(Menfur hadise) ودروس ألتن داغ

2021.08.15 | 06:11 دمشق

amal-shghb-fy-alasmt-altrkyt-anqrt-11-8-2021.jpg
+A
حجم الخط
-A

العنوان لا يحتاج إلى جهد يبذل لترجمته. كلمتان من العربية دخلتا على اللغة التركية في أجواء التعايش اللغوي والثقافي. حادثة منفرة. يستخدمها الأتراك في توصيف الأعمال المدانة المرفوضة اجتماعيا وأخلاقيا وإنسانيا. العنوان من عندي لكنه الدرس الأول المستخلص من قبل غالبية الأتراك في الشارع والإعلام والسياسة بعد حادثة ألتن داغ في العاصمة التركية أنقرة.

لم تتوقف حتى اليوم ردود الفعل التركية المنددة بما جرى بعد حادثة الشجار بين شابين تركيين وسوريين في أنقرة قبل 4 أيام والتي أدت إلى مقتل أحد الشابين التركيين وجرح الآخر وتوقيف السوريين المتورطين بتهمة القتل العمد بعد التحقيق معهما.

سبب تفاعل الحادثة هو حالة الغضب التي واكبت انتشار نبأ وفاة الشاب التركي أميرهان يالشين حيث احتشدت مجموعات من الشبان الأتراك تهتف بالشعارات الغاضبة المطالبة بترحيل السوريين عن الحي وتهاجم العديد من منازلهم ومتاجرهم وتعبث فيها. لكن المشكلة أيضا كانت في الترويج لمئات من الرسائل والتغرايدات التحريضية المفبركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي زادت الطين بلة.

حادث فردي مؤلم يتحول إلى تعبئة ومداهمة العديد من منازل السوريين وتهديدهم بالمغادرة. لكن العديد من الشهود السوريين والأتراك يقولون إن غالبية سكان الحي رفضت ما يجري وطالبت الحشود بالكف عن التصعيد وترك رجال الأمن يقومون بمهامهم خصوصا وأن الشرطة قبضت على المتهمين.

نجحت السلطات والأجهزة الأمنية التركية في ضبط الأمور والسيطرة على الموقف في الحي الواقع بالعاصمة التركية بعد ساعات من أعمال العنف والشغب والتصعيد ضد السوريين في المكان. تم توقيف العشرات من الشبان والمندسين بينهم أسماء مطلوبة للعدالة بتهم السرقة والإتجار بالمخدرات والاعتداء حاولوا التلطي وراء شعارات وطنية أو قومية لتبرير فعلتهم. دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية كان الأكثر تشددا ضد ما جرى محذرا من أبواق وقوى في الداخل والخارج تريد استهداف تركيا والانتقال بموضوع اللجوء إلى أجواء أخرى عبر أساليب العنف والشدة والتحريض. لكن الإجابة على تساؤل من الذي يضمن أن ما جرى لن يتكرر أمام أصغر شرارة يشعلها أحدهم في مكان وزمان آخر يبقى قائما بانتظار حلول عملية ميدانية أوسع.

من يضمن أنه إذا لم تعالج الأزمة السورية قريبا فالتغيير الحزبي والسياسي في الحكم بتركيا بعد عامين لن ينعكس سلبا على اللاجىء السوري

تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن بلاده لن تلقي باللاجئين السوريين في أحضان القتلة، ما دام حزبه في السلطة. لكنه كان مخيفا ومقلقا أيضا أن نقرأ ونسمع من يردد عبارات "أرشدونا إلى منازلهم ومتاجرهم". من يضمن أنه إذا لم تعالج الأزمة السورية قريبا فالتغيير الحزبي والسياسي في الحكم بتركيا بعد عامين لن ينعكس سلبا على اللاجىء السوري خصوصا وأن قيادات المعارضة تذكرهم يوميا بحزم الحقائب والاستعداد للعودة؟

عمر شليك الناطق باسم حزب العدالة يقول صباح اليوم التالي للأحداث "لن نسمح لأي شخص في بلدنا التحريض تحت ستار اللاجئ، كما لن نسمح لأولئك الذين يحاولون إثارة الكراهية ضد اللاجئين بأعمال من هذا النوع". لكن كمال كيليشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض مازال يردد أن حزبه بعد الوصول إلى الحكم سيحل مشكلة اللاجئين بالعقل السليم. "بالطبع سنرسل ضيوفنا إلى بلدانهم بالطبل والزمر". حمى ليلة الأربعاء في أنقرة كانت شديدة إلى درجة دفعت بالكاتب الإسلامي المقرب من حزب العدالة يوسف قبلان للقول إن ما جرى من أعمال عنف ضد السوريين هو أسلوب يليق بالفاشيين الغربيين وحدهم.

بدأ المشهد في حي ألتن داغ ليلة الأربعاء – الخميس المنصرم وكأن هناك من تحرك لإيقاظ مجموعات من الخلايا النائمة التي نشطت بشكل مفاجىء تهتف وترفع شعارات تحريضية معادية وتستهدف منازل ومتاجر العديد من السوريين وتذكر أطفالهم بتروما النظام في الداخل السوري.

