هل ننتظر ساعة الصفر التركية؟

2018.12.29 | 23:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا ينكر أحد، أن تركيا قد تبوأت مركزها في الشمال السوري عن "استحقاق " لعدة أسباب، منها ما هو متعلق بالجغرافيا السياسية التي أتاحت للأتراك لعب دور مهم ومركزي في القضية السورية ومنها ماهو متعلق بالمصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، عدا عن استضافة ملايين السوريين داخل مخيمات على الحدود التركية وداخلها، الإطلالة على المشهد السوري من العين التركية فرض هذه الاستحقاقات، التي ارتبطت مع شعارات بقيت تصدح من حنجرة الرئيس أردوغان في البداية عن حماة، حتى وصلت وحشية النظام وعصاباته إلى حمص ثم حلب والغوطتين، وها هي تقف اليوم على مشارف إدلب وريفها تحضيراً لمعركة مؤجلة إلى حين إنضاج ظروف تسمح بها.

أول هذه الظروف، ما رشح عن تفاهم تركي أمريكي يتيح للأولى خوض غمار معركة بعد الإعلان الرسمي الأمريكي عن سحب القوات الأمريكية من الشمال، وترك الأمر للأتراك بإكمال مهمة القضاء على تنظيم داعش الارهابي، وسحق المتمردين الأكراد حسب التعريف التركي للتفاهم، من ثم التريث عن البدء في المعركة ليتاح للمحتل الأمريكي المغادرة وترتيب أوراقه بالاتفاق مع قوى الاحتلال المختلفة.

لهذا كان أمرا طبيعيا، والمؤثرات والتطورات الفاعلة جرت على هذا النحو لمصالح تركيا، خصوصا ونحن نشهد إسدال ستارة على مطلب السوريين في معركتهم مع النظام، وغير بعيد عن المصالح المزدحمة لقوى الاحتلال على الأرض يبقى النموذج التركي الأهم في التناول لارتباطه مع شعارات "أيقظت" عند بعض السوريين آمالاً في ما مضى من عمر الثورة.

لم يكف السوريين الاستماع لمرافعات العدالة والإنسانية وذرف الدموع، فقد كان سهلاً على السياسة التركية استحضار كل القيم الخيرة والمبادئ الإنسانية ضد نوايا وخطط نظام الأسد، لكن اليوم تعيد اسطوانة الطلب بجاهزية آلاف السوريين للتوجه نحو شرق الفرات والمحمولة على نفس الشعارات تعيد السؤال عن معنى إخفاء الخصم الحقيقي للسوريين، وإبعاد شبحه من أقرب نقطة مراقبة تركية في الشمال في إدلب ومنبج وعفرين وغيرها، تعلم أنقرة وحليفها الأمريكي في شرق الفرات أن التسخين شمالاً من جهة النظام وموسكو منبعه تفاهمات الأطراف نفسها أي تركيا وموسكو وواشنطن.

من أين يأتي "الحق" بطلب إعداد آلاف السوريين عسكرياً لمعركة لا تخدم الهدف الأساس؟

والسؤال المطروح من أين يأتي "الحق" بطلب إعداد آلاف السوريين عسكرياً لمعركة لا تخدم الهدف الأساس؟ إنه نفس الحق الذي أباح قبل أسابيع قليلة، لمقاتلات عراقية  بتنفيذ "ضربات جوية" جديدة في منطقة سوسة القريبة من مدينة البوكمال الحدودية، وقد أعلنت القوات العراقية مراراً تنفيذ هجمات مماثلة داخل الأراضي السوري، فضلاً عن إشراك ميليشيا الحشد الشعبي ولواء أبي الفضل العباس مع عدة تشكيلات عراقية مدعومة إيرانياً بالمعارك، سواء على الحدود أو في العمق السوري لإسناد النظام، وهو الذي يبيح لقوى الاحتلال المختلفة بتنفيذ عملياتها داخل العمق السوري بعد أن حولها الأسد وعصاباته لملطشة لن يتوقف تلقيها لضربات وإهانات بفضل طغيانه.

كان من السهل على الأتراك، أو أية جهة تلعب لعبة "الدعم والتمويل" ، أن تترجم مصالحها بما يخدم مصالح السوريين، واحترام تطلعاتهم وتضحياتهم، لكننا لم نجد من السهولة ذاتها في صياغة حق النفير لا لمقارعة النظام، أو التصدي لعصاباته في كل المدن التي خُذل بها السوري، حتى داخل إدلب وريفها والتجهيز لمعركة يحشد لها النظام عصاباته من كل الميليشيا المستوردة وهو يعتمد أساسا على هذه الإنجازات من التشتت التي سوقتها المعارضة السورية عن نفسها بكثير من السلبية والأسى.

ولنفي صفة السلب عن بدايات تبعثر الأهداف في أجندة الفصائل المعارضة، نعثر على رقعة أخلاقية وإنسانية، ستبقى ناصعة في جوهر ما ناضل وضحى لأجله السوريون، إن شرق الفرات من غرب سوريا وجنوبها حتى شمالها وشرقها، كل ما أصابها ويصيبها من هوان بفعل الطاغية في دمشق، الأمريكان والروس والإيرانيون مع الإسرائيليين، وكل المجتمع الدولي يعلم هذا، لكنهم اختاروا توظيف نزع حق السوريين بالحرية من قيد الطاغية، وافتعال معارك لا تؤدي لرحليه، وهذا الأمر مفترض أن يُقنع أكثر الناس تشككاً بأنه لا أمل في انتصار السوريين، وأن عليهم التعايش مع قاتلهم.

من الصعب التكهن بوجهة سير المعارك المقبلة في شرق الفرات، من دير الزور والرقة، إلى عفرين ومنبج وفي إدلب وريفها، ومن تجربة السوريين المثقلة بأعوام من دم ودموع وآلام وهم يمضون في تطبيق أحلامهم، يتضح أن كل المعارك الجانبية كانت تهدف في محاولاتها إلى إنقاذ الأسد وتوطيد وحشيته على سوريا وشعبها، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، كل هذه المعارك استكمال لإعادة لململة النظام المبعثر والمخردق باحتلالات واعتداءات لن تنتهي في منظور سوريا القريب،  طالما بقي الأسد زعيما لعصابته، وبقي بعض الواهمين مرتبطين مع أجندات غير معنية بحرية وكرامة السوريين، فهل بتنا ننتظر ساعة صفر تركية نعرف جميعا إنها لن تحقن الدم في بوصلة مغايرة لوجهة الطاغية في دمشق.