icon
التغطية الحية

هل النظام صادق في دعوات إعادة اللاجئين؟

2019.03.03 | 16:03 دمشق

عناصر من قوات النظام يوقفون سيارة تقل لاجئين عائدين من لبنان(رويترز)
قطيفان الأحمد - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أصبح ملف اللاجئين السوريين، أو كما تريد أن تسميهم الحكومة اللبنانية بشكل مناقض لكل المصطلحات الدولية بـ "النازحين"، هو الملف الأول على طاولة النقاش الإعلامي في الآونة الأخيرة، فالنظام ومن خلفه روسيا يواصلون حملاتهم الداعية لإعادة اللاجئين إلى سوريا، وتمددت هذه الحملات لتصل إلى جنيف وسوتشي وأستانا، ليصبح هذا الملف الأول على طاولة النقاش قبل ملفات أخرى عسكرية وسياسية واقتصادية.

النظام يخاطب العالم

المشهد الذي يحاول النظام تسويقه للرأي العام العالمي أنه مندفع ومتحمس لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وهو الخطاب الذي يود العالم سماعه بطبيعة الحال، حيث لا يود العالم تكرار تجربة اللاجئين الفلسطينيين. الماكينة الإعلامية التابعة للنظام باتت تبث يوميًا مشاهد لعودة اللاجئين وتتحدث مع العديد منهم وهم يحملون صور الأسد ويرحبون بالعودة إلى "سوريا التي انتصرت على الإرهاب"، كما يرددون أو طُلب منهم أن يرددوا، وكذلك سعى النظام جاهدًا لاستخدام نفوذه في لبنان للإمساك بملف اللاجئين هناك، فالحكومة اللبنانية الوليدة التي بات "حزب الله" يسيطر على مفاتيح القرار فيها، أفردت وزارة خاصة لملف اللاجئين عهدتها للوزير معين المرعبي تحت مسمى "وزارة الدولة لشؤون النازحين"، المرعبي من المحسوبين على "حزب الله" ومن المقربين من النظام، وكانت أولى مهامه الوزارية كسر القرار اللبناني الرسمي بـ "النأي بالنفس" عما يجري في سوريا، والقيام بزيارة إلى دمشق.

روسيا تولت الملف

أيضًا ساهمت روسيا في تعزيز ادعاءات النظام في هذا الملف، من خلال "المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتنازعة" التابع لقاعدة حميميم، الذي ينشر تقارير يومية تتحدث عن عودة اللاجئين، كذلك خصصت بالتنسيق مع النظام مركزًا لهذا الغرض تحت مسمى "مركز تنسيق عودة اللاجئين الروسي والسوري".
دعوات إعادة اللاجئين تمددت باتجاه النازحين في مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية، داخل منطقة الـ55 كم التي تخضع لحماية القوات الأميركية، حيث يعاني عشرات الآلاف من نقص الغذاء والإمدادات الطبية، روسيا أعلنت عن افتتاح "ممرات آمنة" لخروج النازحين باتجاه مناطق سيطرة النظام، وبعد أيام من عدم خروج أي نازح، اتهم "مركز تنسيق عودة اللاجئين الروسي والسوري" القوات الأمريكية بإعاقة العملية، وقال المركز في بيان إن القوات الأميركية "تضلل النازحين بشأن عدم إمكانية مغادرة المخيم، وتنشر شائعات بأن ما ينتظرهم في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، هو الدمار والتجنيد الإجباري في الجيش والاعتقالات".
هل النظام جاد في هذا الملف؟
أمام كل هذا الاهتمام من النظام وداعميه في ملف اللاجئين والنازحين، وما يبدو أنها جهود حثيثة لإعادتهم إلى وطنهم، هناك أصوات معارضة رسمية وغير رسمية تتهم النظام بعدم رغبته بإعادة اللاجئين وتتهمه بمحاولة تسيس هذا الملف الإنساني، لذلك لابد من طرح السؤال، هل النظام يرغب فعلًا في إعادة اللاجئين؟ هل هو جاد في هذا الملف، أم أن خلف هذا الاهتمام نوايا أخرى؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب البحث فيما أعده النظام للاجئين بعد عودتهم ومصير من عاد منهم فعلًا، فالدعوة الرسمية التي وجهها بشار الأسد للاجئين في كلمته أمام رؤساء المجالس المحلية كانت دعوة للعودة والانضمام لقواته، ما يعني أن التجنيد القسري في انتظار الشباب منهم، وهو ما تعززه الوقائع بالفعل بعد إصدار النظام لقوائم المطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية وضمت مئات آلاف الشباب، نسبة ليست قليلة منهم من اللاجئين.

