icon
التغطية الحية

واشنطن وموسكو تفصلان الحل السوري حسب المصالح الإسرائيلية

2019.06.24 | 17:06 دمشق

سامر إلياس - موسكو - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

تكشف تصريحات موسكو التي استبقت اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي في روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، أن أهداف الاجتماع تتجاوز بحث إخراج إيران وميليشاتها من سوريا، ويبدو أن موسكو وواشنطن تعدان هدية إضافية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر التوافق على حلول جديدة للأزمة السورية في القدس الغربية لاستكمال عمل الجانبين المتواصل على دعم إسرائيل منذ اندلاع الثورة السورية.

ومن المستبعد أن تظهر بنود أي صفقة جديدة بين واشنطن وموسكو قبل اجتماع سريع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب على هامش أعمال قمة العشرين في أوساكا اليابانية نهاية الشهر الجاري.

بوتين نفى يوم الخميس الماضي نية بلاده عقد "صفقة كبرى" مع الولايات المتحدة، لكنه شدد على ضرورة إشراك بلدان المنطقة وبالدرجة الأولى إسرائيل في حل الأزمة السورية. قبلها بأيام كشفت وزارة الخارجية الروسية أن لقاء أمين مجلس الأمن الروسي، نيقولاي باتروشيف، مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، والإسرائيلي مائير بن شبات يهدف أساسا إلى "البحث عن سبل لخطوات عملية مشتركة لتسوية الأزمة في سوريا، وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها"، وذهب مسؤول بارز في الخارجية الروسية إلى أن اللقاء يمكن أن يطلق آلية ثلاثية دائمة لمناقشة قضايا سوريا والمنطقة، من شأنها أن تسهم، من دون أن تستبدل بالصيغ الحالية وصيغة آستانا في المقام الأول، في المضي على طريق السلام والاستقرار في سوريا.

من جانبه رحب نتنياهو بعقد الاجتماع الأمني الثلاثي المرتقب بين روسيا وإسرائيل وأميركا، مشيرا إلى أنه سيكون "لقاء تاريخياً غير مسبوق" و"قمة مهمة جداً من شأنها ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط، في فترة هائجة وحساسة". ولفت إلى أن اللقاء الثلاثي "يجمع بين الدولتين العظميين في إسرائيل، وهذا دليل على مكانة إسرائيل الحالية على الساحة الدولية".

أمن إسرائيل على رأس أولويات روسيا

شهد الموقف الروسي تغيرات فرضتها تطورات الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، فمن تبني رواية النظام الرسمية، إلى دعمه سياسيا بتعطيل

تكشف زيارات نتنياهو المتزايدة إلى موسكو، والتي بلغت 13 زيارة منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في 2015، عن تنسيق على أعلى المستويات من أجل خدمة إسرائيل

مجلس الأمن الدولي، وصولا إلى التدخل العسكري المباشر في خريف 2015، وقلب الموازين العسكرية لصالح جيش النظام والميليشيات اللبنانية والإيرانية، وفي المقابل كان الثابت دائما هو ضمان أمن إسرائيل المستفيدة الأولى من عدم تحول سوريا إلى بلد ديمقراطي، ولاحقا إطالة أمد الحرب لإنهاء مقدراتها البشرية والعسكرية، وفي هذا المجال فإن دعم روسيا خيار الأسد العسكري لعب دورا مدمرا لسوريا، وقدم لإسرائيل خدمة لا تقدر بثمن.

وتكشف زيارات نتنياهو المتزايدة إلى موسكو، والتي بلغت 13 زيارة منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في 2015، عن تنسيق على أعلى المستويات من أجل خدمة إسرائيل، وفي آخر زياراته إلى موسكو قبل أيام من انتخابات الكنيست بدا واضحا أن موسكو قدمت هدية ثمينة لنتنياهو وظفها في معركته الانتخابية، فقد كشف بوتين أثناء الزيارة عن دور جيشه وجيش نظام الأسد في العثور على رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل ونقله إلى تل أبيب، وأصرت موسكو على تنظيم حفل مهيب في وزارة الدفاع الروسية بمشاركة نتنياهو لاستلام البدلة العسكرية ونعل باومل، ما أحرج نظام الأسد ومحور داعميه الذين ادعوا بداية أن "مجموعات إرهابية" ساعدت في نبش القبور في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك جنوبي دمشق ونقل رفات الجندي إلى خارج سوريا.

اللافت أن المسؤولين الروس وعلى رأسهم بوتين واصلوا التأكيد على أن أمن إسرائيل على رأس أولويات موسكو رغم رفض نتنياهو دعوة روسيا تنظيم لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للدفع بالتسوية السياسية، ولعل الأهم هو تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية "إيل 20" في أيلول (سبتمبر) 2018 ومقتل عشرات الجنود الروس من دون أي عقاب لإسرائيل التي واصلت علنا استهداف مواقع للنظام وأخرى لإيران وميليشياتها على الأراضي السورية وسط تشكيك في أن الروس سيسمحون للنظام باستخدام منطومات الدفاع الجوي "إس 300" المتطورة، أو إذا سلمت أصلا تحت إدارة النظام، في حين سربت الصحافة العبرية عن مسؤوليين عسكريين إسرائيليين أن موسكو تزود تل أبيب بمواقع القوات الإيرانية في إطار محاولاتها للحدّ من النفوذ الإيراني المتزايد والرغبة في أن تصبح اللاعب الوحيد في سوريا.

