وبضدّها تتبيّن الأشياء

2019.07.03 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا يسعني إلاّ الاعتذار عن الإطالة، مع تقديم الشّكر للكاتب والباحث في العلاقات الدوليّة والصّحفي هشام منوّر، على قراءته مقالي السابق "عن خيارات أردوغان الخاطئة أيضاً وأيضاً" المنشور في 26/6/2019، وتجشّمه عناء الردّ على الملاحظات والأفكار والانتقادات التي تناولت الراهن التركي وطويت عليها مقالي، اعتماداً على نتائج جولة إعادة الانتخابات البلديّة في إسطنبول، وفوز مرشّح المعارضة أكرم إمام أوغلو، حيث عنون منوّر ردّه المنشور يوم 29/6/2019 بـ(رداً على أوسي.. "النخبوية البطركية" إذ تطلق النيران على أقدامها!). وآمل أن يتّسع صدره لهذا التعقيب، وغايتي منه، ليس الدخول في حلبة السجال غير المجدي، بل الاستمرار في محاولة فهم التجربة التركيّة بموضوعيّة مستندة إلى المزيد من الدراية والإلمام والتمحيص وتقليب الحدث على أوجهه، بعيداً من ممارسة منطق وذهنيّة الوصاية على أحد، أو النزوع نحو "النخبويّة البطركيّة" أو"المُريديّة - المشيخيّة - الشعبويّة" أو أي شيء من هذا القبيل، على الشارع التركي أو العربي أو الكردي. محاولاً عدم تكرار الكليشات التقليديّة التمهيديّة والاستهلاليّة المعتادة، من طينة؛ إن "الشارع تجاوز النخبة ووصايتها"، و"لستُ في وارد الدفاع عن كذا وكذا"، لأن سرعان ما سيكتشف القارئ أن مقام مقالي مكرّس الدفاع عن كذا وكذا!

أولاً: رغم أن "اللغة حمّالة أوجه" إلاّ أن مفهوم الأمّة كاصطلاح اجتماعي - سياسي، يمكن توظيفه دينيّاً، لكنه بشكل مجرّد، الطابع الديني ليس الغالب على تعريف هذا المصطلح أو المفهوم. وحين أتيتُ على خلفيّة تبنّي المعارضة شعار "تحالف الأمّة" لم أطلق حكم قيمة أو تفسيراً مبرماً قطعيّ الدلالة والثبوت، بل نحوت منحى الاحتمال والظنّ. ومعلوم أن مقال الرأي ومنطق التحليل السياسي منفتح على الظنّ والاحتمال. أمّا تبنّي السلطة (العدالة والتنمية + الحركة القوميّة) شعار "تحالف الشعب" لا اعتقد أن الهدف منه كان " إبراز حجم الإجماع الشعبي على خياراته"، لأن الحزب الحاكم، يعرف أنه فقد التفويض الشعبي الذي كان يتبجّح به، بفقدانه بلديّة العاصمة أنقرة، وإزمير وإسطنبول.

ثانياً: حزب "العدالة والتنمية" خرج من رحم حزب "الرفاه الإسلامي" سنة 2001، مدعوماً من حركة "الخدمة" ومؤسساتها الأخطبوطيّة التي كانت وما زالت متغلغلة في المجتمع والاقتصاد والإعلام والدولة، بالإضافة إلى دعم القواعد الجماهيريّة؛ التابعة للداعية الإسلامي فتح الله غولن، منذ 2001 ولغاية 2012 تقريباً، قبل أن ينشب الخلاف بين أردوغان وغولن، لأسباب لم تعد خافية. نعم، الحزب يقدّم نفسه على أنه حزب "محافظ - يمين الوسط"، في حين أن النشأة والسلوك والممارسات واستثمار الدين والشعارات الدينيّة، كلها تقول إنه حزب إسلامي. وينطبق على العدالة والتنمية القول الشعبي الدراج: "اسمع كلامك أصدّق، أشوف أمورك، أستعجب". ولا أعلم كيف لباحث متابع وملّم بالشأن التركي أن يحاول نفي صفة الإسلامي عن حزب العدالة والتنمية في تركيا، لمجرّد أن الحزب لا يقول عنه نفسي ذلك!؟ إذ كيف لحزب تركي يقول عن نفسه إنه إسلامي، وقانون الأحزاب في تركيا، يرفض تأسيس الأحزاب على أساس ديني؟! حزب الرفاه الإسلامي، (الحزب الأم) لم يكن يقول عن نفسه بشكل رسمي وفي العلن أنه حزب إسلامي!، فكيف للعدالة والتنمية قول ذلك؟!

