الولايات المتحدة توقف دعم الدفاع المدني السوري

2018.06.18 | 15:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في بداية شهر مايو/أيار أكدت قناة سي بي سي الأميركية أن الإدارة الأمريكية قد جمدت المساعدات المقدمة لمنظمة الدفاع المدني السورية، المعروفة إعلامياً بـ “الخوذ البيضاء”، وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن هذه المساعدات – التي تأتي ضمن حزمة مساعدات تقدر بـ 200 مليون دولار – تخضع لمراجعة دقيقة منذ شهر مارس/آذار. على غير المتوقع، يأتي هذا التجميد بعد أن استضافت وزارة الخارجية وفداً من الدفاع المدني السوري في  الشهر نفسه، وكانت هناك إشارات إيجابية عقب هذا الاجتماع، حتى أن مسؤولين أمريكيين بارزين أعلنوا عن الالتزام بدعم الدفاع المدني السوري حتى عام 2020.

الدفاع المدني السوري هو منظمة أسسها متطوعون سوريون عام 2013 بهدف انتشال جرحى القصف والمعارك وإنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض نتيجة الحرب المستمرة في سوريا منذ عام 2011. ويقول مسؤولو المنظمة إنهم أنقذوا أكثر من 70 ألف شخص منذ بدء عملهم. ويحظى عناصر الدفاع المدني السوري بشعبية كبيرة في أوساط المدنيين، نظراً لجهودهم الكبيرة في انتشال الجرحى، ومساعدة النازحين في مخيماتهم، وبسبب التضحيات الكبيرة التي يقدمونها دون مقابل.

حتى عام 2016، خسر 106 متطوعين من الدفاع المدني حياتهم منذ تأسيس الفريق أثناء تنفيذ مهامهم، كما تعرضت مراكز تابعة لهم للقصف من قبل نظام الأسد وروسيا.

بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خطواتها العملية نحو الانسحاب من شمال سوريا، بدأ هذا الانسحاب بتجميد أكثر من 200 مليون دولار من أموال الدعم المقدمة لإعادة الاستقرار والبناء نهاية مارس الماضي. هذا القرار يعني تجميد معظم المشاريع التي تمولها الولايات المتحدة في سوريا، مثل جهود كشف الألغام وخطط إعادة تأهيل قطاع الكهرباء وترميم المدارس وإيصال المياه النظيفة. كما يعني قطع الدعم المالي المقدم للدفاع المدني السوري.

تساهم الولايات المتحدة الأمريكية بنحو ثلث الدعم المقدم للدفاع المدني السوري، في حين تدعمه دول أخرى، مثل المملكة المتحدة وهولندا والدنمارك وألمانيا واليابان وتركيا وقطر، كما يتلقى تبرعات من العديد من الأفراد حول العالم.

نفى رئيس الدفاع المدني السوري رائد الصالح علمه بقرار الولايات المتحدة إيقاف الدعم بشكل نهائي

وفي تعليق له على أنباء تجميد الدعم بشكل كامل عن منظمته، نفى رئيس الدفاع المدني السوري رائد الصالح علمه بقرار الولايات المتحدة إيقاف الدعم بشكل نهائي، لكنه أكدّ في لقاء صحفي مع إذاعة بي بي سي أنّ “بعض المشاريع الممولة من قبل واشنطن قد توقفت بالفعل”. أكد الدفاع المدني السوري في بيان صدر عنه بتاريخ 4 من مايو/أيار أنَّ “منظمتنا لم تستلم حتى اليوم أي إشعار رسمي حول وقف تمويلها”.

قال مسؤول بارز في الدفاع المدني، فضّل عدم ذكر اسمه، إنّ “مشاريع المنظمة ستتأثر بشكل كبير، وسيدفع المدنيون ثمن تراجع المشاريع التي يقدمونها، خاصة في ظل الحاجة إلى معدات إضافية، وضم المزيد من المتطوعين لمساعدة الآلاف من النازحين الذين يقيمون في مخيمات عشوائية تغيب عنها أبسط مقومات الإنسانية”.

رئيس الدفاع المدني أكد على استمرار عمل منظمته، قال الصالح “إنّه لن تطرأ أيُّ تغييرات جديدة على عمل الخوذ البيضاء، وسيستمرون بمساعدة الأهالي”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ منظمته “وقعت عقوداً ومشاريع جديدة مع منظمات تركية وأخرى قطرية لم يعلن عنها بعد”.

ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أنّ بريطانيا تدرس زيادة المساعدات المقدّمة لمنظمة الخوذ البيضاء عقب إعلان الولايات المتحدة وقف المساعدات المقدمة لهم. قالت رئيسة الوزراء البريطانية في تعليقها على القرار الأمريكي إنها تدرك “العمل المهم والقيم الذي تقوم بها منظمة الخوذ البيضاء”، مضيفةً أنّ “وزير التنمية الدولية سيقوم بالنظر إلى مستوى الدعم المقدم لهم في المستقبل”.

في السياق ذاته، قال محمود الساكت وهو أحد العاملين في برنامج “دعم المعارضة السورية المعتدلة بالمعدات اللوجستية غير فتاكة”، والذي تشرف عليه وزارة الخارجية الأمريكية منذ عام 2013، إنّ إشعارات ايقاف البرامج الأمريكية في شمال غرب سوريا وصلت قبل أيام لعشرات الموظفين العاملين في البرنامج منذ العاشر من شهر مايو/أيار. وأوضح الساكت أنّ ايقاف البرامج الإنسانية كان مفاجئاً ومؤثراً إلى حدّ بعيد، خاصة مع تواصل موجات التهجير القسري إلى الشمال السوري، وحاجة آلاف النازحين السوريين إلى المساعدة ودعم الاستقرار.

خلال الشهور الثلاثة الماضية فقط وصل أكثر من 102 ألف مهجّر قادمين من جنوب ووسط سوريا إلى مناطق شمال البلاد، بفعل العمليات العسكرية التي شنتها روسيا ونظام الأسد على مناطق سيطرة المعارضة. وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بانوس مومتزيس “إن الأزمة الإنسانية في سوريا هذا العام أسوأ من أيِّ وقت سابق”.

تأثير إيقاف الدعم الأمريكي عن مناطق سيطرة المعارضة سيكون كارثياً

تأثير إيقاف الدعم الأمريكي عن مناطق سيطرة المعارضة سيكون كارثياً وفق ما أكدّه مسؤول إغاثي محلي يعمل في جمعية “عطاء” في منطقة شمال حلب يدعى أحمد جازة. أرجع جازة السبب إلى إنّ “معظم المشاريع القائمة حالياً في المنطقة هي بدعم من منظمات تتلقى تمويلها من وزارة الخارجية الأمريكية، لاسيما دعم المجالس المحلية التي تقوم بإعادة تأهيل قطاعي الكهرباء والمياه والمدارس وإنشاء المخيمات وتقديم الطعام للنازحين، ومشاريع أخرى مثل دعم المرأة”.

وأشار جازة إلى أنّ الولايات المتحدة دعمت ثورة الشعب السوري في بدايتها، لكنها تتخلى عنه في منتصف الطريق. وقطع الدعم في مثل هذا التوقيت كما يرى “سيوقف كافة هذه الأعمال الإنسانية، وسيدفع الناس للجوع، ويعرض بعضهم لخطر الانزلاق في أيدلوجيات متطرفة”. ونوّه جازة إلى أن نقل الدعم الأمريكي إلى مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية في شرق سوريا سيؤدي إلى زيادة الحساسية في المنطقة بين مكونات الشعب السوري.

إن تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم مناطق سيطرة المعارضة كان متوقعاً، نظراً لزيادة التوتر التركي الأمريكي الأخير بعد عملية عفرين العسكرية، ودخول القوات التركية إلى شمال سوريا. يضاف إلى ذلك غياب استراتيجية أمريكية واضحة نحو الصراع في سوريا.

تواجه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا انتقادات واسعة في أوساط السوريين، فانسحاب الولايات المتحدة من سوريا له تداعيات كبيرة على مستقبل الصراع الدائر منذ 2011، ليس أقلها توسع النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، واقتراب نظام الأسد من حسم المعركة لصالحه، والإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبها خلال سنوات الثورة السورية. يضاف إلى ذلك الآن إيقاف المساعدات لإعادة الاعمار والاستقرار في المناطق المحررة، الأمر الذي سيساهم في استمرار معاناة السوريين سكان هذه المناطق، لعدم قدرتهم على مواجهة متطلبات الحياة الأساسية.