icon
التغطية الحية

يوم عاشوراء.. روايات كثيرة وطقوس مختلفة

2018.09.20 | 17:09 دمشق

يُعرف اليوم العاشر مِن شهر محرّم الهجري بـ يوم عاشوراء (إنترنت)
تلفزيون سوريا - سعيد غزّول
+A
حجم الخط
-A

يُعرف اليوم العاشر مِن شهر محرّم الهجري بـ(يوم عاشوراء) والذي صادف مجيئه، اليوم الخميس (20 أيلول 2018)، وهو يوم سُردت عنه روايات كثيرة وبشكل خاص أسباب احتفال المسلمين بيوم يعود أصله وفق الروايات إلى "يوم الغفران" في الدين اليهودي.

ولكن المروي عن "يوم عاشوراء" في العقيدة الإسلامية، روايتان هما حدثان مؤثّران اختلف المسلمون (سنّة وشيعة) بسببهما على كيفية القيام بالواجب الديني تجاه هذا اليوم، إلّا أن الواجب المعتمد في هذا اليوم محصور بالصيام، وهو المنهج الوسطي في روايات الدين الإسلامي، ويصوم (أهل السنة) بناء على أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم يوم العاشر ويوماً قبله أو بعده، وذلك لـ مخالفة اليهود في ذلك.

 


حدثان لـ (يوم عاشوراء) في الإسلام

الحدث الأول هو (نجاة نبي الله موسى عليه السلام وقومه، وهلاك فرعون وجنده)، حيث روى صحيحا مسلم والبخاري (أصح كتب الحديث لدى أهل السنة) عن "ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليم وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال الرسول "فنحن أحق وأولى بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه.

ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان صيام(يوم عاشوراء) واجباً، ولمّا فُرض صيام شهر رمضان أحال الرسول صوم عاشوراء لـ مَن أراد ذلك دون فرض، حيث تروي الأحاديث - مِن صحيح البخاري - عن السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: "فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامه - أي عاشوراء - وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه".

أمّا الحدث الثاني فهو مقتل الحسين (حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن ابنته فاطمة زوجة علي بن أبي طالب)، وكان ذلك في يوم الجمعة سنة 61 هجرية في منطقة كربلاء بالعراق - حسب المواقع الإسلامية -، وكان عمر الحسين حينها 58 عاماً، لذلك يعتبره (المسلمون الشيعة) يوم عزاء وحزن.

 

طقوس "عاشوراء" بين الشيعة والسنة

معظم دول العالم الإسلامي تحتفل بـ(يوم عاشوراء) ولكن بطرق مختلفة عن بعضها البعض، وخاصة تلك الدول التي تضم أعداداً كبيرة مِن المسلمين (الشيعة)، الذين يحتفلون بهذا اليوم بطرقهم الخاصة، حيث يواصلون ضرب أنفسهم بـ سلاسل حديدية (ما يُعرف بـ اللطم)، على اعتبار أنه يوم عزاء وحزن على مقتل (الحسين) فيه، ويُعتبر يوم عاشوراء في بعض الدول كـ"إيران، وباكستان، ولبنان، والبحرين، والعراق، .." عطلة رسمية.

ويختلف (عاشوراء الشيعة) عن (عاشوراء أهل السنة)، حيث يرتبط لدى السنّة بشكل أساسي بـ"عاشوراء اليهود" - وفق الحديث المذكور أعلاه والذي رواه البخاري ومسلم - ويصومون اليوم تعظيماً وعملاً بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم الذي صامه وقال في فضله "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

أمّا (عاشوراء الشيعة) فغير مرتبط بما حدّث عنه النبي، ولهم مصادر أخرى وطريقة مختلفة في التعاطي مع المسائل الدينية تختلف بشكل كلي عن طريقة تعاطي (أهل السنة)، ومنها يوم عاشوراء الذي يعتبرونه يوم ذكرى (مقتل الحسين في كربلاء) ويحتفلون فيه عن طريق إقامة مجالس البكاء والعزاء واللطم على مقتله.