أمّا نفي صفة التطرّف عن حزب الحركة القوميّة (MİLLİYETÇİ HAREKET PARTİSİ - MHP) والمبرر الذي ساقه الأستاذ منوّر، فهذا ما ليس بي طاقة على فهمه وهضمه وتبريره أو تمريره! إذ ليس لهذا التبرير أيّة آصرة بالإلمام والاطلاع على الواقع السياسي التركي، أقلّه في الخمسين سنة الأخيرة. فحزب الحركة القوميّة (MHP)[1] ليس متطرفاً وحسب، بل عنصريٌّ وفاشيّ أيضاً. هل اطلع الكاتب على التاريخ الدموي لهذا الحزب في السبعينات والثمانينات ضد الحركات اليساريّة والكرديّة في تركيا؟! ذلك أن تصويت شرائح من الشعب التركي لهذا الحزب، لا ينفي عنه عنصريّته وتطرّفه اليميني. ثم، متى كان حظيُ الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة ببعض الشعبيّة دليلاً على نفي صفة التطرّف عنها؟! فهتلر وصل للحكم بالانتخابات وليس بانقلاب عسكري. كذلك الأحزاب اليمينيّة في البلدان الأوروبيّة حظيت وتحظى بشعبيّة متناميّة مؤخّراً. فهل هذه الشعبيّة تنفي عنها صفة التطرّف اليميني والعنصريّة؟! زد على هذا وذاك، حزب البعث؛ جناح حافظ الأسد كان يقدّم نفسه على أنه "يسار الوسط"، وحزب البعث؛ جناح صدام حسين، كان معروفاً بـ"يمين الوسط"، فهل سلوك وممارسات حافظ الأسد وصدام حسين وحزبيهما يشفع لهما نسب نفسيهما إلى يسار ويمين الوسط؟!

بالنتيجة، ربما ليس دقيقاً القول: "قل لي؛ مع مَن تتحالف، أقل لك من أنت" لكن من يتحالف مع حزب يميني عنصري وفاشي متطرّف كـ(MHP)، ستصل إليه أمراضه وفيروساته أيضاً.

ثالثاً: من حقّ الكاتب ألاّ يعتبر خسارة بلديّة إسطنبول بألف خسارة. ويمكنه أن يقنع قارئاً غير مطلع على تفاصيل المشهد التركي بمبرراته

صحيح أن النظام الرئاسي في تركيا، ألغى صلاحيّات رئيس الحكومة على حساب توسيع صلاحيّات رئيس الدولة، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك لا علاقة له بموضوع البلديّات

ومنطقه في الدفاع عن حزب العدالة والتنمية. لكن ليسمح لي بالقول: هل أصدّق كلامك، أم أصدّق كلام الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية حين قال: "من يخسر إسطنبول، يخسر تركيا"؟! وربما أكون مبالغاً في اعتبار خسارة بلدية إسطنبول بألف خسارة، لكن التقليل من هذه الخسارة أيضاً، وبتلك الطريقة التي ذهب إليها الأستاذ منوّر، والحديث عن النظام الرئاسي الذي لا تؤثّر فيه صلاحيّات البلديّات، أعتقد أن ذلك أيضاً يشي بعدم اطلاع الكاتب على نظام الحكم والإدارة المحليّة في تركيا. صحيح أن النظام الرئاسي في تركيا، ألغى صلاحيّات رئيس الحكومة على حساب توسيع صلاحيّات رئيس الدولة، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك لا علاقة له بموضوع البلديّات. ثم إن شخصاً متوسّط الاطلاع على السياسة بشكل عام وفي تركيا بشكل خاص، يعي ويدرك أن المعركة لم تكن معركة صلاحيات رئيس دولة ورئيس حكومة، بل معركة شعبيّة، أو ما يشبه الاستفتاء أو اختبار للسلطة والمعارضة في هذا الإطار. والنتائج قالت قولتها بأن شعبيّة السلطة تراجعت بشكل كبير، على حساب اتساع رقعة شعبيّة المعارضة. والأرقام التي أفرزتها الانتخابات البلديّة في آذار الماضي، والجولة الثانية من انتخابات إسطنبول، لها دلالاتها السياسيّة، وسيكون لها تبعاتها وانعكاساتها على السلطة والمعارضة معاً، لاحقاً.

