icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: أهالي الرقة يكتشفون مزيداً من المقابر الجماعية

2019.09.10 | 15:09 دمشق

أحد أعضاء فريق الاستجابة الأولية في مكان عُثر فيه على مقبرة جماعية (أسوشيتد برس)
واشنطن بوست - ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أبلغ الجيران عن رائحة كريهة تنبعث من البيت المجاور لبيتهم، ذلك البيت الذي اتخذته مجموعة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية كمدرسة لأشبالها حسب وصفها، ولم يدخله أحد منذ أن تمت مطاردة مقاتلي تنظيم الدولة وإخراجهم من تلك المدينة السورية قبل عامين، وهكذا نمت الأعشاب حول سيارة متروكة في ساحة تلك الدار.

وحتى قبل أن يستشعر فريق الاستجابة الأولية طراوة أرض باحة الدار، عرفوا ماذا يوجد تحتها، ألا وهو آخر مقبرة جماعية في الرقة، العاصمة السابقة لتنظيم الدولة الذي يصف نفسه بأنه يمثل الخلافة الإسلامية.

وخلال أول يوم من الحفر، قام هذا الفريق باستخراج جثتين، وفي غضون بضعة أيام، بلغ عدد الجثث 20 تقريباً، بينها جثث لنساء وأطفال تم حشرها في حفر داخل أرض حديقة باحة الدار.

كان ذلك الاكتشاف الذي عاينه صحفيون من وكالة أسوشيتد برس خلال عطلة نهاية الأسبوع يمثل الرقم 16 للمقابر الجماعية التي عثر عليها في الرقة منذ دحر مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية خارج تلك المدينة خلال صيف عام 2017. ومع بدء قيام أهالي الرقة بإعادة إعمار دورهم ومساكنهم بشكل تدريجي، بدأ العثور على تلك القبور في البيوت، والحدائق والأبنية المدمرة لتذكرنا بالفظائع الشنيعة التي ارتكبها المقاتلون والعنف الهائل الذي تعرضت له المدينة مما دفع أهاليها لإخراج هؤلاء المقاتلين منها.

إذ خلال حكم المتطرفين، تمت عمليات قتل جماعية، إلى جانب عمليات قطع رؤوس على الملأ وغيرها من الفظائع الأخرى. كما تم رجم النساء والرجال الذين ارتكبوا خطيئة الزنا بالحجارة حتى الموت، في حين تم رمي الرجال المتهمين بالمثلية من شواهق الأبنية وبعدها تم رجمهم بالحجارة.

وارتفعت وتيرة القتل مع بدء الحملة الجوية والبرية التي امتدت لسنوات من أجل تحرير الرقة، والتي شنتها القوات الكردية مدعومة بضربات جوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهكذا دمرت هذه الهجمة ما يقارب من 80% من مدينة الرقة.

هذا ولقد تم استخراج 5218 جثة حتى الآن من المقابر الجماعية أو من تحت أنقاض الأبنية المدمرة حول مدينة الرقة بحسب ما أورده ياسر خميس الذي يترأس فريق الاستجابة الأولية، ومن بين تلك الجثث 1400 جثة تعود لمقاتلي تنظيم الدولة، والتي تم التعرف عليها من خلال الملابس، بعضها جثث تعود لمقاتلين أجانب. كما تم التعرف على 700 جثة من قبل أهاليهم ويعود السبب الرئيسي في ذلك لكونهم هم من قاموا بدفن تلك الجثث.

ويذكر السيد خميس بأن الموارد المحدودة كانت السبب في إبطاء وتيرة عملية البحث كما صعّبت من عملية تحديد سبب الوفاة مع أغلب الجثث، غير أن هؤلاء الذين قتلوا لقوا حتفهم بسبب غارات جوية أو انفجار لغم أرضي، أو بسبب عملية قتل جماعية، أو بسبب المشاركة في القتال إلى جانب تنظيم الدولة، أو أنهم كانوا ضحايا لهذا التنظيم لذا تم دفنهم من قبل تلك المجموعة في هذه المواقع. كما تم استخراج بعض الجثث المقيدة بأصفاد مؤخراً.

ومن المرجح بأن الموتى الذين تم العثور عليهم في آخر مقبرة جماعية قد قتلوا خلال الأيام الأخيرة من المعارك الشرسة التي وقعت في الرقة، ودفنوا على عجل أثناء القتال، إذ يقع هذا البيت في منطقة للبدو في المدينة، والتي شهدت آخر جولات الدولة الإسلامية ضد الحصار.

ويتبع بناء هذا البيت الطراز العربي التقليدي للعمارة، إذ تتوسطه ساحة محاطة بغرف. أما جدرانه الخارجية فقد حفر فيها الرصاص حفراً غائرة. ولقد استخدم تنظيم الدولة هذا البيت كمدرسة أثناء فترة حكمه، ولهذا تتناثر الدفاتر المدرسية ومقاعد الطلاب في أرجاء الغرف.

