هل نضجت الظروف لإنتاج تسوية في سورية؟

2018.08.23 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تبدو الظروف الدولية الإقليمية –حتى اللحظة- غير ناضجة لإنتاج حل جذري في سورية بفعل المصالح المعقدة لأطراف عديدة والخلافات المتعلقة بترسيم خرائط المصالح والنفوذ، إلى جانب غياب أي دور سوري فاعل بإمكانه تغيير أو تعديل مسار التسويات التي يجري إنضاجها بين القوى الكبرى ودول الإقليم الرئيسة وجميعها تذهب وفق المتوفر من المعلومات الأولية نحو إعادة تأهيل النظام الحالي مع بعض التغييرات الطفيفة.

عوائق إيجاد حل للقضية السورية كثيرة، ربما أولها يتعلق بطبيعة النظام نفسه وصعوبة أو استحالة قابليته لاستيعاب عمليات تغيير جوهرية لأنه يدرك بأن مثل هذا الأمر سيؤدي حكمًا إلى سقوطه، وكذلك فإن جزءاً لا يستهان به من تيار الثورة والمعارضة مازال يعتقد أن أولى خطوات التسوية تبدأ برحيل رأس النظام كمقدمة لانتقال سياسي كامل بناء على القرار الأممي 2254 وهو ما ترفضه موسكو صراحة وتحاول إنتاج مسار خاص بها بناء على تفاهمات مع عدد من الفاعلين إقليميًا.

ربما من الواقعية ضمن الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة بسورية التسليم بأن تحقيق هدف الثورة الرئيس المتمثل بإسقاط النظام بكافة رموزه بات ضربًا من المستحيل –آنيًا على الأقل- ليس فقط بسبب ما تعرضت له الثورة من انتكاسات كبيرة على الأرض، بل أيضًا بفعل تحالف كبير يعارض مثل هذا التغيير ويفضل النظام القائم مع مدخلات جديدة "لأدوات القوى الكبرى واللاعبين الإقليميين"، الأمر الذي يتطلب موقفاً واضحاً يعتمد على أدوات جديدة تحافظ على الحد الأدنى، وتقاتل دبلومسياً وإعلامياً للتمسك بالقرارات الدولية ذات الصلة كأساس لأي حل في سوريا.

قضية التفاهمات الدولية / الإقليمية للحفاظ على جوهر النظام مع إجراء بعض التغييرات الشكلية –بغض النظر عن مركزية أو لا مركزية الحكم مستقبلا- ليس تحليلًا أو تكهناً

قضية التفاهمات الدولية / الإقليمية للحفاظ على جوهر النظام مع إجراء بعض التغييرات الشكلية –بغض النظر عن مركزية أو لا مركزية الحكم مستقبلا- ليس تحليلًا أو تكهناً، وإنما تدعمه تصريحات أفادت بها قبل أكثر من عام ونصف العام مصادر في أعلى هرم المعارضة السياسية والعسكرية تفيد بأن دولًا عربية على رأسها "عمان وقطر والسعودية" ستبدأ باتخاذ إجراءات لإعادة تعويم النظام السوري على الساحة العربية تمهيدًا لخطوات مماثلة على الساحة الدولية.

ليس المقصود من التوصيف السابق الإقرار أو التسليم بما يسعى إليه جزء كبير من المجتمع الدولي غير الراغب برؤية انتصار ولو جزئي للثورة في سورية، بل هي محاولة لإلقاء الضوء والخروج من مربع الصدمة وكأن ما يحدث هو أمر غير متوقع، ما يفرض مسؤولية على الجميع للاستفادة من الوقت وبلورة رؤى وتصورات جامعة ممكنة على صعيد "الثورة والمعارضة" مقابل الحلول الرامية لإعادة سورية إلى عهود الصمت والعبودية وحكم الفرد، خاصةً وأن هناك خلافات كبيرة بين القوى ذاتها الساعية لمثل هذه التسوية بالإمكان استثمارها وتوظيفها لتحقيق مكاسب سياسية.

