشكل مفاجئ للرئيس السوري بشار الأسد.

وطالما كانت موسكو لا تشعر بالوئام مع أفراد عائلة الأسد، وكذا فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لم يكن معجبًا ببشار الأسد، ويراه مسئولًا عن سوء الإدارة التي تم التعامل بها مع الثورة السورية، التي كادت أن تطيح بالأسد من سدة الحكم، وخلال زيارة سابقة للأراضي السورية، قام وزير الدفاع الروسي”سيرغي  شويغو” باستدعاء الرئيس السوري للقائه، وكانت تلك إشارة هامة لمن بيديه مقاليد الحكم، وهناك واقعة أخرى لا تُنسى؛ فخلال الزيارة التي قام بها “بوتن” للأراضي السورية في ديسمبر من العام 2017؛ تم منع بشار الأسد من السير بجوار الرئيس الروسي، حيث قام مسئول روسي بحجز الأسد بيديه حتى يمر فلاديمير بوتن.

والآن فقد بات واضحًا أن إيران تريد الخروج من التحالف الثلاثي مع روسيا وتركيا، وعبر رعاية الدول الثلاث للمفاوضات في الآستانة ومنتجع سوتشي، بات جليًا أن تلك الدول تتحكم في عقد الصفقات حول المسألة السورية، واللقاءات لا زالت مستمرة بين قادة الدول الثلاث، لكن لم يتم النظر إلى طهران فيما يخُص مصير “إدلب”، كما هو الحال بالنسبة لمنطقة “منبج”، وهي المنطقة التي تسعى أنقرة إلى طرد “وحدات حماية الشعب” الكردية منها، وكلا السيناريوهين تمت مناقشتهما بشكل علني وشبه حصري بين كل من موسكو وأنقرة، وللأمانة، طالما قامت طهران بلعب دور غير ظاهر في النشاط الدبلوماسي حول المسألة السورية، وتُفضِل طهران بدلًا من ذلك التحكم في الأحداث بشكل مباشر على الأرض، لكن من الواضح أن طهران سوف تصطدم مع روسيا على الأراضي السورية في هذا الإطار.

وخلال النصف الأول من الشهر الحالي، حاولت كل من موسكو وطهران التغطية على تلك الخلافات، وأصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا يشيد ب”التعاون الفعال بين روسيا وإيران من أجل استعادة وحدة الأراضي السورية”.

لكن تلك التصريحات العامة يمكن لها فقط أن تقوم بالتغطية بشكل كبير على الخلافات بين الطرفين، بينما دوافع ذلك التعاون تقل بشكل ملحوظ، والواقع أن العلاقة بين الفرقة الرابعة المدرعة والفيلق الخامس، وتحركات تلك القوات في وسط سوريا؛ سوف يكشف عن الكثير فيما يخُص العلاقة بين موسكو وطهران خلال الشهور المقبلة.

 

للاطلاع على المادة من المصدر اضغط هنا 

كلمات مفتاحية