وفي حديقة باحة الدار، تمكن مَن حفروا من استخراج جثة جديدة يوم السبت الماضي وذلك عند قيام فريق أسوشيتد برس بزيارة لهذا الموقع. كانت هذه الجثة ترتدي بزة عسكرية مع شعار مقاتلي الدولة الإسلامية. وهكذا انتهت عمليات الحفر يوم الإثنين، بعد العثور على 19 جثة، من بينها جثث لثلاث نساء وطفلين.

ويذكر أحد من قاموا بعملية الحفر وهو إبراهيم المايل بأن العديد من الجثث التي عثروا عليها قد تكومت فوق بعضها البعض في باطن الأرض.

وتأتي ظاهرة الدفن في البيوت لتعلل سبب ظهور المقابر الجماعية في هذه المدينة، إذ عمد المدنيون إلى دفن موتاهم في أي مكان يتوفر لديهم، بسبب عدم تمكنهم من الخروج من منازلهم مع اشتداد وتيرة القتال، وهكذا تم العثور على مقابر أخرى في المنطقة ذاتها: اثنتان في بيتين، واثنتان في حديقتين، حيث تم استخراج 90 جثة من تلك المقابر.

كما تم اكتشاف مقبرتين جماعيتين على الأقل في منطقتين مفتوحتين ضمن المدينة، إحداهما في حديقة عامة، والأخرى في مجمع للتدريب، أو على أطراف المدينة وتخومها، حيث قام المقاتلون بدفن زملائهم ومن قتلوهم في تلك المواقع. وهكذا تم استخراج 1400 جثة على الأقل من المقبرة الموجودة في الحديقة بحسب ما أورده السيد خميس، وماتزال الفرق التي يترأسها هذا الرجل تواصل عمليات الحفر والتفتيش عن الجثث في مقبرة جماعية تقع خارج المدينة، حيث تمكنوا من العثور على ما يزيد عن 700 جثة حتى الآن.

وحول هذا الاكتشاف الأخير يعلق السيد خميس بالقول: "أتوقع أن يكون هذا البيت العربي آخر موقع ضمن المدينة، وبعدها سنركز على الريف".

هذا ولقد كانت الرقة مقراً لمقاتلي ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، والذي توسع ليسيطر في أوج قوته خلال عام 2014 على ثلث سوريا والعراق. وخلال هذا العام تمت استعادة آخر قرية بقيت بيد تنظيم الدولة في شرق سوريا، ومع ذلك ما يزال مقاتلوها موجودين على طول الشريط الحدودي ويقومون بشن هجمات أيضاً.

وخلال "الحرب الأهلية" في سوريا التي امتدت لثماني سنوات، تعرض أكثر من 100 ألف شخص للاعتقال أو الاختطاف أو الاختفاء القسري، حيث ذكرت الأمم المتحدة بأن معظم هؤلاء تعرض للاختفاء القسري على يد الحكومة. كما اختفى عشرات الآلاف في مقابر جماعية، معظمهم كانوا ضحية لتنظيم الدولة الإسلامية. ولقد ذكر السيد خميس بأن فريقه سجل 2000 حالة لمفقودين من مدينة الرقة وذلك اعتماداً على تبليغات تقدم بها أهاليهم، لكنه أعرب عن أن هذا الرقم لا يعكس كامل الحقيقة، بما أن بعض الأهالي يئسوا من العثور على من فقد من أقاربهم، أو لم يتمكنوا من الوصول لفريق السيد خميس أو انتقلوا إلى مناطق أخرى.

كما أن فريقه بدأ بجمع عينات من الجثث منذ ثلاثة أشهر فقط، على أمل أن يتوفر تدريب جديد بالإضافة إلى تقنية الحمض النووي بشكل يساعدهم على التعرف على هوية تلك الجثث، مما يعني أن 1600 جثة من بين 5200 تم العثور عليها قد تم أخذ عينات منها قبل إعادة دفنها، وحول ذلك يعلق السيد خميس بالقول: "إننا بحاجة لأكثر من ذلك".

وفي مكاتب فريقه في الرقة يمكنك أن تشاهد أكياساً بلاستيكية تحتوي على عينات لعظام، أو أسنان، أو شعر وقد تمت إضافة ملصقات عليها لتحدد مكان استخراجها بالإضافة إلى رقمها. وحول ذلك صرحت مجموعات حقوقية دولية بأنها تخشى من عدم حصول المجموعات المحلية المتخصصة بالطب الشرعي على الدعم والخبرة والموارد التي تحتاجها، وأعربت عن أن تحديد هوية المفقودين، والاحتفاظ بأدلة قد تستخدم بأي محاكمة أمر ضروري وحاسم بالنسبة لمستقبل سوريا.

وهنا يعلق أحد من شاركوا بحفر القبور وهو هويدي منوخ بالقول: "أسوأ ما رأيته في حياتي بالنسبة لتلك القبور كان رجلاً أتى ليبحث عن ولده ولم يستطع أن يجده".

ولقد عمل هذا الرجل في عمليات الحفر في تسع مقابر جماعية بالرقة، وذكر أنه استخرج من إحدى هذه المقابر جثة لإحدى بنات عمومته، وهي امرأة قتلت في غارة جوية أثناء المعركة الأخيرة لاستعادة المدينة.

 

للاطلاع على المادة من المصدر اضغط هنا