وعلى فرض صحّة هذا الكلام: "لا يخفى على أحد، فكيف يمكن مقارنة خسارة بلدية إسطنبول" على أهميتها "بسلسلة الانتصارات الانتخابية التي حققها الحزب الحاكم على مدار 17 عاماً، لا سيما أن المحصلة النهائية لذات الانتخابات "أي البلدية" صبت في مصلحة تحالف الشعب الحاكم ذاته؟!". طيب والحال هذه، من هو صاحب هذا الكلام: (واقع الحال لا يمكن حجبه من خلال هيمنة حزب العدالة والتنمية على نسبة تقارب النصف من مجالس البلديات الكبرى والمدن يضاف إليها حصة حليفه في "تحالف الجمهور" الحركة القومية بما يؤمن له استمرار السيطرة على المشهد السياسي وحتى الخدمي في تركيا، لكن خسارة العاصمة أنقرة وإزمير وبورصة وحتى إسطنبول (هناك طعون انتخابية لم يبت فيها حتى الآن فيما يخص إسطنبول لحظة كتابة هذه الأسطر) شكلت "ضربة" رمزية لشعبية حزب العدالة رغم استشعار قياداته السياسية هذا الأمر حتى ما قبل الانتخابات.)[2] هذا ما قاله الكاتب نفسه في مقال سابق له منشور في 8/4/2019؟

وحين تكون بلديات أنقرة وإسطنبول وأزمير بالإضافة إلى ديار بكر وهي أكبر ولايات تركيا من حيث عدد السكان، معطوفاً عليها البلدات الأخرى الموجودة في حوزة المعارضة الكرديّة والتركيّة في تركيا، ماذا يعني كل ذلك؟ لو أجرى الكاتب عملية حسابية بسيطة بخصوص مساحة الولايات التي صارت خارج سلطة حزب العدالة والتنمية، وعدد سكانها، لوصل إلى أرقام تفيده بحجم شعبيّة الحزب الحاكم في تركيا، ومدى تراجعها، وأسباب ذلك، أثناء محاولته الدفاع عن العدالة والتنمية!

رابعاً: في انتخابات سابقة، أكثر من مرة اشتكت المعارضة من استخدام الحزب الحاكم مؤسسات الدولة لصالحه. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، الإعلام الرسمي التابع للدولة. ولست مسؤولاً عن عدم اطلاع الكاتب على ذلك.

خامساً: لو لم يكن الصوت الكردي مهماً ووازناً ومفصليّاً، لما أرسل أردوغان موفده إلى أوجلان، كي يطالب بتحييد الكرد، وفسخ الاتفاق بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري؟!

