وزير دفاع حزب الله ونظام الأسد

2019.02.22 | 20:27 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تصرف وزير الدفاع اللبناني إلياس بو صعب في مشاركته الغريبة بمؤتمر ميونيخ للأمن، وكأنه وزير دفاع حزب الله ونظام الأسد، وليس وزير دفاع في حكومة سعد الحريري على علاتها ووهنها وقلة حيلتها.

بو صعب قال إن تركيا بحاجة إلى موافقة النظام لتنفيذ فكرة المنطقة الآمنة داخل سوريا، ومن دون ذلك ستكون مأوى للإرهابيين. كما سأل باستعراض عن  المطرانين المخطوفين في حلب، متماهياً مع أكاذيب وافتراءات الحشد الشعبي الإعلامي في بيروت، التي تحمل تركيا المسؤولية عن خطفهم، كما عن الثورة نفسها وما تلاها من تطورات في سوريا مع تبني وجهة نظر النظام، الذي قتل مليون سوري وهجر عشرة ملايين، ودمّر نصف البلد بما في ذلك استخدام السلاح الكيماوي على مرأى من العالم.

أعتقد أن بو صعب تطفل من أجل المشاركة في المؤتمر وعرض نفسه على الحضور - لتلميع صورته أمام مشغليه

أعتقد أن بو صعب تطفل من أجل المشاركة في المؤتمر وعرض نفسه على الحضور - لتلميع صورته أمام مشغليه - ولا أتصور أن أحدا مهتم بمشاركة وزير دفاع حكومة فاقدة لسطلتها وهيبتها في بلد خاضع تماماً لميليشيات مسلحة وبندقيتها التي أوصلت مسؤول بو صعب وزعيمه إلى القصر الرئاسي في بعبدا.

قبل الحديث عن تركيا والمنطقة الآمنة لابد من التساؤل هل يستطيع بو صعب التعرض لوجود حزب الله غير الشرعي في سوريا؟ هل يجرؤ على القول إنه احتلال طالما أنه تم ويتم بعيداً عن إرادة الحكومة اللبنانية والسلطة الشرعية، غير الموافقة والتى لم يؤخذ رأيها، علماً أن الموقف الرسمي هو النأي بالنفس، وعدم التدخل في سوريا، وإذا فرضنا جدلاً أن نظام بشار -شرعي كما يقول بو صعب، رغم أن الشعب السوري أسقط شرعيته منذ اليوم الأول للثورة - فهل يملك الحق في دعوة ميليشيا أجنبية لنجدته ومساعدته دون موافقة حكوماتها، كما جرى مع حزب الله وميليشات الحشد، بل الحشود الشعبية الأخرى العراقية الباكستانية والأفغانية.

وهل يجرؤ بو صعب على انتقاد وجود حزب الله غير الشرعي في اليمن دعماً للانقلاب الحوثي على الشرعية اليمنية، التي يزعم الوزير اللبناني أنها عامل مهم في تقييماته، كما تدخل الحزب نفسه فى العراق بعيداً عن الحكومة اللبنانية الشرعية التى يستخف بها دعماً لجماعات إرهابية غير شرعية ارتكبت وما زالت جرائم حرب موصوفة من تهجير وإخفاء قسري وتغيير ديمغرافي في الموصل ومناطق عراقية أخرى.

وهل يستطيع الوزير اللبناني القول إن الوجود الأميركي في سوريا، هو احتلال رغم أن الوجود التركي مختلف وشرعي حسب القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية الدولية ذات الصلة بما فيها اتفاقية أضنة، التي لا تفقد شرعيتها القانونية، حتى مع فقدان النظام نفسه لشرعيته، وهل يجرؤ بوصعب على تبني وحتى ذكر تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة بجرائم الاحتلال الروسي - الشرعي من وجهة نظره وحلفائه - ودعمه النظام في ارتكاب جرائمه الموصوفة بحق البشر والحجر في سوريا.

تركيا تملك بالتأكيد الحق في الدفاع عن أمنها وأمن مواطنيها حسب المادة 51من ميثاق الأمم المتحدة، وحتى حسب اتفافية أضنة، كما الاتفاقية الشبيهة مع النظام السابق في العراق. أما القول إن المنطقة الآمنة ستكون مأوى للإرهابيين. ففيه تجريم واضح لثوار الجيش الحر، وكل معارض للنظام وتساوق مع اتهامات الحشد الشعبي الإعلامي لتركيا بدعم الإرهاب، علماً أن من تحاربهم تركيا هم الإرهابيون الحقيقيون حلفاء النظام وصنيعته وحلفاء بو صعب نفسه أيضاً.

