هل انتهى "اقتصاد الحرب" في سوريا

2019.01.22 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الصور الآتية من سوريا حول انقطاع التيار الكهربائي لساعات وساعات وفقدان الغاز المنزلي وانعدام المياه أو حليب الأطفال وغير ذلك من مظاهر نقص العملة الشديد بالنسبة للنظام السوري الذي لا يستطيع تمويل كل هذه المستوردات إنما تدل أن سوريا ما زالت في مرحلة اقتصاد الحرب وربما في أسوأ لحظاته.

فالحرب ربما تنتهي بوعود دولية على مساعدة البلد في إعادة الإعمار وتمويل مشاريع البنى التحتية وزيادة المساعدات الإنسانية، الوضع في سوريا مختلف حيث شارفت الحرب على النهاية لكن لم تكن تلك النهاية التي أرادها الشعب السوري أو المجتمع الدولي، لقد انتصر السفاح بحجم إراقة الدماء التي سفكها وبحجم الدمار الذي ألحقه بكل المدن والقرة الثائرة، والآن لا يجد المجتمع الدولي أية حاجة لتمويل جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الأسد بحق شعبه أو مكافأته على جرائمه التي ارتكبها بحق المدنيين.

ولذلك ترك الأسد كي يعيش وهم "انتصار" بنفسه مع شركائه في الجريمة من إيران إلى سوريا إلى مليشيات

اللاجئون السوريون يفضلون بدء حياة جديدة من الأمن في بلد اللجوء على العودة إلى بلد ما زال يحكمه الأسد مع عصاباته، ليس فيه من مقومات الدولة الحديثة إلا السجن والاعتقال

وعصابات حزب الله وغيرها من الميليشيات الطائفية، هؤلاء المنبوذون في الأرض كما يطلق عليهم  ليس لديهم الأموال أو حتى الرغبة في إعادة دمار فعله الأسد يقدر بمئات المليارات ولذلك على الأسد اليوم أن يتعامل مع الحقائق التي أنكرها على مدى سنوات، حقائق أن لا أحد في العالم سيعينه على إعادة إعمار ما دمره، ولن يكون السوريون أيضا جزءا من هذا المشروع، فاللاجئون السوريون يفضلون بدء حياة جديدة من الأمن في بلد اللجوء على العودة إلى بلد ما زال يحكمه الأسد مع عصاباته، ليس فيه من مقومات الدولة الحديثة إلا السجن والاعتقال، حيث لا قانون ولا اقتصاد ولا أمان، فما المغري بالنسبة للسوريين كي يعودوا إلى بلد هذي حاله؟

لقد تحطمت فكرة الوطن داخل الكثير من السوريين، أصبح معناها يرتبط في أذهانهم بالقتل والتعذيب والتشريد والقصف، يريدون لهذه السنوات أن ترحل ورحيلها مرتبط بذاكرة ورحيل فكرة الوطن من أصلها في أذهانهم.

بالنسبة لهم كانت الثورة بداية عهد جديد، بناء بلد المواطنة والحرية، لكن الأسد حول هذا الحلم إلى كابوس مليء بالقتل والكيماوي والتعذيب والتقطيع وأسوأ ما يمكن لذاكرة إنسان أن تمتلئ به وعليه يفضل السوريون أن يمحوا هذه الذاكرة كي يتمكنوا من الاستمرار في حياتهم ويستمروا في زرع الأمل بعقول أطفالهم، أن مستقبلا مشرقا ما زال ينتظرهم ويفتح ذراعيه إليهم.

وأن سوريا التي عليهم أن يمحوها من ذاكرتهم مؤقتا ستعود تخاطبهم في المستقبل، إنها الفكرة التي لا تمل أو تفتأ أن تعود، إنها الأمل الذي يداعب أحلامهم، لكن حتى يتحقق ذلك الحلم عليهم أن يعيشوا حياتهم في بلد المغترب وأن يتكيفوا مع الحياة الجديدة التي ربما تفتح لهم فرصا لا تنتهي لا تمنحها لهم سوريا اليوم.

فطوابير الغاز والخبز تعيد لنا صورة عن سوريا البؤس والقهر والعجز حيث ينتظر آلاف من الشباب دورهم للحصول على جرة الغاز أو رغيف الخبز دون أن يحق لهم التذمر أو يفكروا في رفع صوتهم على بؤس هذه الحياة، صور الأسد الذي يدعي الانتصار تلاحقهم في كل مكان وهم يتساءلون عن أي نصر يتحدث هذا الأحمق من على حطام بلد دمره أبوه وها هو يكمل المهمة.

وأهم من يعتقد أن هذه المشاكل الاقتصادية ستحل خلال أسبوع أو شهر إنها بداية الأزمة الحقيقية حيث

نيرون العصر الحديث الأسد سيسعد أكثر وهو يرى السوريين يزداد بؤسهم، سيبتهج أكثر عندما يرى الذل والإرهاب يلاحق كل السوريين أينما حلوا وارتحلوا بسبب جواز سفرهم

لا موارد ولا اقتصاد تستطيع أية دولة من خلاله أن تعتمد على مواردها كي تمول المستوردات حيث لا تمتلك أي رصيد من العملة الصعبة وحيث أفضل العقول قررت الهجرة واللجوء وحيث قررت كل النخب الاقتصادية والمالية الرحيل عن هذا البلد كي يبقى الأسد كنيرون مستمتعا بمشهد احتراق سوريا مع شبيحته وعصابته.

نيرون العصر الحديث الأسد سيسعد أكثر وهو يرى السوريين يزداد بؤسهم، سيبتهج أكثر عندما يرى الذل والإرهاب يلاحق كل السوريين أينما حلوا وارتحلوا بسبب جواز سفرهم، كي تصبح بلدهم سوريا سبة تلاحقهم أينما ذهبوا وهم يفكرون بكل الطرق كيف يتخلصون من شيء سيطارهم طول عمرهم كون بلد الولادة شيء لا يتغير مهما غيرنا بلدانا ومهما حصلنا على جنسيات أخرى جديدة.

انتهت تلك الفكرة الجميلة التي حملها الثوار يوما ما، وحان الوقت لكل من عارض هذه الفكرة الجميلة أن يستمتع بسوريا اليوم تحت حكم الأسد، فهنيئاً للأسد وشبيحته بسوريا اليوم.