كذلك على سبيل الذكر لا الحصر، حزب الشعوب الديمقراطي HDP في إسطنبول وحدها لديه 12 عضوا في البرلمان التركي، وهم: Pervin Buldan, Musa Piroğlu, Erkan Baş, Erol Katırcıoğlu, Ahmet Şık, Oya Ersoy, Hüda Kaya, Zeynel Özen, Dilşat Canbaz Kaya, Hakkı Saruhan Oluç, Ali Kenanoğlu, Züleyha Gülüm  [3]. بينما لحزب الشعب الجمهوري 24 عضو عن مدينة إسطنبول في البرلمان التركي[4]. من يعني أن الوزن الجماهيري والسياسي لحزب HDP هو نصف وزن وحجم حزب CHP. ناهيكم عن زعيم الحزب والبرلماني الكردي السابق، المسجون حالياً صلاح الدين دميرتاش، في الانتخابات الرئاسيّة التي أجريت العام الماضي، جاء في المركز الثالث، وحصل على ما يزيد على 4 ملايين صوت. كل ذلك، وغيرها الكثير من المعطيات التي تشرح وتؤكد الثقل الوازن للكتلة الكرديّة وتأثيرها على التوازنات السياسيّة في تركيا. من جهة أخرى، الانقسام الموجود في الجانب الكردي، يلزمه الكثير من الشرح، وأتيتُ في مقالي السابق على جانب بسيط من خلفيّات الانقسام غير المعلن الموجود بين أوجلان وقيادة حزبه في قنديل، وكيف أن كفّة الأخيرة باتت الراجحة في إدارة شؤون ودفّة الكتلة الكرديّة في تركيا، بخاصّة منها حزب الشعوب الديمقراطي. وحين يتساءل منوّر: "وكيف يمكن التعامل مع دعوات قيادات مصنفة على قوائم الإرهاب التركية والغربية، وهو حزب PKK على أنه أمر عادي ويمر مرور الكرام؟ والمساواة بينها وبين بقية القيادات السياسية للمكون الكردي؟" هذا أيضاً يشي بأن الأستاذ الباحث غير مطلع على تفاصيل الملف الكردي في تركيا، وغير مطلع على جولات ومراحل التفاوض بين الدولة التركيّة وحزب العمال الكردستاني منذ 1993، 1997، 1999 مروراً بـ2009-2011، وصولاً لإرسال أردوغان وفيدان موفد (د. علي كمال أوزجان)[5] إلى سجن إيمرالي والطلب من أوجلان أن يقنع حزب الشعوب الديمقراطي بالتزام الحياد وعدم التصويت لمشرّح المعارضة! جرى كل ذلك، رغم أن المسؤولين الأتراك والإعلام التركي كان وما زال يصف العمال الكردستاني بالحزب الارهابي، وأنه لا تفاوض مع الإرهابيين!

سادساً: "بنظرة سياسية معمقة"، أمكن للكاتب أن يدرك "أن نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول، أياً كانت نتيجتها، كان الهدف منها الإذعان لخيار الشعب التركي أياً كان، لاعتبارات داخلية وإقليمية، وكان تركيز الحكومة التركية على إنجاح هذه الانتخابات وإظهارها بمظهر لائق بالتجربة الديمقراطية في تركيا، وهي تجربة واعدة وصاعدة، وليست منجزاً كاملاً كما هو الحال في مخيلة بعض النخب الفكرية والسياسية العربية".

ولكن بنظر سياسيّة سطحيّة، يمكن القول: إن هذا الكلام؛ محض اجتهاد وتأويل جانبه الصواب، بدليل طعن الحكومة التركيّة في نتائج الجولة الأولى. ماذا يعني الطعن في نتائج عمليّة انتخابيّة وعدم "الإذعان لخيار الشعب التركي، أيّاً كانت النتائج..."؟ يعني فيما يعينه؛ التشكيك في نزاهة الخصم، والتشكيك في الجولة الانتخابيّة! وحين أتت نتائج الأخيرة لصالح إمام أوغلو واتساع الفارق الذي يفصله عن يلدرم، لم يكن أمام العدالة والتنمية إلاّ "الإذعان لخيار الشعب التركي" في إسطنبول! ثم أي حزب هذا، يدخل الانتخابات والمنافسة على بلدية أهم مدينة في تركيا، فقط "لإظهار الانتخابات بمظهر لائق بالتجربة الديمقراطيّة في تركيا" دون الأخذ في الاعتبارات حسابات الفوز والهزيمة!؟

المقال الذي كتبته، وكان موضع ردّ الاستاذ هشام منوّر، من ألفه إلى يائه، لا يوجد فيه أي تصريح أو تلميح إلى أن فقدان بلدية إسطنبول، يعني سقوط حكومة "العدالة والتنمية" أو انعدام الديمقراطيّة في تركيا. ناهيكم عن أن خسارة يلدرم وفوز إمام أوغلو، لم يشكّل مفاجأة بالنسبة لي. فاستطلاعات الرأي، ونتائج الجولة الأولى، والكثير من المعطيات والمؤشّرات الأخرى، كانت تفضي إلى تلك النتيجة. وربما بعض الأوساط في العدالة والتنمية أيضاً، لم تتفاجأ بذلك. فمن أين أتى منوّر بعنصر المفاجأة لجهة النتائج في الأوساط العربية أو الشرق أوسطية؟!

