icon
التغطية الحية

5 أضعاف مساحة دمشق. ماذا تكشف الأقمار الصناعية عن حرائق الجزيرة؟

2019.06.23 | 17:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

على وجل انتظر فلاحو الجزيرة السورية نضج سنابل محصول لم يشهدوا مثله منذ نحو ثلاثة عقود، لكن نيراناً- بعضها مفتعل والآخر عرضي- التهمت بهجة الحصاد في منطقة لم ينطفئ لهيب معاركها على مدى الأعوام الثمانية الماضية.

وفي ظل تقاذف الاتهامات حول المسبب الرئيسي لهذه الكارثة، بين "الإدارة الذاتية" والنظام الحاضرين في المنطقة، قدم الطرفان أرقاماً عن مساحة الأراضي المحروقة قبل 20 حزيران الجاري.

وقال رئيس هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية سليمان بارودو إن النيران التهمت نحو 400 ألف دونم من محصول هذا العام، في أرياف الجزيرة السورية.

ووفق إحصاءات مديرية زراعة الحسكة التابعة للنظام شهدت محافظة الحسكة وحدها نشوب حرائق في أكثر من 30 ألف هكتار (300 ألف دونم) مزروعة بالقمح والشعير.

وبين أرقام "الإدارة الذاتية" وحكومة النظام تمكن "تلفزيون سوريا" من تقدير مساحة الأرض المحروقة في الجزيرة، عن طريق تحليل صور أقمار صناعية وفرتها مؤسسة (Sentinel-hub) التابعة للمفوضية الأوروبية.

وبلغت مساحة الأراضي المحروقة حتى 20 حزيران، في أرياف الرقة ودير الزور والحسكة الواقعة شرق الفرات نحو 558 كيلومترا مربعا (55800 هكتار)، ما يعادل خمسة أضعاف مساحة محافظة دمشق البالغة 105 كم².

صور قمر صناعي تظهر حرائق ريف الحسكة في الفترة الممتدة من 20 أيار إلى 20 حزيران

 

وتركز أكبر الحرائق في القحطانية حيث التهمت النيران نحو 148 كم² (14800هكتار)، ثم تلته من حيث المساحة حرائق مثلث القامشلي- تل براك -عامودة ووصلت مساحة الأراضي التي غطاها الرماد إلى نحو 90 كم² (9000 هكتار).

حريق القحطانية،  19 حزيران

 

الحرائق بريف القامشلي، 19 حزيران

 

إلى الشرق في اليعربية والصهريج وأبو حجر والناصرية بلغت المساحة المحروقة نحو 33 كم² (3300 هكتار)، وفي الريف المحيط بـ تل أصفر وتل حميس وأم الروس وتل اللحم وتل ذهب وعربيد الفوقاني التهم الحريق ما يصل إلى 104 كم² (10400 هكتار).

في القرى الممتدة بين رأس العين وتل تمر امتدت النيران على نحو 15.6 كم² (1560هكتار). وإلى الشرق من مدينة الحسكة بين تل براك والمدينة 8.4كم² (840 هكتارا). وفي الشدادي 1.4 كم² (140 هكتارا).

 

صور حرائق الرقة وعين العرب من 28 نيسان حتى 12 حزيران

 

ريف الرقة

أما في محافظة الرقة فشهد ريف تل أبيض حرائق تقدر بـ 25.4 كم² (2540 هكتار)، وكانت مساحة الحرائق في عين عيسى مقاربة لتل أبيض حيث وصلت إلى 25.3 كم²، (2530 هكتارا).

في عين العرب (كوباني) التابعة لمحافظة حلب كانت نسبة الحرائق هي الأقل في أرياف شمال شرق سوريا، مقارنة بباقي المناطق ووصلت مساحة الأراضي المحترقة إلى 6.7 كم² (670 هكتار).

إلى شمال غرب مدينة الرقة في الأراضي المحاذية لبحيرة سد الفرات بلغت مساحة الحقول التي التهمتها النيران، نحو 33.9 كم² (3390 هكتار)، وفي ريف سلوك 44.4 كم² (4440 هكتار).