تبادل أدوار ضمن تفاهمات

بدا ظاهريا في سنوات الثورة السورية أن موسكو وواشنطن تتبنيان مواقف متناقضة بدعم كل منهما أحد طرفي الأزمة، لكن بعض الوقائع والتسريبات اللاحقة كشفت أنهما ساعدا بعضهما في عدد من القضايا المحورية. وعلى رغم أن موسكو استنكرت رسميا اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بسيطرة إسرائيل على الجزء المحتل من الجولان السوري، فإن موسكو أعلنت قبلها بأيام أنها هيأت الظروف في المنطقة الجنوبية من أجل عودة الاستقرار وإعادة تمركز قوات الفصل الدولية "أندوف" بما يضمن أمن إسرائيل الذي لم يهدد عمليا منذ 1974. وقبلها حصلت موسكو على موافقة إسرائيل لتنفيذ عمليات جوية لطائراتها وطائرات النظام في ريفي القنيطرة ودرعا الغربي، وحازت على موافقة تل أبيب لتقدم قوات النظام والميليشيات من دون إعاقة لتصفية مقاتلي المعارضة أو إخراج من يريد منهم إلى إدلب. وساعد تصويت روسيا المتكرر لرفض إدانة النظام في مجلس الأمن الولايات المتحدة على التحجج بالموقف الروسي لعدم تبني خطوات واضحة لدعم المعارضة.

وتجلى التعاون الأميركي الروسي لخدمة إسرائيل في أوضح صورة في ابتكار حل سحب  السلاح الكيماوي السوري وتفكيكه بعد جريمة النظام المروعة في دوما في أغسطس (آب) 2013. فقد قدمت موسكو سلم النزول للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعد تهديداته وتلويحه بضرب النظام عقابا على استخدام الكيماوي ضد شعبه، وتمكن وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف

منذ صفقة الكيماوي بدا أن واشنطن منحت موسكو تفويضا كاملا لإدارة الأزمة السورية كما تشاء شريطة الالتزام بأمن إسرائيل ومصالحها

والأميركي جون كيري من إبرام صفقة توافقا فيها على تفكيك الترسانة الكيمياوية السورية "في أسرع وقت ممكِن"، وبالتالي، على وقف الضربة الجوية الصاروخية الأميركية التي كانت مقرَرة ضد النظام السوري، وفتحا الطريق أمام صيغة مؤتمر جنيف - 2، ملوحين بأن أي طرف سوري يعارض حضور هذا المؤتمر "سيتعرض إلى عقوبات روسية وأمريكية صارمة". وتكمن خطورة صفقة الكيماوي بين القوتين العظميين في أنها حرمت السوريين من سلاح ردع كان يمكن التلويح به في وجه إسرائيل التي تملك ترسانة نووية في حال وصول أطراف تسعى حقا إلى استعادة الجولان المحتل، كما أنها حددت خطا أحمر بعدم جواز استخدام الكيماوي مع السماح باستخدام باقي الوسائل لقتل الثائرين على حكم عائلة الأسد، وغيبت مبدأ المحاسبة ضد مستخدمي أسلحة محرمة دوليا.  

ومنذ صفقة الكيماوي بدا أن واشنطن منحت موسكو تفويضا كاملا لإدارة الأزمة السورية كما تشاء شريطة الالتزام بأمن إسرائيل ومصالحها، وتجدد التفويض مع اتفاق جديد للوزيرين نهاية 2016 سمح لروسيا والنظام بفتح حرب لإخراج المعارضة من حلب بحجة الفصل بين جبهة النصرة والمقاتلين، وما جرته لاحقا من معارك في الغوظة الشرقية والقلمون وحمص ودرعا والقنيطرة.

رسم مستقبل سوريا يبدأ من القدس

يبعث تحديد القدس الغربية مكانا للقاء أمين مجلس الأمن القومي الروسي ومستشار الأمن القومي الأميركي واجتماعهما مع نظيرهما الإسرائيلي رسالة واضحة لا لبس فيها في أن الطرفين مصرّان على المضي في اعطاء الأولوية لمتطلبات إسرائيل الأمنية والإقليمية، ومنح هدايا إضافية لنتنياهو. وعلى رغم نفي موسكو الحديث عن أي صفقات فالمؤشرات تشي بأن الجانبين أمام صفقة أكثر خطورة على مستقبل سوريا وتتجاوز موضوع الوجود الإيراني إلى تحديد مستقبل شرق الفرات والوجود الأميركي هناك، إضافة إلى الدفع بمخططات روسيا من أجل اعادة اللاجئين السوريين وإعادة الاعمار في ظل النظام الحالي من دون معاقبة القتلى على دماء مئات آلاف السوريين وملايين النازحين واللاجئين، وتدمير البنى التحتية والمجتمعية في سوريا.

وفي ظل التصعيد بين واشنطن وطهران فقد تتحول سوريا ساحة لحرب جديدة بالوكالة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران وميليشياتها من جهة أخرى بديلا عن المواجهة المباشرة ما يزيد من فاتورة الدم والدمار على الشعب السوري، ويبدو أن تخاذل العالم عن نصرة السوريين ستفضي إلى اتفاق جديد على شاكلة سايكس-بيكو لإضعاف سوريا وتمكين إسرائيل أكثر فأكثر وهو احتمال ليس من ضرب الخيال مادامت القوتين العظميين تعملان انطلاقا من مصالح إسرائيل، وتستخدمانها وسيلة للتقرب من بعضهما.