سابعاً: "من المعروف أن مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم، كان يتمتع بإرث سياسي محكوم بحقبة زمنية معينة بحكم كونه آخر رئيس وزراء في النظام السياسي البرلماني السابق، وهو رئيس سابق للبرلمان التركي، لكنه لا يتمتع بالكاريزما اللازمة في صفوف الحزب الحاكم، لا سيما قطاع الشباب، بالتالي، فهو شكل "نوعاً ما" عبئاً على الحزب أكثر من كونه رافعة لسياساته وجماهيريته، فكان التعامل مع الموضوع وكأنه "محاولة أخيرة" لاختبار إمكانية استمراره في مناصب قيادية رفيعة في الحزب الحاكم، وعليه، لم تكن خسارة يلدريم لتسيء إلى حزب العدالة والتنمية بقدر ما أفادته لإنعاش شعبيته، ودراسة حجم الخلل في شعبية الحزب وخياراته، ما يؤدي إلى تلافيها مستقبلاً". هذا الكلام يفتقد للضبط والتوازن والانسجام. أو أنه كلامٌ كبير وعويص، "صعب على أمثالي فهمه". ذلك أنه من غير المفهوم لدي، ولو حتّى على صعيد المجاز والتأويل؛ اعتبار خسارة الحزب الحاكم بلديات أنقرة، إسطنبول، ومناطق أخرى، "إنعاش لشعبيّته"؟! وكيف لحزب يدير دولة بحجم تركيا منذ 2002، أن يجعل من بلدية إسطنبول اختباراً لشعبية رئيس وزارة، في عهده حدثت العديد من الانزلاقات الاقتصاديّة، ويفتقد الكاريزما، والشعبيّة في الحزب نفسه، وبين شرائح شباب الحزب؟! أبهذه الطريقة يدار العدالة والتنمية، طبقاً لفهم وتوصيف الكاتب على أن أي قيادي يشكّل عبئاً على الحزب، يتم الزج به كمشرّح لخوض انتخابات بلديّة هامّة من وزن بلديّة إسطنبول!؟ أكرر؛ وجود يلدرم مرشّحاً لبلديّة إسطنبول كان خيار رجب طيب اردوغان، بنفس القدر كان خياره في رئاسة الوزارة أيضاً، خلفاً لأحمد داوود أوغلو، ففشل يلدرم في إدارة الحكومة، وفي انتخابات إسطنبول أيضاً. يعني فشل مزدوج لخيار اتخذه رجب طيب أردوغان. نقطة، من أول السطر.

ثامناً: سأفترض أن الأسطر التي كتبتها في مقالي السابق، موضوع النقاش، كانت بعيدة عن الموضوعيّة، لكان ما هي قصّة (محاولة "تشفٍ غريب) التي أوردها الكاتب؟! من يعود إلى مقالي، سيلتقط أنني لم أكن مع خيار الأكراد التحالف مع حزب الشعب الجمهوري (CHP)، ولم أكن مع خيار أوجلان، تبنّي الحياد، بل كنت مع خيار إيجاد صفقة مع العدالة والتنمية. وهذا ما كتبته في مقالات عديدة سابقة على امتداد سنوات. وعليه، لست حزيناً أو سعيداً بخسارة العدالة والتنمية بلدية إسطنبول، ولست حزيناً أو سعيداً بفوز إمام أوغلو والمعارضة التركية برئاسة بلدية إسطنبول. قصة الحزن والفرح، والتشفّي والافتتان المتهافت، ليست عندي. فقط أبدت في تلك الأسطر، وجهة نظري، كما هي عادتي، متوخّياً

المقال كان محاولة مناقشة وفهم خيار أردوغان الذي كان بالضد من خيارات الشعب التركي، والتحالفات الانتخابيّة التي حصلت، والنتائج التي أفرزتها تلك الخيارات