وعن (مقتل الحسين ويوم عاشوراء) قال ابن تيمية (أحد أبرز العلماء عند مسلمي السنّة والملقّب بـ"شيخ الإسلام")، "وكان قتله - رضي الله عنه - من المصائب العظيمة؛ فإن قتل الحسين, وقتل عثمان قبله: كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة وقتلتهما من شرار الخلق عند الله، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لـ صيام هذا اليوم شكراً لله على نجاة موسى وإهلاك فرعون، ولا علاقة لصيامه بمقتل الحسين رضي الله عنه أبداً".

 


"عاشوراء" عند اليهود

حسب الروايات ومنها روايات الدين الإسلامي فإن (يوم عاشوراء) بالأصل يوم مرتبط بالدين اليهودي، ولكن تختلف رواية اليهود أنفسهم عن رواية الإسلام بما يخص عاشوراء، فحسب رواية اليهود، فإنه "بعد خروج بني إسرائيل مِن مصر، ترك موسى قومه، أثناء تجوّلهم في سيناء، وصعد لـ يقابل الرب على جبل الطور في سيناء، وعندما تأخر بالعودة، طلب الناس مِن أخيه (النبي هارون) أن يصنع لهم تمثالاً لـ الإله، فجُمِعت الحلي الذهبية وسُبِك منها عجل"، حسب "الإصحاح 32 من سفر الخروج".

وفي مقال لـ موقع "رصيف 22" بعنوان "يوم عاشوراء... هل صام النبي محمد مع اليهود في يوم الغفران؟"، قالت إن هذا الحدث يشير إلى "تأثر العبرانيين بعبادة العجل أبيس في مصر القديمة، البلاد التي غادروها لتوهم، ووقعت الترجمة العربية غير الدقيقة لـ التوراة في خطأ لم يصححه أحد حتى الآن، إذ تقول إن اليهود عبدوا العجل، ولكن الحقيقة أن خطيئة اليهود لم تكن أنهم عبدوا عجلاً، وإنما جعلوا للرب (يهوه) تمثالاً يصوره في شكل عجل، لأن الرب نهى عن تمثيله في أية صورة"، وأتى غضب الرب على اليهود بسبب ذلك وكاد أن يفنيهم لولا تدخل موسى، كما يذكر "سفر الخروج" فغفر لهم وقال لـ موسى: "وَالآنَ اذْهَبِ اهْدِ الشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ. هُوَذَا مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ. وَلكِنْ فِي يَوْمِ افْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ". ومن هنا أتى "يوم الغفران" أحد أهم الأعياد اليهودية.

وبعد "حادثة العجل" بمئات السنين هاجر النبي محمد مِن مكة إلى المدينة وكانت تحوي قبائل يهودية عدة، ووصل في يوم كان يصوم فيه اليهود وسألهم عن سبب الصوم - حسب الرواية الإسلامية - وأجابوه "هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" (صحيح البخاري 2004 – صحيح مسلم 2659، 2658).

وحسب المقال، فإن الرواية الإٍسلامية إذا صحت، فربما مثّل هذا اللقاء فرصة لليهود المتوجسين مِن الدعوة الجديدة لاختبار صاحبها (النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، لأن جواب بعض اليهود عن سبب صيامهم انطوى على "خدعة" ما زال أثرها ممتداً منذ أكثر مِن 1400 عام وحتى اليوم، لأن اليهود ذكروا أن ذلك اليوم كان عيد نجاة بني إسرائيل من الفرعون أي عيد الفصح (بيسح بالعبرية أي العبور)، في حين أن ذلك اليوم كان "يوم الغفران" (يوم كيبور بالعبرية) أي "عيد غفران خطيئة عبادة الرب في صورة العجل الذهبي".