حرائق ريف دير الزور  من 10 أيار حتى 19حزيران

ريف دير الزور

بدأت الحرائق في ريف دير الزور منذ مطلع أيار الماضي بعد جفاف الحقول المبكر، واحترق في منطقة البوكمال ما يقدر بـ 9.6 كم² (960 هكتارا).

 

صور حريق المريعية

 

أكبر حريق في ريف دير الزور حصل في منطقة المريعية الواقعة تحت سيطرة النظام والتهم 9 كم² (900 هكتار)، كما احترقت حويجة قاطع قرب مدينة دير الزور كلها بمساحة بلغت نحو 1.4 كم² (140 هكتارا)، فضلا عن احتراق حقول شمال المدينة مساحتها 0.766 كم² (76 هكتارا).

ونشير إلى أنه تم الحصول على الأرقام السابقة استنادا إلى قياس حجم الحرائق في صور الأقمار الصناعية المأخوذة في 19 حزيران الجاري، وأنه لم نتمكن من قياس مساحة الحرائق الصغيرة التي تقل عن 50 دونما بسبب كثرتها وانتشارها على جغرافية المنطقة.

حرائق أقل في عين العرب "كوباني".. ما السبب؟

شهد ريف عين العرب "كوباني" أقل نسبة حرائق في الجزيرة السورية وصلت إلى 6.7 كم² (670 هكتارا)، وذلك لأن المدينة تعد المركز الرئيسي للحصادات في سوريا إلى جانب عفرين، حيث اشتهر أهالي المنطقتين بامتلاك الحصادات منذ عدة عقود.

يوجد في عين العرب "كوباني" نحو 640 حصادة وفق تصريحات لخليل شيخ مسلم عضو لجنة الاقتصاد في المدينة، الذي أشار إلى محاولتهم منع أصحاب الحصادات من مغادرة المنطقة في أيار الماضي، قبل حصد حقول المنطقة لكنهم فشلوا.

ولا يوجد أرقام دقيقة عن عدد الحصادات التي باشرت العمل مع بداية الموسم، سوى رقم "شيخ مسلم"، وإحصائية من مديرية الزراعة التابعة للنظام قدرت عدد الحصادات في الجزيرة بـ 947 حصادة.

العدد المذكور كان عليه حصد 910 آلاف هكتار مزروعة بالقمح والشعير في محافظة الحسكة وحدها، ناهيك عن ريفي دير الزور والرقة الذين لا تتوفر أرقام دقيقة عن مساحة الأراضي المزروعة فيهما هذا العام.

تقلص عدد الحصادات في الجزيرة السورية إلى هذا الرقم بفعل سنوات الجفاف الطويلة، حيث بات الاستثمار فيها خاسراً قطعاً، بسبب سعرها المرتفع والذي يصل إلى 80 ألف دولار، وإنتاجها ينحصر في شهر ونصف الشهر خلال العام. بالإضافة إلى ذلك أتلفت المعارك الضارية التي شهدتها عين العرب والمنطقة عدداً كبيراً من الحصادات.

وحالَ عدم توفر الحصادات دون تدارك الفلاحين لمحاصيلهم قبل أن تلتهمها النيران، ففي منطقة الجزيرة ينتهي موسم الحصاد مع انتهاء الأسبوع الأول من حزيران، لكن هذا لم يحصل هذا العام، وهو ما يفسر اتساع مساحة الحرائق في الأسبوع الثاني من حزيران (حريق القحطانية)، بسبب جفاف المحصول، والقابلية العالية للاحتراق سواء كان بفعل فاعل أم لأسباب عرضية.

ويؤكد ما سبق ذكر مديرة الزراعة في الحسكة التابعة للنظام أنه تم حصد 705 آلاف هكتار حتى 20 حزيران في الحسكة، من مجمل المساحة المزروعة بالقمح والشعير في المحافظة البالغة 910 آلاف هكتار، ما يعني بقاء أكثر من 200 ألف هكتار إلى ما بعد التاريخ المذكور دون حصاد.