مقولة الشافعي "رأيي صائبُ يقبل الخطأ"، لكن على الآخر أن يثبت أن رأيه الخاطئ، يقبل الصواب. إذ حاولت جاهداً أن أقنع نفسي بأن ردّ هشام منوّر، يخلو من التناقض، وبالتالي، ينطوي على قدر لافت من الموضوعيّة، حين رأى الكاتب مقالي على أنه: "تجاهل خيارات الشعب التركي الذي انحاز إلى مرشح (إمام أوغلو) لا ينتمي فعلياً إلى التيار العلماني التقليدي بحكم تكوينه الثقافي وانتمائه إلى تيار الشباب المحافظ، رغم انتمائه السياسي لحزب الشعب الجمهوري". أمّا قضيّة تجاهل خيارات الشعب التركي، فيمكن للقارئ العودة للمقال[6] كي يرى أن المقال كان محاولة مناقشة وفهم خيار أردوغان الذي كان بالضد من خيارات الشعب التركي، والتحالفات الانتخابيّة التي حصلت، والنتائج التي أفرزتها تلك الخيارات؟! من جهة ثانية، أعتقد أن من ينفي صفة الحزب الإسلامي عن العدالة والتنمية، من السهل عليه نفي صفة العلماني عن إمام أوغلو أيضاً، على أنه محافظ، ينتمي إلى حزب علماني، وأن هذا الانتماء، لا اعتبار له، لأنه ليس علمانيّاً تقليديّاً، "بحكم تكوينه الثقافي، وانتمائه لتيار الشباب المحافظ"! أي تيّار هذا؛ الشباب المحافظ؟! زد على ذلك، حزب الشعب الجمهوري، يمكن اعتبار علمانيّته أيضاً غير تقليديّة، لأنه اختيار أكمل الدين إحسان أوغلو (الإسلامي) مرشّحاً لرئاسة الجمهورية سنة 2014، واختار إمام أوغلو؛ "المحافظ" مرشّحاً لخوض انتخابات بلديّة إسطنبول؟!

أعتقد ان هكذا تقييمات تتعلّق بالفهم التقليدي الإسلامي للعلمانيّة التي تطالب بفصل الدين عن الدولة، على أنها معاداة ومناهضة الدين! فعلى زمن كل الحكومات العلمانيّة التي تعاقبت على حكم تركيا، كان هناك دائماً دائرة الشؤون الدينيّة، وهي بمثابة وزارة الأوقاف، وميزانيّتها من الدولة. ما يعني حتى علمانيّة تركيا، منذ 1923 ولغاية 2011، كانت منقوصة، ولم يكن هناك فصل تام للدين عن الدولة! ومع ذلك، كان يتم اتهام العلمانيين في تركيا على أنهم أعداء الدين والتديّن والمتدينين! العلمانيّة في تركيا أو أي بلد آخر، على أنها تسعى إلى فصل الدين عن المجتمع. وهذا غير صحيح. وحين حاولت الشيوعيّة ذلك في تجربة الاتحاد السوفيتي، فشلت فشلاً ذريعاً.

حاصل القول: مقالي "عن خيارات أردوغان الفاشلة أيضاً وأيضاً" كان أشبه بفصل المقال بين الحال والمآل في تركيا، وتلك الأسطر، (كما هي حال هذه الأسطر أيضاً)، لم تكن من طينة "تجاهل خيارات الشعب التركي" ولا من قماشة "تضخيم وزن الكتلة الكردية"، ولا ممارسة وصاية بطركيّة ولا مشيخيّة، ولا هم يحزنون.

 

[1]  https://www.mhp.org.tr/usr_img/_mhp2007/kitaplar/mhp_parti_programi_2009_opt.pdf

https://www.mhp.org.tr/usr_img/_mhp2007/kitaplar/mhp_parti_tuzugu_2009_opt.pdf

 

[2]  https://www.syria.tv/content/قراءة-هادئة-في-نتائج-الانتخابات-البلدية-في-تركيا-ومآلاتها

[3]  https://www.sozcu.com.tr/2018/gundem/iste-hdpnin-27-donem-milletvekilleri-2488202/

 

[4]  https://www.chp.org.tr/parti-yonetimi/milletvekilleri

 

[5]  http://www.cumhuriyet.com.tr/haber/siyaset/1449672/AKP_nin_caresizligi.html

[6]  https://www.syria.tv/content/عن-خيارات-أردوغان-الخاطئة-أيضاً-وأيضاً#_ftnref1