الملف يتضمن ملفات أخرى

رئيس النظام قال في ذات الكلمة إن "الدول الداعمة للإرهاب وبعض منظمات ومسؤولي بعض الدول يستغلون اللاجئين للتغطية على فسادهم، وعودة المهجرين ستحرم هؤلاء من الفائدة المادية والسياسية"، وهي النقطة البالغة الأهمية ليس للاتهام الذي وجهه الأسد للدول الحاضنة للاجئين والمنظمات الراعية لهم، بل لنقطة أن هذا الملف يتضمن ملفات أخرى سياسية واقتصادية، فالنظام أحوج ما يكون هذه الأيام لتجريد "خصومه" من هذه الملفات وحيازتها لنفسه، فامتلاكه لملف "اللاجئين العائدين" وفي ظل الظروف الإنسانية والاقتصادية الصعبة داخل سوريا، يعني أن النظام سيمتلك ورقة دعم المنظمات الدولية للملف الإنساني داخل سوريا، ولتصل هذه المنظمات إلى المحتاجين لابد لها من المرور بمؤسسات النظام السياسية والأمنية والمالية، ما يعيد للنظام شيئًا من الاعتراف الدولي به، ويمنحه مساحة جديدة للفساد المالي.

ما يعزز أهمية هذا الملف على المستوى السياسي، هي تصريحات بعض الأحزاب والمسؤولين اللبنانيين الذين أعلنوا رفضهم لمحاولات تسييس قضية إعادة اللاجئين من قبل النظام وحليفه "حزب الله"، حيث نُقل عن وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان، ريشار قيومجيان، أن "تمرير التطبيع من خلال ملف النازحين أمر لا نقبل به"، وأضاف: "النظام السوري لا يريد عودتهم وإذا كانوا يريدون ذلك فليبدؤوا بخطواتهم"، في إشارة إلى أن دعوات إعادة اللاجئين لا تترافق مع خطوات ملموسة على الأرض من أجل التأكيد أن هذه العودة ستكون آمنة على مختلف الأصعدة.

لا منازل، لا عمل..

إن استثنينا الحديث عن التجنيد القسري والاعتقالات التعسفية التي يمارسها النظام ضد اللاجئين العائدين، فدعوات النظام لهم بالعودة لم تترافق مع مشاريع إنسانية واقتصادية، فالدعم الذي يقدمه يقتصر على بضعة أمتار داخل معابره الحدودية وأمام عدسات الكاميرات فقط، من خلال تقديم الرعاية الصحية وبعض وجبات الطعام وحافلات النقل، ليُنقل اللاجئون بعدها إلى مدنهم وبلداتهم ويُتركوا للمجهول، لا منازل، لا عمل، لا مساعدات غذائية، لا دعم اقتصادي.

إذًا، نستطيع القول في المشهد العام، إن النظام صادق فعلًا في دعوات إعادة اللاجئين، فالمكاسب التي سيحققها وسيجرد "خصومه" منها كبيرة، فهو نزع عن الملف صفته إنسانيته وبات ينظر إليه باعتباره سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، النظام صادق في إعادة اللاجئين لكنه بالتأكيد ليس مرحبًا بهم.