ورقة تركيا البيضاء بخصوص إدلب

2018.07.31 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تحدثت العديد من التقارير الصحفية مؤخراً عمّا أسمته "ورقة بيضاء"، قام الجانب التركي- بحسب هذه التقارير- بتقديمها إلى روسيا بشأن الحل النهائي في منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تضم قرى تمتد من اللاذقية وحماة وحلب ومعظم ريف إدلب ومدينة إدلب. واستناداً إلى المعلومات التي نشرتها هذه الصحف، فإن "الورقة البيضاء" –المفترضة- تتضمن عدّة بنود تسعى تركيا من خلالها إلى إيجاد حل للوضع في إدلب، من بينها إعادة التيار الكهربائي والمياه، وعودة المرافق الحياتية والخدمية، وفتح طريق حلب – دمشق، وإزالة السواتر والحواجز من منطقة دارة عزة نحو حلب الجديدة.

واستناداً إلى نفس التقارير الصحفية، فإن تركيا ستدعو جميع الفصائل والهيئات والتجمعات في شمال سوريا إلى مؤتمر عام يعقد خلال أسبوعين لمناقشة مستقبل إدلب، كما ستطلب من جميع الفصائل تسليمها السلاح الثقيل والمتوسط لتقوم بجمعه وتخزينه لديها على أن يتم الإعلان عن تأسيس ما يسمى "الجيش الوطني" من جميع الفصائل المسلحة، وتأسيس هيئة موحدة للكيانات غير العسكرية تنفذ مهام مدنية وخدمية بإشراف وإدارة أنقرة.

حتى هذه اللحظة، لم تؤكّد تركيا أو تنفي وجود ورقة بيضاء تمّ تقديمها إلى الجانب الروسي، كما لم يرد شيء موثوق عن مثل هذا الطرح في الإعلام التركي. لكن إذا ما أردنا تقييم مثل هذه الطرح،

الجانب التركي حساس جداً إزاء إدلب، ويوليها أهمية كبرى في هذه المرحلة بالتحديد.

والإجابة عن تساؤلات من بينها هل من الممكن لتركيا بالفعل أن تقدّم شيئا من هذا القبيل؟ وما هي العناصر المرجّحة أو غير المرجّحة في هذا الطرح؟ ولماذا الآن؟ نستطيع أن نقول إنّ بعض التفاصيل قد تكون صحيحة، لكن المشهد الأكبر هو الأهم.

تحظى التطورات المتعلقة بالوضع في إدلب مؤخرا باهتمام شديد لدى صانع القرار في تركيا، لاسيما مع التهديدات المتزايدة من قبل الأسد باستعادتها باعتبارها أولوية بالنسبة له -كما قال-. هناك من يخشى بالفعل من وقوع مثل هذا الأمر، سيما بعد الذي جرى في درعا على الحدود مع الأردن جنوباً. الجانب التركي حساس جداً إزاء إدلب، ويوليها أهمية كبرى في هذه المرحلة بالتحديد انطلاقاً من ثلاثة معطيات أساسية على الأقل.

المعطى الأوّل هو أنّ إدلب مجاورة لتركيا، وبالتالي فإن ما يحصل فيها من تطورات سيكون له انعكاسات سريعة على الداخل التركي. أمّا الثاني، فهو وجود قوات تركية منتشرة في مناطق متعددة فيها، وهو ما يفترض أن أنقرة ستكون مستعدة للدفاع عنهم في أي محاولة اعتداء. الأهم والأكثر حساسية بالنسبة للسلطات التركية هو أنّ إدلب تضم حوالي ٤ ملايين سوري سيكونون معرّضين لخطر داهم حال قرر النظام السوري وحلفاؤه شنّ حملة عسكرية على المدينة.

فضلاً عن ذلك، فإن حصول مثل هذا السيناريو يفترض أن تتعرّض تركيا بدورها لموجة نزوح مليونية، وهو أمر كانت الحكومة التركية قد عقدت العزم في السنوات الأخيرة على منع تكراراه مجدداً نظراً لتداعياته السلبية على وضعها الداخلي، فضلاً عن عدم قدرتها على تحمّل المزيد من موجات النزوح.

في هذا السياق، لا يوجد تعارض بين بعض ما ورد في الورقة البيضاء المزعومة وبين توجهات تركيا العامة، سواء لناحية العمل على تأمين الخدمات العامة والبنية التحتيّة اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم ومناطقهم،

 رسالة تركيّة مهمّة للجانب الروسي، تقول فيها أنقرة لموسكو إنّها قد تفقد دعمها للعملية السياسية. وفي مثل هذا الوضع، من المرجح أن تستجيب موسكو للمخاوف التركية، فالطريق إلى الحل لا يزال طويلاً، وهي لا تزال بحاجة إلى تركيا في سوريا.

أو لناحية وتأمين بيئة مستقرة وآمنة تسمح بتعجيل حصول مثل هذا الأمر. أمّا فيا يتعلق بفكرة تأسيس جيش وطني، فهي ليست فكرة جديدة، لكن ليس هناك مؤشرات حالياً على إعادة تأهيلها على حساب التركيز على الهياكل الأكثر محليّة وأكثر أهمّية في الوقت الحالي.

ما يهمّ تركيا الآن هو وقف أي خطط محتملة لنظام الأسد ضد المدينة. ولذلك من وجهة نظر تركية، فإن الوضع في إدلب يخضع في جزء منه لاتفاقات الأستانة التي تعدّ روسيا طرفاً أساسياً فيها. السماح للأسد بالقيام بأعمال عدائية ضد إدلب يعني انهيار الاتفاق، وهذه رسالة تركيّة مهمّة للجانب الروسي، تقول فيها أنقرة لموسكو إنّها قد تفقد دعمها للعملية السياسية. وفي مثل هذا الوضع، من المرجح أن تستجيب موسكو للمخاوف التركية، فالطريق إلى الحل لا يزال طويلاً، وهي لا تزال بحاجة إلى تركيا في سوريا. ولذلك، إلى أن تحقق موسكو قدراً من الاستقرار يضمن لها مصالحها على المدى البعيد، سيكون من الصعب عليها تجاهل المطالب التركية.