مخيم اليرموك: معركة النظام لتأمين جبهته الجنوبية

2018.05.20 | 16:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تخلو أسواق جنوب دمشق من المواد الغذائية الضرورية للأهالي، وتعيش سيناريو مشابهاً لمناطق سورية أخرى حاصرها النظام وقام بتهجير سكانها. تتجه أنظار النظام وآلته العسكرية الآن نحو مخيم اليرموك والمناطق المحيطة به. فمنذ 19 أبريل/نيسان الماضي، بدأ النظام السوري حملة عسكرية على تلك المناطق وحاصرها، لفرض سيطرته بالكامل على جنوب العاصمة.

مخيم اليرموك هو البوابة الجنوبية الأهم لقلب العاصمة دمشق. المخيم هو موقع عسكري استراتيجي للنظام في حال أراد بدء معركته ضد فصائل المعارضة في درعا وما حولها، من أجل بسط سيطرته كاملة من جنوب العاصمة نحو منطقة السيدة زينب (والتي تقع على بعد ستة أميال جنوب العاصمة دمشق)، والوصول إلى درعا والامتداد أكثر في الجنوب وصولاً للحدود الأردنية. تمثل منطقة السيدة زينب مزاراً شيعياً مهماً يطمح إليها الإيرانيون وحزب الله. تشكل فصائل المعارضة في الجنوب خطراً كبيراً على النظام، نظرا لموقعها الاستراتيجي حيث أن غالبية عناصر قوات المعارضة من مخيم اليرموك. ويسعى النظام إلى تأمين هذه المنطقة والسيطرة عليها، من خلال منع أي هجمات محتملة قد تتم ضده من جنوب سوريا.

تستهدف حملة النظام العسكرية أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن والعسالي وأجزاء من القدم، وهي مناطق خرجت عن سيطرة النظام، وأعلنت انضمامها للثورة على التوالي منذ عام 2012. وبعدها شهدت هذه المناطق، وخاصة مخيم اليرموك، العديد من المعارك بين قوات النظام وحلفائه من مجموعات مسلحة تابعة لفصائل تؤيده كـ”فتح الانتفاضة” والجبهة الشعبية القيادة العامة من جانب، وفصائل تابعة للجيش الحر ومعها فلسطينيون من جانب أخر.

 

 

تأسس مخيم اليرموك عام 1957 لتوفير الإقامة والسكن للاجئين الفلسطينيين في سوريا. ويقع المخيم على بعد ثمانية كيلو متر جنوب العاصمة دمشق. مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، انضم سكان المخيم للثورة السورية، حاله كحال المدن السورية التي ثارت على نظام جائر بحثاً عن الحرية والعدالة الاجتماعية، فقد عانى سكان المخيم من سوريين وفلسطينيين من ممارسات النظام السوري على مدار عقود.

كان يسكن المخيم اليرموك قبل عام 2011، 160 ألف شخص، معظمهم لاجئون من فلسطين منذ عام 1948، ويسكن فيه سوريون أيضاً. وكان المخيم يتسع لكل شخص يريد السكن فيه، لأنهنهأنأ كان منطقة سكنية متكاملة، وكانت تكلفة السكن فيه أرخص قياساً بمناطق دمشقية أخرى. لذلك، كان وجهة لطبقات فقيرة من السوريين للعيش فيه. وبعد الثورة، أصبح محطة للعديد من المعارضين للنظام، وشهد حراكاً سلمياً ضد الأسد، لكن بعد المعارك التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2012 بين قوات النظام وميليشياته من جهة، وبين قوات المعارضة والمجموعات الفلسطينية التي تدعهما من جهة أخرى، شهد المكان حركة نزوح كبيرة، حيث هاجر نحو 140 ألف من سكانه، إلى مناطق سورية أخرى وخارج سوريا.  

دخل مخيم اليرموك مرحلة جديدة عندما سيطر تنظيم داعش عام 2015 على مساحات كبيرة من المخيم، بعد معارك مع فصيل ” أكناف بيت المقدس” وجبهة النصرة. وأصبح المخيم مكاناً مرعباً على ما تبقى فيه من مدنيين، حيث أصبحوا محاصرين بين النظام بالخارج وقوانين داعش بالداخل. فقد فرض التنظيم قوانينه المتشددة على الجميع، وحارب وقتل كل من لا يبايعه ويعترف بخلافة أبو بكر البغدادي.

يقول الصحفي وليد الآغا، الذي كان يعمل في جنوب دمشق “مناطق جنوب دمشق الخارجة عن سيطرة النظام مقسمة إلى ثلاثة أقسام، الأول يلدا وببيلا وبيت سحم، وهي خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، مثل جيش الإسلام وجيش أبابيل ولواء شام الرسول وحركة أحرار الشام. القسم الثاني يضم الحجر الأسود ومخيم اليرموك والعسالي وأجزاء من حي التضامن والقدم، ويقع تحت سيطرة تنظيم داعش. أما القسم الثالث فهو جزء صغير يقع شمال غرب مخيم اليرموك من جهة دمشق، وهو منطقة الريجة، والتي تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً”. وقد تعرضت المنطقة لحصار مزدوج في عام 2017 من جانب تنظيم داعش من جهة، ومن قوات النظام السوري والفصائل الفلسطينية المتحالفة معه من جهة أخرى.

