وحدة إسلامية ثلاثية.. ما هي الخلفيات والأهداف ؟ وأين العرب منها؟

2019.08.16 | 23:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

دعا رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد على هامش زيارته لأنقرة نهاية تموز/ يوليو الماضي إلى تأسيس وحدة إسلامية بين ماليزيا تركيا وباكستان. الدعوة المفاجئة قوبلت بحذر وتروّي من قبل أنقرة، وترحيب كبير وفوري من قبل إسلام أباد التي أبدت استعدادها للانخراط الفوري بها.

طبعاً، ثمة قواسم مشتركة أساسية بين الدول الثلاث أهمها الإسلام نفسه، الذي اختلط بالقومية فيها وشكل مركبا مهما من مركبات الهوية لتلك الدول، حتى إنه يمثل الدين والقومية بالنسبة لباكستان بعد انفصالها عن الهند استناداً عليه أصلاً، وهو أمر يمكن قوله عن ماليزيا أيضاً، حيث امتزج الدين بالقومية فيها، بينما حضر الإسلام بشكل مركزي في تاريخ تركيا على مرّ العصور، ومحاولات استبعاده باءت بالفشل الذريع، رغم الكم الكبير من الاستبداد والعنف والحديد والنار الذي تم استخدامه لإقصاء الدين عن الوعي الجمعي للشعب التركي.

ثمة قواسم مشتركة أساسية بين الدول الثلاث أهمها الإسلام نفسه، الذي اختلط بالقومية فيها وشكل مركبا مهما من مركبات الهوية لتلك الدول

ثمة قاسم آخر، ولكنه لم ينل حظه الكافي من الاهتمام ويتمثل بالنظام الديموقراطي في الدول الثلاث البرلماني في ماليزيا وباكستان، وحتى فترة قريبة في تركيا قبل أن تتحول إلى النظام الرئاسي – 2017 - أي أننا نتحدث عن دول إسلامية بديمقراطية راسخة، رغم الهزات والتحديات الصعبة التي واجهتها خلال عقود حتى مع انقلابات عسكرية دموية. كما كان الحال مراراً في باكستان، ثم في تركيا نفسها تموز/ يوليو 2016.

إلى ذلك يمكن الحديث عن تقارب سياسي بين الدول الثلاث تجاه معظم ملفات ومستجدات المنطقة في الحوض العربي الإسلامي - الشرق الأوسط - وإذا تحدثنا عن القضايا الفلسطينية السورية اليمنية والليبية وحتى الصراع المستجد بين أمريكا وإيران نجد أن ثمة خطوط عريضة واضحة ومتقاطعة تدعم الحق الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس الشريف، كما تدعم الثورة السورية والثورات العربية وحق الشعوب في حكم نفسها بنفسها ضمن أنظمة ديمقراطية تعددية، مع رفض سياسة العقوبات والحصار والدعوة لحل سلمي بين واشنطن وطهران.

مع الإسلام والديموقراطية والاستقرار السياسي الأمني رغم بعض المنغصات والرؤى السياسية الخارجية المتقاربة، نتحدث عن كتلة شعبية وسوق ضخمة من 300 مليون مواطن تملك قدرات بشرية اقتصادية متنوعة وثرية، وحتى علمية وعسكرية كبيرة وبإمكانها بالتأكيد التكامل فيما بينها لتشكيل وحدة سياسية اقتصادية عسكرية كبيرة.

في الاقتصاد نتحدث كذلك عن دخل قومي للدول الثلاث يتجاوز ال 2 تريليون دولار، هو رقم ضخم طبعاً  يسمح مع التنوع في الثروات والقدرات الاقتصادية، بتكامل جدي ومثمر بينها، ويؤسس قاعدة صلبة ومثالية للوحدة، أو في الحد الأدنى للتعاون الاقتصادي متعدد الأبعاد والمستويات والساحات طبعاً .

مهاتير  محمد تحدث باهتمام عن التعاون العسكري، وأشار إلى التقدم التركي فيما يخص الصناعة العسكرية وكيفية الاستفادة منها في التكتل، أو الإطار الوحدوي الإسلامي مع إشارة أيضاً إلى قيادة تركية لهذا التكتل.

لم يتطرق رئيس الوزراء الماليزي من قريب أو بعيد إلى العرب، أو الحضور العربي في هذه الفكرة الوحدوية الإسلامية؛ وعربياً يمكن أن نتحدث عن ثلاث بل أربع حواضر وعواصم تاريخية، هي القاهرة دمشق وبغداد والرياض التي ورثت الدور الروحي لمكة والمدينة مع قوّتها الاقتصادية الكبيرة فى العقود الأخيرة. وبنظرة على الواقع العربي الحالي، نجد القاهرة مختطفة من نظام استبدادي دموي قمعي يأخذها بعيداً عن تاريخها الإسلامي، وبغداد ودمشق محتلتان بشكل مباشر من القوى الأجنبية بالمعنى الدقيق للمصطلح. فالأولى محتلة من أميركا وإيران، والثانية من روسيا وإيران أيضاً، بينما الرياض تحكمها قيادة حديثة العهد بالسياسة دون خبرة تجربة ومعرفة واستيعاب لحقائق وقائع الزمان والمكان، قيادة تأخذها للأسف في طريق ساذج خاطىء بعيداً حتى عن الأساس الديني الذي بنيت عليه.