وفيما يتعلق بالمطرانين المخطوفين، ومع التعاطف مع قضيتهم، لماذا الاستعراض واتهام وتحميل تركيا ولو ضمنياً المسؤولية عنهما ، ولماذا لا يتحدث مع النظام وحلفائه وهم من جندوا المتطرفين ثم استقبلوهم كضفادع عائدين فيما بعد؟ وهل يجرؤ بو صعب بالمقابل على مخاطبة نظام الأسد وسؤاله عن المختطفين  والمختفين اللبنانيين في سجونه منذ عقود؟ وهل يجرؤ كذلك على سؤال إيران علناً -وحتى سراً - عن المواطن اللبناني المسيحي نزار زكا المحتجز منذ أكثر من ثلاث سنوات والذى اختطف وحوكم سراً رغم أنه تلقى دعوة رسمية لزيارة إيران، والمحروم لقاء أسرته وأصدقائه ومحاميه الذين لم يطّلعوا حتى على نص الحكم الصادر ضده.

ثمة تساؤلات كثيرة سياسية وإعلامية عن خلفيات موقف بو صعب المستهجن وتشبيحه العلني ضد تركيا والحقيقة هناك أسباب عديدة منها أنه يعي جيداً من أوصل رئيسه إلى قصر بعبدا، ويعي جيد من يملك السلطة والسطوة على تعبيد الطريق للمناصب أو وضع الفيتو، ومنع الوصول لها وهو يتصرف بانتهازية واضحة باعتبار أن حاضره ومستقبله السياسي باتا بيد حزب الله وسلاحه، كما قال فعلاً وعلناً، ودون أن يرف له جفن. نواف الموسوي نائب الحزب في المجلس النيابي في مواجهة ممثلي الشعب منتخبيه.

بو صعب نفسه كان قد قال قبل سفره إلى ميونيخ إنه لا يعدّ وجود جيش النظام في لبنان احتلالاً متخلياً عن الرواية التاريخية لتياره السياسي

بو صعب نفسه كان قد قال قبل سفره إلى ميونيخ إنه لا يعدّ وجود جيش النظام في لبنان احتلالاً متخلياً عن الرواية التاريخية لتياره السياسي وحديث ميشيل عون نفسه عن نضاله لسنوات في أوروبا وأميركا لإخراج الأسد ومخابراته من لبنان.  

ثمة بعد فكري طبعاً في موقف بو صعب يتمثل بانضوائه ضمن الحلف الأقلوي الطائفي الذي يقوده نظام الأسد وحزب الله في سوريا ولبنان لتسويغ الاستبداد والهيمنة والقمع، ورفض الشراكة في الدولة المدنية الديمقراطية لكل مواطنيها، زميله في التيار السياسي جوزيف بو فاضل كان أكثر صراحة وفظاظة عندما قال علناً إن تحالف المسيحيين مع بشار الأسد وحسن نصر الله وأميركا أوروبا ورورسيا هو ضد تركيا، بغرض تحرير "آية صوفيا" واستعادة القسطنطينية حسب تعبيره.

ليس واضحاً إذا نسق بوصعب زيارته ومداخلته مع رئيس حكومته سعد الحريري، ولكنني أعرف يقيناً أن زميله في الحلف السياسي والحكومة وزير النازحين صالح الغريب زار دمشق المحتلة دون علم الحريري وتبنى هناك نظرية ورواية النظام، كما أشاد بموقفه من قضية اللاجئين، رغم أن سلفه الوزير معين المرعبي تحدث عن مسؤولية النظام وحزب الله عن التغيير الديمغرافي في القصير والقلمون ومنعهم عودة شرائح معينة من اللاجئين، علماً أن المنظمات الدولية الحقوقية قالت الشيء عينه شارحة بالتفصيل أساليب النظام المعرقلة للعودة، وكيف قام عمداً بتدمير ممتلكاتهم ومصادرة ما تبقى منها.

عموماً لا أعتقد أن وجود بو صعب المتطفل فى ميونيخ أثار انتباه أي مشارك لسؤاله ونقاشه لمعرفتهم أنه لا يملك سلطة ولا قرار في بلاده. ولا شك أنه تبنى رواية حزب الله  والنظام وتصرف كوزير تابع لهم لتقوية موقعه السياسي الداخلي وتحسين فرصه المستقبلية، وأعتقد أنه كان سيقع في إحراج شديد لو تم سؤاله عن الحزب وتدخلاته الخارجية، وحتى عن ممارساته في لبنان نفسها و كلام  نواف الموسوي ، أو عن أنفاق الحزب على الحدود مع فلسطين المحتلة التي بنيت بعيداً عن الشرعية اللبنانية وبذهنية الدويلة داخل الدولة التي يتصرف بها الحزب منذ غزوة بيروت فى أيار 2008.

اعتاد الإعلام الإسرائيلي فى الماضي على وصف عماد مغنية بوزير دفاع حزب الله، هذا عندما كان الحزب مقاوماً قبل أن يهيمن على السلطة فى البلد، متجاوزاً اتفاق الطائف-لا يعطيه بالتأكيد الحق الحصري فى تسمية رئيس الجمهورية- وكاسراً التوازنات السياسية والطائفية ، وقبل أن يتحول لأداة وشريك لنظام الأسد القمعي وذراع للإمبراطورية الفارسية التوسعية، ويصبح المليونير إلياس بو صعب وزير دفاعه الأمر الذى يشرح الواقع كله دون تجميل أو تحريف للحزب ولـ"بوصعب" نفسه .