icon
التغطية الحية

هل ستقيد العقوبات الأميركية حركة الأموال إلى الداخل السوري؟

2019.09.12 | 18:09 دمشق

تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

أدرجت وزارة الخزانة الأميركية عدداً من شركات الصيرفة السورية على لائحة العقوبات؛ بتهمة تمويل ونقل أموال إلى منظمات إرهابية، ومن اللافت للنظر أنّ العقوبات طالت شركات تعمل في المناطق الخارجة عن النظام، وتتخذ من جنوب تركيا مقارَّ لها للعمل المصرفي والحوالات.

ومن بين الشركات التي طالتها العقوبات (الهرم، الخالدي، سكسوك، وحبو)، وعلى الرغم من التبريرات المختلفة لأسباب إدارج العقوبات بحق تلك الشركات، فإنّ الثابت الوحيد فيها هو التعامل مع تنظيم "الدولة" أو تمويل أفراده.

حيث تعتبر شركة "سكسوك" التي تتخذ من مدينة إدلب مقرا لها، أحد فروع شركة الهرم للصرافة والحولات التي طالتها أيضاً العقوبات الأميركية، والتي انفصلت عنها مع بدء العمل العسكري في المدينة وسيطرة المعارضة عليها.

وتعتبر الشركة من أهم من يقوم بتحويل أموال المنظمات العاملة في الشمال السوري عبر الحدود مع تركيا، فهي تؤمن وصول الرواتب إلى العاملين في تلك المنظمات إضافة إلى مصاريفها اللوجستية.

ومن اللافت ورود اسم "فواز محمد جبير الراوي" في الأسباب المباشرة لإدارج شركة "سكسوك" على لائحة العقوبات، وهو يعتبر من أهم رجال تدوير المال بين التنظيم والنظام والنصرة سابقاً.

حيث قتل الراوي في غارة للتحالف الدولي على منزله في مدينة البوكمال شرق دير الزور في حزيران من عام 2017، إذ جاء في بيان التحالف في حينه أنّ غارته استهدفت أحد أهم خزنة المال في تنظيم "الدولة".

وكذلك ورد اسم شركة "حبو" على اللائحة؛ بتهمة المساهمة في نقل الذهب إلى التنظيم ومساهمته بصك العملة "الدينارية" التي صكها التنظيم من المعادن النفيسة.

وتتخذ شركة "حبو" من مدينة غازي عينتاب مقرا لها، كما جاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية، ومن المعروف عن الشركة عملها بتهريب الذهب عبر خط (سوريا- لبنان- العراق) منذ ما قبل الثورة.

في حين تعتبر شركة "الهرم" المدرجة على اللائحة، والتي يرأس مجلس إدارتها فؤاد عاصي وإخوته، من كبريات الشركات المرخصة في سوريا منذ عام 2006، وتعتبر البوابة المصرفية لجميع مكاتب الحوالات والشركات التي نشأت في مرحلة ما بعد الثورة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ودول الجوار.

وحاولت الشركة النأي بنفسها عن العقوبات، وذلك من خلال بيان عبر صفحتها على (فيسبوك)، قالت فيه إنّ "الشركة لا يوجد لديها أي فروع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو دول الجوار"، وهو كلامٌ تنفيه معظم الوقائع المصرفية على الأرض، إذ تؤكد مصادر تعمل في مجال الصيرفة أنّ "الشركة تعتبر من أهم الأذرع المصرفية لنظام الأسد، وتسيطر على نحو 70% من سوق النقد السوري في مناطق المعارضة ودول الجوار".

كما أن إدارة الشركة دخلت في خلافات مع النظام عبر رئيسها فؤاد عاصي، الذي كان يرأس سابقاً "اتحاد المصدرين السوريين" في منتصف عام 2014، حيث تم إغلاق فرع الشركة الرئيسي بشارع  29 أيار  في العاصمة دمشق، والذي يعتبر المركز الرئيس للشركة، وذلك بعد رفض السلطات المصرفية للنظام منح "عاصي" ترخيصاً لفتح فرع للشركة في طرطوس، ونقل كل أعمال شركات الصرافة إلى طرطوس، ومنحها امتيازات من قبل المصرف التجاري.

لكن الشركة سرعان ما دخلت في تحالفات عميقة مع نظام الأسد، وأعادت فتح فرعها في دمشق، وتمددت لتفتح 124 فرعاً لها في عموم المحافظات التي يسيطر عليها نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية، موزعين على 26 فرعاً في العاصمة دمشق، و 6 فروع بريف دمشق، و4 في درعا، و4 في السويداء، و18 فرعاً في حلب وريفها، و12 فرعاً في اللاذقية وريفها، و15 فرعاً في طرطوس، و14 فرعاً في حمص، و15 فرعاً في حماة وريفها، و10 فروع في الحسكة وريفها.