من الصعب الجزم إلى أين يمكن أن تصل المسارات الديبلوماسية الحارة المتعلقة بالملف السوري، بعيدًا عن كل التكهنات والتحليلات التي تذهب إلى أن هناك اتفاقات كبيرة بين القوتين العظميين "موسكو وواشنطن" حول الخطوط العريضة للتسوية العتيدة، لأنه مهما بلغت درجة هذه التفاهمات تبقى بينهما خلافات أكبر تتعلق بمصالح الدولة العظمى "أميركا" وطموحات موسكو الرامية لإعادة طرح نفسها كقطب عالمي آخر في مواجهة الولايات المتحدة.

الخلافات بين الدول الفاعلة ليست سرًا، وبدأت في الآونة الأخيرة تتخذ مسارًا تصعيديًا يمكن قراءته على أنه تبدل –طفيف- في السياسة الأميركية تجاه سوريا والتي أخذت قناعتها تزداد بأن الأدوار المتبدلة لدول الإقليم تضخمت إلى حد يفرض إجراءات حقيقية لإعادة تقييدها خاصة فيما يتعلق بطهران وأنقرة، الأمر الذي يعطي مؤشرات بأن مناطق النفوذ الحالية قد يطرأ عليها الكثير من الاختلاف خلال المدى المنظور والمتوسط.

تسابق روسيا الزمن للتفرد بإنتاج تسوية في سورية تسحق أي طموحات مهما كانت بسيطة للثورة

بالمقابل تسعى الدول الإقليمية للبحث عن بدائل تساعدها في الحفاظ على مكتسباتها داخل سورية، لا سيما وأن ما "حققته" خلال السنوات السبع الماضية كلفها الكثير اقتصاديًا وسياسيًا، ومن هنا تأتي الدعوات لاجتماعات عديدة بين أطراف إقليمية ودول أوروبية بعيدًا عن واشنطن لبحث الملف السوري، منها دعوة أنقرة للقاء رباعي في استنبول يضم إلى جانبها كل من "فرنسا/ روسيا/ ألمانيا"، وهو ما ردت عليه أميركا بالتأكيد بأن المسار الوحيد المعترف به لإيجاد حل في سورية هو مسار جنيف.

بفعل كل المعطيات السابقة أيضًا تسابق روسيا الزمن للتفرد بإنتاج تسوية في سورية تسحق أي طموحات مهما كانت بسيطة للثورة، مستفيدة إلى حد بعيد من خلافات واشنطن مع بعض حلفائها، إضافة إلى غياب استراتيجية أميركية واضحة في سورية، باستثناء ما يبدو من سياستها حتى اللحظة أنه يعتمد على إدارة الفوضى في الشرق الأوسط بما يضمن التفوق الإسرائيلي ويعيد تشكيل المنطقة مجددًا وصولُا إلى إنتاج نظام جديد على مستوى شرق المتوسط يوزع الأدوار على دوله الرئيسة بناء على المغيرات الجارية والمتواصلة.

التفاهمات الدولية/ الإقليمية قد تنجح في فرض تسويات إلا أنها لا يمكن أن تستمر على المدى الطويل في حال رفضتها الأطراف المحلية.

ذهب الكثيرون إلى قراءة القمة الأخيرة بين بوتين وترامب في هلسنكي على أنها خطوة نهائية لإبرام صفقة تتعلق بسورية، منح بموجبها الأخير حرية التصرف للأول فيما يخض القضية السورية، إلا أن الوقائع مازالت تدحض مثل هذه القراءات وإن حصلت تفاهمات جزئية هنا وهناك على عدد من القضايا، والأهم يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن التفاهمات الدولية/ الإقليمية قد تنجح في فرض تسويات إلا أنها لا يمكن أن تستمر على المدى الطويل في حال رفضتها الأطراف المحلية.