حرائق عين العرب (كوباني) 22 حزيران

 

حرائق على الطرق الرئيسية

تظهر صور الأقمار الصناعية أن معظم الحرائق الكبيرة وقعت على طرق رئيسية تربط مدن وبلدات في الجزيرة السورية. في القحطانية امتد الحريق على طول الطريق الواصل بين القامشلي واليعربية على الحدود العراقية. حريق ريف القامشلي اندلع على مقربة من طريق يربط المدينة بـ تل تمر.

 

 

الحدود التركية – السورية

اتهمت الإدارة الذاتية عدة جهات بافتعال الحرائق من بينها السلطات التركية، وقالت إن الأخيرة أشعلت الأراضي عبر الحدود. وبعد تحليل صور الأقمار الصناعية ظهر حريقان بريف تل أبيض امتدا في المنطقة العازلة والأراضي السورية، ومن غير الواضح ما إذا كانت الحرائق قد بدأت من الأراضي السورية وانتقلت إلى المنطقة العازلة أو العكس.

 

حريق على الحدود السورية التركية، 12 حزيران

عوامل عدة

على الرغم من تركيز جميع الأطراف على وقوف فاعل وراء الحرائق، إلا أن تضافر عدة عوامل كان السبب الأساسي في وصول الكارثة إلى هذا الحجم. ونذكر منها.

الأول: عدد الآليات الزراعية القليل الذي لم يكفِ لجني المحصول قبل فوات الأوان، فضلاً عن المساعدة في إطفاء الحرائق، التي يساعد الجرار الزراعي في إيقاف مدها أكثر من سيارات الإطفاء.

الثاني: نقص اليد العاملة بسبب هجرة العدد الأكبر من شباب المنطقة، وسحب البقية إلى التجنيد الإجباري، حيث ذكرت ناشطون توقف حصادات عن العمل بسبب اعتقال قوات الأمن الداخلي (الأسايش) شباباً كانوا على متنها وسوقهم إلى التجنيد.

الثالث: نمو حشائش ضارة في محيط الحقول بشكل كثيف إثر كمية الأمطار الغزيرة هذا العام، والتي ساعدت بشكل كبير في نقل الحريق من حقل إلى آخر.

الرابع: العواصف الرعدية التي ضربت المنطقة في وقت متأخر، والتي تسببت -بحسب الأهالي- في اندلاع حريق القحطانية الذي التهم حقول عشرات القرى.

يأتي المحصول هذا العام بعد أسوأ موسم شهدته سوريا منذ ثلاثين عاماً، وفق تقرير مشترك لـ "فاو" وبرنامج الأغذية العالمي، قدر إنتاج سوريا في 2018 بـ (1.2 مليون طن)، متراجعاً بمقدار الثلث عن العام 2017.

ويفسر غزارة محصول 2019 بانحسار المعارك عن معظم الأراضي المنطقة بعد القضاء على تنظيم الدولة، فضلاً عن موسم مطري جيد وصلت فيه كميات المياه المخزّنة في سدود الحسكة إلى 724 مليون م٣، بعد أن انخفضت في بعضها إلى درجة الصفر في السنتين الماضيتين، نتيجة لشح الأمطار، وتم تسجيل أعلى نسبة هطل مطري في المالكية ووصلت إلى 80 ملم، وفق مديرة الموارد المائية التابعة للنظام.

إن نسبة الحرائق -رغم اتساعها- ليست كبيرة إذا ما تم مقارنتها بمساحة الأراضي المزروعة في الجزيرة، فحرائق الرقة ودير الزور والحسكة تشكل 6 بالمئة من الحقول المزروعة بالقمح والشعير في الحسكة وحدها (910 ألف هكتار).

وفي ظل هذا الرقم يمكن للإدارة الذاتية التي ستستلم محصول قمح قدرته بـ 900 ألف طن فضلا عن الشعير، وتسيطر أيضا على باقي خيرات المنطقة، تعويض مئات الفلاحين، كي لا يعزفوا عن زراعة أراضيهم العام القادم، في بلد يعاني ربع سكانه مِن انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب.

 
كلمات مفتاحية