كما أنّ الشركة استطاعت عبر رئيس مجلس إدارتها فؤاد عاصي الحصول على ترخيص لأول شركة تعمل في مجال إعادة الإعمار في البلاد، كما احتكرت الشركة في فترة من الفترات الحوالات المصرفية التي تصل من الأمم المتحدة إلى المنظمات العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وفق تسويات غير معلومة حتّى الآن.

وتقول مصادر مقربة من القائمين على تلك الشركات لموقع تلفزيون سوريا إنّ "العقوبات الأميركية لن تؤثر بشكل مباشر على عملها؛ كونها غير مرخصة بشكل رسمي في دول الجوار".

وتنفي المصادر ما جاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية من اتهامات بخصوص ضلوعها بتمويل الإرهاب"، مؤكدة أنّ "التحويلات تتم إلى أفراد وليس كيانات"، وأن "القائمين على تلك الشركات لايملكون سجلات أمنية للأشخاص الذين يتم تحويل أموال لهم، وخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام".

إلى ذلك، تقول مصادر، فضلت عدم نشر اسمها إنّ "شركات الصرافة تخضع للمراقبة من قبل السلطات التي توجد على أراضيها، وهي ملزمة بتسليم (داتا) بيانات بأسماء المستفيدين من تلك الأموال"، مشيرة إلى "خضوع عدد من العاملين في هذا المجال للاعتقال من قبل السلطات الأردنية والتركية لمجرد وجود شبهة (إرهاب) على بعض الأسماء المستفيدة".

وتُغذي الشركات المشمولة بالعقوبات كامل المحافظات السورية بالنقد الأجنبي، إذ تشير إحصاءات غير رسمية إلى أنّ حجم الحوالات التي تصل إلى سوريا تقدر بنحو 3 مليارات دولار في الشهر الواحد.

وفي تعليقه على أثر تلك العقوبات على سوق النقد في سوريا، يقول الدكتور عبد المنعم الحلبي، وهو أكاديمي ومختص في العلاقات الاقتصادية الدولية لموقع تلفزيون سوريا: إنّ "العقوبات سيكون لها تأثير على الأشخاص الذين طالتهم العقوبات، وستنعكس بصورة حادة على تحركاتهم ومعاملاتهم المالية الخارجية".

وأضاف "في حال تم إثبات الاتهامات بصورة قطعية من الناحية الجنائية فإن ملاحقتهم القانونية ستكون متاحة لإحالتهم إلى القضاء الأمريكي"، لكنه استدرك قائلًا: إنّ "الوجود المكاني لهؤلاء يبقى له الدور الأكبر في كل ما سبق. أما بالنسبة للكيانات فبالتأكيد الآثار ستكون أكبر، وتعد بمثابة ضربة قاصمة لمستقبل عملها في الحقل المالي والنقدي، كما أن هذه العقوبات تشكل ضغطاً ليس عادياً بالنسبة للسلطات التي تعمل هذه الكيانات على أراضيها".

وأوضح الحلبي أنه "يتوجب على تلك الدول إجراء تحقيقات بخصوص نشاطات وأعمال الكيانات المذكورة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وفق نتائج هذه التحقيقات"، موضحاً أنّ "الغاية من العقوبات؛ تجفيف ما تعتقد الولايات المتحدة أنها واحات وقنوات آمنة لتجميع وتدفق وانتقال الدعم المالي سواء لتنظيم الدولة أو غيره من الجهات المعادية لسياستها وسياسة حلفائها. وبالتالي الضبط والحد من الدعم اللوجستي لعمليات قد تستهدف قوات أو مصالح أمريكية، لاسيما مع عودة التنظيم إلى أسلوب حرب العصابات والعمليات الانتقائية".

أما فيما يتعلق بتأثير تلك العقوبات على الشركات العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فقال الحلبي: إنّ "العمليات المالية ولاسيما عمليات الصرافة والحوالات هي ذات طرفين واتجاهين، وبالتأكيد الأمر يتوقف على درجة امتثال وتتبع السلطات المعنية في الدول التي تشكل منابع للحوالات المالية وتهريب النقد"، مشددًا في الوقت ذاته على أنّ "تأثير العقوبات سيكون كبيراً، وستنعكس بشكل كبير على المعروض من الدولار في الداخل السوري".

هذا وتنامت شركات الصيرفة في السوق السوداء بعد اندلاع الثّورة السورية؛ بسبب غياب الخدمات البنكية عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إضافة إلى البيئة غير الآمنة للعمل المصرفي والتي تمثلت في عمليات الخطف والاغتيال سواء في مناطق المعارضة أو النظام للعاملين في هذا المجال، إذ أصبحت تشكل تلك الشركات الملاذ الآمن للاجئين السوريين في دول أوروبا ودول الجوار؛ نظرا لقلة عمولاتها وسرعة انتقالها، كما أنّ عدم وجود تشريعات في دول الجوار تتيح للمستثمرين افتتاح شركات صيرفة وحوالات جعل عدداً من العاملين فيها يلجأ إلى العمل في السوق السوداء دون تغطية قانونية.