 يؤكد الآغا، أن أعداد المدنيين في المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش كان يقدر بنحو ألف شخص، نزح معظمهم إلى مناطق المعارضة المجاورة بعد سيطرة داعش على هذه الأحياء عام 2015، وظل عدد قليل داخل مخيم اليرموك رافضاً للخروج منه، متمسكين بأرضهم وبيوتهم، كما أن بعضهم لا يملك القدرة المادية على الرحيل.  

في الوقت الحالي، بحسب الآغا، تكتظ مناطق سيطرة المعارضة السورية وفصائلها بالمدنيين. حيث يبلغ تعدادهم 80 ألف نسمة في مساحة جغرافية صغيرة هي “يلدا وببيلا وبيت سحم”. ونزح مؤخراً 12 ألف لاجئ فلسطيني إلى هذه المناطق قادمين من مخيم اليرموك، بحسب “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا“.

بعد انتهاء النظام من السيطرة على الغوطة الشرقية وتهجير أهالها في الشهر الماضي، توجهت بوصلته نحو جنوب دمشق ليفرض كل سلطته على كل المناطق المحيطة بالعاصمة. وبالفعل، بدأ النظام باستهداف هذه المناطق عسكرياً، حتى أن بعض قذائفه أصابت مناطق المعارضة هناك رغم الهدنة الموقعة منذ عام 2014، التي تنص على وقف إطلاق النار بين النظام وفصائل المعارضة في يلدا وبيت سحم. 

يؤكد الآغا أن “النظام يريد استكمال تأمين محيط دمشق بشكل كامل، وسيطرته على المخيم والمناطق المجاورة له ستعطيه دفعة معنوية كبيرة، خاصة أن المعركة ضد داعش، وهذا بمثابة ترويج كبير له أمام المجتمع الدولي”.

وهو فعلاً ما نجح فيه النظام، فبينما تستهدف قواته تنظيم داعش، كانت وفوده تقوم بالتفاوض مع هيئة تحرير الشام على الخروج من مناطقها في مخيم اليرموك. بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان فإن عملية نقل مقاتلي الهيئة وعوائلهم والمدنيين في مناطق سيطرتها بالريجة وأطراف اليرموك الشمالي نحو ريفي حلب وإدلب، بدأت يوم 30 أبريل/نيسان. وبالمقابل، بدأت عمليات نقل نحو 1200 شخص من مدنيين ومسلحين تابعين للنظام من الفوعة وكفرية المحاصرتين من فصائل هيئة تحرير الشام بريف إدلب نحو حلب، وذلك تنفيذاً للمرحلة الأولى من الاتفاق الذي جرى يوم الأحد 29 أبريل/نيسان بين ممثلين عن الهيئة وممثلين عن النظام وروسيا.

ولحق ذلك اتفاق على تهجير أهالي يلدا وببيلا وبيت سحم، بدأ يوم الأربعاء 2 مايو/أيار، نص على إخراج مسلحي المعارضة وأهاليهم وكل مدني يرفض هذا الاتفاق، وتهجيرهم نحو جرابلس بشمال سوريا، حيت تسيطر عليها فصائل درع الفرات التي تدعمها تركيا. وسلمت فصائل المعارضة قوات النظام كل نقاط الاشتباك مع تنظيم داعش، في الحجر الأسود وعلى أطراف مخيم اليرموك.

يقول وليد موعد – اسم مستعار – صحفي فلسطيني سوري، إن النظام السوري سيطر على معظم مناطق مخيم اليرموك، ونسبة الدمار فيه بين 60-70% من بنيته التحتية. وبحسب موعد “النقطة المزعجة جداً هي حالة التعتيم والتجاهل بحق اليرموك وأهله… وعدم وجود أي تحرك حتى لو وقفات تضامن أو أي احتجاج على الذي يجري.”

هكذا يدخل مخيم اليرموك مرحلة جديدة، حيث من المتوقع أن يسيطر عليه النظام كاملاً، وألا تتوقف حملته ضد تنظيم داعش في مناطق أخرى مثل مدينة الحجر الأسود. فالهدف هو السيطرة الكاملة على المنطقة من أجل تأمين جبهته الجنوبية ضد أي هجوم متوقع من المعارضة ضد العاصمة دمشق. وسط كل هذه المعارك، وفي الوقت الذي تستمر فيه الطائرات السورية والروسية في قصف المناطق المحاصرة، يظل المدنيون عالقون ويتضورون جوعاً، يحاولون الهرب، ولكن العديد منهم لن ينجو.

 

لقراءة التقرير من المصدر يرجى الضغط على الرابط