وجاء قرار النبي (محمد) عليه الصلاة والسلام، بأن يصوم المسلمون مع اليهود وصام هو نفسه في ذلك اليوم، وربما في هذه اللحظة حسم اليهود أمرهم تجاه النبي العربي الذي سيقول في ما بعد: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم" (عندما كان اليهود وهم أهل كتاب، يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لـ أهل الإسلام).

وتقدّم الرواية الإسلامية دليلاً آخر بما يخص عاشوراء، حيث تقول "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي صلى الله عليه وسلم: صوموه أنتم" (البخاري 2005 – مسلم 2660، 3942)، وإن صحت هذه الرواية، لا يمكن أن يكون هذا اليوم - حسب مقال "رصيف 22" - غير "يوم كيبور" (عيد الغفران) لأنه يقع في اليوم العاشر (10 تشري حسب التقويم العبري) وهو سبب تسمية هذا اليوم بعاشوراء، في حين يبدأ "عيد الفصح" في 15 ويستمر حتى 22 من نيسان حسب التقويم العبري، لذا لا يعود من معنى لـ تسمية اليوم بـ عاشوراء.

 


روايات إسلامية عن أحداث وقعت في العاشر مِن شهر محرم

الكثير مِن المؤرخين تحدثوا عن أحداثٍ عديدة وقعت في يوم العاشر من شهر محرم (أول شهر في السنة الهجرية)، مثل أن الكعبة كانت تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء، ثم صارت تُكسى في يوم النحر (أحد مناسك الحج)، وأن عاشوراء أيضاً هو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي نجى الله فيه نوحاً وأنزله من السفينة، وفيه أنقذ الله نبيه إبراهيم من نمرود، وفيه رد الله يوسف إلى يعقوب، وهو اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وجنوده ونجى موسى وبني إسرائيل.

كذلك يذكر أنه في يوم عاشوراء، غفر الله لـ نبيه داود، وفيه وهب لـ النبي سليمان مٌلكاً، وأخرج فيه نبي الله يونس من بطن الحوت، ورفع عن أيوب البلاء، إلّا أنه هذه الأحداث كلها أنكرها بعض علماء أهل السنة ومنهم (الشيخ محمد بن صالح المنجد) الذي بيّن في موقعه أنه "لا تصح أي من هذه الروايات سوى فضل الصوم في هذا اليوم وأن إظهار الفرح في هذا اليوم هو مذهب النواصب أما إظهار الحزن فيه فهو مذهب الراوفض وكلاهما غلو في هذا اليوم، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي في كربلاء ظلماً".

المشهور بأن (صوم عاشوراء) كان بداية الصوم في الإسلام، وهناك خلاف على وجوبه واستحبابه في الفقه الإسلامي - حسب موقع "صيد الفوائد" الإسلامي -، ولكن ما لا خلاف عليه أنه سبق صوم رمضان في العقيدة الإسلامية، وكلمة صوم العربية مأخوذة من كلمة "تسوم" العبرية، فهذا الطقس كان يهودياً في الأساس {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} (البقرة: 138)، والفارق بينهما أن الصوم في الإسلام دوره تعبدي، في حين يمثل في اليهودية إحياء ذكرى أليمة مثل  روايتهم في قصة "هدم الهيكل"، أو "خطيئة عبادة الرب في صورة العجل الذهبي".

إلى ذلك - وحسب شبكة المجلس العلمي الإسلامي (الألوكة) - فإن الديانات الثلاث (اليهودية والنصرانية والإسلام) تتشارك في كثير مِن الطقوس والاعتقادات، وتتشابه فيما بينها، وما ذلك إلا لـ وحدة المصدر والأصل، لكنْ تبدلت بعض الشعائر والمعتقدات، وخالفت المصدر والأصل الأول، ومع ذلك بقي بعض الشعائر والمعتقدات على حاله من حيث الأصل مع اختلاف في التطبيق ومن ذلك (يوم عاشوراء).