هل تطيح أزمة صواريخ S400 بالعلاقات التركية – الأميركية؟

2019.03.10 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمسك بلاده بصفقة الصواريخ الروسية S400 في أكثر من مناسبة. وكذلك فعل وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، مقابل إثارة الأميركيين لهذا الموضوع، في كافة اللقاءات الثنائية التي تمت بين ممثلي الحكومتين، بوصفه موضوعاً خلافياً كبيراً قد يؤدي إلى تداعيات كبيرة بين الحليفين الأطلسيين.

هذا التكرار للموقف التركي، قد يصعِّب أية محاولة للتراجع عنه في الفترة المقبلة. لكن إدارة أميركية يقودها رئيس كدونالد ترمب معروف باهتمامه الشديد بالجانب المالي للصفقات مع الدول الأخرى، لن تتراجع أيضاً عن مطالبتها بإلغاء صفقة الصواريخ الروسية مقابل التعويض عنها بصواريخ باتريوت التي سبق وامتنعت الولايات المتحدة عن تسليمها لأنقرة. ويحاجج الجانب التركي بأن اليونان العضو في حلف شمال الأطلسي يملك أيضاً صواريخ روسية من طراز S300 من غير أن يثير ذلك حفيظة واشنطن. فيرد الأميركيون بالقول إن اليونان لا تستخدم تلك الصواريخ المخزنة في مستودعات على إحدى الجزر اليونانية متروكة ليأكلها الصدأ.

وتعود قصة الصواريخ الروسية في اليونان إلى أن موسكو باعتها أصلاً لقبرص التي دفعت ثمنها، لكن اعتراضات أنقرة الشديدة أرغمت أثينا على الاحتفاظ بها لديها تجنباً لأزمة خطيرة مع تركيا.

وأمام احتجاج الأتراك بتعهدهم لدى موسكو بشراء الصواريخ موضوع الجدل، وأنه من غير المقبول أن يتراجعوا عن اتفاق وقعوا عليه، يطرح الأميركيون "الحل اليوناني"، أي وضع الصواريخ الروسية في مستودعات وتركها لرحمة الصدأ، مقابل شراء بطاريات صواريخ باتريوت من الولايات المتحدة التي تبلغ كلفتها ثلاثة مليارات دولار ونصف المليار. وهو ما يعني أن يدفع الأتراك هذا المبلغ إضافة إلى مليارين ونصف من الدولارات ثمن الصواريخ الروسية! هذا حل يناسب دونالد ترمب بالتأكيد، لكنه يعني خسارة مالية كبيرة لتركيا المتخبطة أصلاً في متاعب اقتصادية قد تكون مقدمة لأزمة اقتصادية حادة في الفترة المقبلة.

كذلك يطرح الأميركيون حجة أخرى لإقناع الأتراك بالتخلي عن صفقة الصواريخ الروسية، هي أن من شأن استخدام

ثمة موضوعات خلافية أخرى بين الجانبين، من المحتمل أن موضوع صفقة الصواريخ الروسية سيرتبط بها أو بحلها

الأتراك للصواريخ الروسية أن يحول دون تسليم تركيا طائرات F35 الأميركية الأكثر تطوراً. وسبب ذلك أن تكنولوجيا "الذكاء الاصطناعي" المزودة به ستكون مكشوفة أمام الاستخبارات الروسية من خلال أجهزة من النوع ذاته موجودة في الصواريخ الروسية. وهذا ما لا يمكن لواشنطن أن تقبل بالمجازفة به كرمى لعيون الأتراك.

إلى أين يمكن أن يؤدي كل هذا الأخذ والرد بين أنقرة وواشنطن؟ لا أحد يملك التكهن بذلك من الآن، ولكن ثمة موضوعات خلافية أخرى بين الجانبين، من المحتمل أن موضوع صفقة الصواريخ الروسية سيرتبط بها أو بحلها. فمن جهة تركيا هناك موضوع الانسحاب الأميركي من شرقي نهر الفرات، وما أثاره هذا القرار من خلافات بشأن كيفية ملء الفراغ، والفهم المختلف لفكرة "المنطقة الآمنة" وتأكيدات واشنطن المتواترة حول حماية حليفها الكردي بعد الانسحاب، إضافة إلى إقامة الداعية التركي فتح الله غولن في الولايات المتحدة، وهو المتهم بقيادة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، 15 تموز 2016، وموضوع "بنك خلق" التركي الحكومي المعرض لأحكام قضائية في الولايات المتحدة بتهمة خرقه للعقوبات الاقتصادية على إيران.

أما من الجانب الأميركي، فهناك أيضاً، إضافة إلى موضوع صفقة الصواريخ الروسية،

أمام تركيا، إذن، تحديات كبيرة بشأن مستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة (وروسيا)، يتصدرها حالياً موضوع صفقة الصواريخ الروسية

وجود مواطنين أميركيين في السجون التركية، وإعلان تركيا عن عدم التزامها بحزمة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، إضافة إلى الخلافات العميقة بشأن الصراع في سوريا.

أمام تركيا، إذن، تحديات كبيرة بشأن مستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة (وروسيا)، يتصدرها حالياً موضوع صفقة الصواريخ الروسية التي يبدو من الصعب على أردوغان التراجع عنها بعد تصريحاته المتكررة، كما يصعب عليه التراجع عنها أمام روسيا الشريكة في مسار آستانا – سوتشي. فهل يكون "الحل اليوناني" لموضوع الصواريخ الروسية هو المخرج؟ لكن كلفته المالية الباهظة ستضع الحكومة التركية في مرمى مدافع المعارضة التركية التي سيكون من حقها أن تتهم الحكومة بالتفريط بأموال الشعب التركي على مذبح أخطاء السياسة الخارجية للحكومة.

تبدو كل الأمور في تركيا اليوم، معلقة إلى ما بعد موعد الانتخابات المحلية التي ستجرى في نهاية هذا الشهر. وربما لهذا السبب يصف الناطقون باسم الحزب الحاكم تلك الانتخابات بأنها قضية حياة أو موت بالنسبة لتركيا! وهي مبالغة لا يمكن تسويغها لأنه مهما كانت نتائج تلك الانتخابات فهي لن تغير الحكومة، فما بالكم بمصير تركيا ذاتها. ويعزو المحللون الأتراك هذه المبالغة التي تتكرر قبل جميع الانتخابات، من رئاسية إلى برلمانية إلى بلدية، إلى خشية الحزب الحاكم من تدهور شعبيته لدى الناخبين، فيتم التأكيد على مصيريتها لشد عصب القاعدة الانتخابية الموالية ودفعها إلى المشاركة بكثافة، بعدما لوحظ شيء من الفتور في حماسها للحكومة، وبخاصة بسبب التدهور المتزايد للقوة الشرائية لدى قطاعات واسعة من الأتراك.

ويتوقع بعض المحللين تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية لتركيا، بعد الانتخابات البلدية، لأن من شأن التخفيف من ضغطها أن يمنح أردوغان وحكومته فسحة لالتقاط الأنفاس ومواجهة تحديات انعطافات حادة محتملة في السياسة الخارجية.