هل من قتل الشاب التركي أميرهان ابن الثامنة عشرة هو الطفل الصغير إبراهيم السوري ابن السادسة ليدفع الثمن هو وأسرته على هذا النحو؟ سؤال ردد كثيرا من قبل الأتراك في الساعات الأخيرة. ثم هناك من يحمل المعارضة مسؤولية هذا النوع من ردود الأفعال، نتحدث منذ الصباح وحتى المساء بلغة تحريضية ضد اللاجىء السوري ثم ندعو للتهدئة ورفض العنف عندما يقع الفأس بالرأس؟

عندما قيل لهم إن أنقرة تبنت سياسة الأبواب المفتوحة وجهزت المخيمات وأعلنت أنها قادرة على استيعاب الجميع تحركوا باتجاه الداخل التركي. لا يمكن أن نقول لهم اليوم إن هناك من يريد الاصطياد في الماء العكر من الداخل والخارج أو وقعتم في المصيدة تركيا ليست أرضا سائبة وحان وقت رحيلكم قبل إنهاء أسباب مجيئهم وتشردهم على هذا النحو. كنا شركاء في أزمتهم ومحنتهم منذ البداية ولا يمكن التخلي عن المسؤوليات لمجرد أن البعض خرج يهتف بشعارات استفزازية تحريضية ضد اللاجئ السوري.

الخلاف كان فرديا لكن البعض أصر على تحويله إلى أزمة حي يتشارك المقيم واللاجىء حلم العيش فيه منذ سنوات. حلم أيقظنا منه أصوات الصراخ وطلب النجدة أمام مجموعات تردد النظام بانتظاركم في سوريا ولا مكان لكم بيننا بعد الآن.

المعالجة لن تكون أمنية فقط، هناك متطلبات سياسية واجتماعية واقتصادية أيضا يتحمل مسؤوليتها كلا الطرفين المقيم والوافد ودون حوار حقيقي حول تفاصيل وخلفيات ما جرى وما قد يجري في مكان آخر ومعالجة هذه الأسباب لن تهدأ الأمور.

حان أيضا وقت تحرك المؤسسات السورية والعربية المقيمة في تركيا لتنظيم نفسها وتحمل مسؤوليات المشاركة الفاعلة والمؤثرة في وضع خطط التقريب بين السوري الضيف والتركي المضيف. الدفاع عن اللاجىء وحقوقه لن يكفي. هناك من يريد الاندماج والبقاء وهناك متطلبات كثيرة من أجل ذلك لا يمكن تجاهلها. أين المؤسسات العربية الناشطة في تركيا والتي تستطيع تسجيل هذا الاختراق الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي وهي تشرح بالتركية للأتراك من هو السوري بدل الاكتفاء بتعريف السوري على من هو التركي؟

تذكير اللاجىء السوري بهويته وتاريخه ونمط عيشه وحماية خصائصه وحقوقه اللغوية والثقافية والاجتماعية من قبل المؤسسات السورية الناشطة شيء والتعامل مع مسألة تسهيل اندماجه بالمجتمع التركي وهو يحاول حماية هذه الخصائص شيء آخر.

الوسيلة الأفضل هي تحرك اللاجىء بنفسه ودون وسطاء لإيصال ما يريده إلى التركي وإبلاغه أنه تلقى الرسالة ويحاول الإجابة عنها مباشرة وبلغة البلد المضيف

الحل هو تقديم حلول أزمة اللجوء بجوانبها الاجتماعية الثقافية الاقتصادية والإنسانية على توصيفات الأزمة ومناقشة معالجتها بطابع أمني سياسي عقائدي أو حزبي. حل الأزمة السورية مهم، لكن وبانتظار ذلك عدم إغفال مضاعفات أزمة اللجوء إذا لم تعالج فورا وبشكل يحمي مصالح الجميع مهم أيضا. الوسيلة الأفضل هي تحرك اللاجىء بنفسه ودون وسطاء لإيصال ما يريده إلى التركي وإبلاغه أنه تلقى الرسالة ويحاول الإجابة عنها مباشرة وبلغة البلد المضيف. هناك العشرات من النماذج والأمثلة الناجحة في العالم التي نظمت العلاقة بين المقيم والوافد ثم بين الوافد الذي تحول إلى مقيم ووافد آخر.

اتصل بي أحد الأصدقاء السوريين من العاصمة أنقرة قبل عيد الأضحى المنصرم بيومين. كان غاضبا وحزينا في وقت واحد: أخي مريض في هاتاي نريد زيارته وتمضية العيد هناك مع الأسرة. طلبنا من المراجع المعنية الموافقة على طلب الانتقال عدة مرات دون نتيجة. لم يكن عندي ما أقوله. الآلاف من السوريين يذهبون إلى بلادهم لتمضية أيام العيد ثم يعودون إلى تركيا مجددا. هو يجد صعوبة في فهم المواد القانونية التي تمنعه من التنقل بين مدينتين تركيتين. بمقدوره أن يخالف ويذهب ويتحمل ثمن المخالفة، لكنه لن يفعل ذلك احتراما للقرارات كما يقول.