بالتالي، لم يكن مفاجئاً بل كان منطقياً أن يتجاهل مهاتير الحضور العربي، إلا أن الانفتاح الثلاثي التركى الماليزي والباكستاني على القضايا العربية والعلاقات مع المحيط العربي تبقي الباب مفتوحاً أمام المشاركة العربىة مستقبلاً عندما تنعتق القاهرة من اختطافها، وتتحرر بغداد ودمشق من الاحتلال الأجنبي، وتستعيد الرياض وعيها التاريخي وتحدد مصالحها الحقيقية أين ومع من؟

كان لافتاً أيضاً غياب إيران عن مقترح مهاتير محمد، ليس فقط لنظامها الاستبدادي – رغم أنه إسلامي شكلاً - إنما أيضاً لسياستها الطائفية المذهبية الإقليمية المدمرة، كما لماضيها السلبي مع الحواضر العربية والإسلامية حيث كانت القطيعة هي القاعدة والتقارب هو الاستثناء، ورغم علاقة طهران الجيدة مع أنقرة وإسلام أباد وحتى كوالامبور إلا أنها تسير إقليمياً في اتجاه مختلف عنيف ودموي، ومجرد تباهيها وتفاخرها باحتلال أربع عواصم عربية بالحديد والنار، لا يجعل لها مكانا في أي إطار وحدوي إسلامي ديمقراطي يعتمد أساساً القوة الناعمة والتكامل في سياساته الإقليمية.

كما جاء في المقدمة قوبل اقتراح مهاتير محمد بحذر وهدوء ودون انفعال تركي، وأعتقد أن أنقرة منفتحة على التعاون وإيجاد صيغة ما للتنسيق والتفاهم عبر مجلس استراتيجي ثلاثي مشترك، و اتفاقيات سياسية وحتى أمنية وعسكرية مع سوق مشتركة وحرية حركة للمواطنين البضائع – كما كان الأمر قبل سنوات مع سوريا ولبنان والأردن – لكن دون أن يصل الأمر إلى الوحدة الكاملة التي تثير حساسية أو ردود فعل سلبية في الشارع التركي، حتى مع التأييد القوى للعلاقة مع باكستان، الدولة الوحيدة-إلى جانب تركيا- التي تعترف بجمهورية شمال قبرص بكل ما تعنيه القضية القبرصية من أهمية للرأي العام والأمن القومي التركي.

لم يتطرق رئيس الوزراء الماليزي من قريب أو بعيد إلى العرب، أو الحضور العربي في هذه الفكرة الوحدوية الإسلامية؛ وعربياً يمكن أن نتحدث عن ثلاث بل أربع حواضر وعواصم تاريخية

الموقف التركي جاء واقعياً ومنطقياً، وهو نفس ما يمكن قوله عن الموقف الباكستاني، لكن من الاتجاه العكسي. فالبلد التي يبلغ تعداد سكانها قرابة 200 مليون نسمة تعاني مشاكل اقتصادية حتى سياسية وجيوسياسية كبيرة ورغم امتلاكها القنبلة النووية، إلا أنها تحتاج إلى دعم على كل المستويات. لذلك لم يكن غريباً حماسها وترحيبها الفوري باقتراح مهاتير محمد مع انفتاحها طبعاً على أي أفكار قريبة ومشابهة ستسفيد منها بالتأكيد.

وعموماً فإن من يعرف مهاتير محمد جيداً يفهم أنه جاد في طرحه، وإنه يعي أن الفكرة طموحة وتحقيق أهدافها قد يكون بالتدريج  وعبر تكريس التكامل بين القدرات حتى دون مستوى أو عنوان الوحدة.

لكن للتعرف أكثر ربما على خلفيات وأهداف طرحه كما على أسباب الغياب العربي عن مقترحه، يمكن تذكر ما نصح به مجموعة من المثقفين والنشطاء العرب في مؤتمر للتفكير الاستراتيجي استضافته ماليزيا نفسها قبل خمس سنوات-تشرين ثاني نوفمبر 2014- حيث طرح مهاتير خلاصة تجرته ووصاياه فى أربع نقاط أساسية: تقديم التنازلات هو طريق الاستقرار فى دول ومجتمعات متعددة الأعراق والأديان والثقافات، وضرورة ضبط البوصلة والاهتمام بحل مشاكل الفقر والجهل والمرض بدلاً من الانشغال بأدلجة المجتمع، والفتاوى لا تحل مشاكل المسلمين المطالبين بالاهتمام بعلوم الفيزياء والكيمياء والطب والهندسة، ثم  أكد أخيراً على أن عون الله لا ينزل على المتعصبين المتطرفين، النقاط  الأربع السابقة تحمل بالتأكيد في طياتها ومضامينها أسباب وأسس التقدم والنهوض والاستقرار في الدول الثلاث تحديداً ماليزيا وتركيا، كما أسباب غياب العرب عن مقترح الزعيم الماليزي الإسلامي الوحدوي.