icon
التغطية الحية

هكذا يبدو واقع ريف حمص الشمالي بعد عامٍ من التهجير

2019.05.16 | 15:05 دمشق

مهجّرون من ريف حمص الشمالي يستعدون للمغادرة، 26 من أيار 2018 (تلفزيون سوريا)
هاني العبد الله - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

بعد مضي عام كامل على سيطرة الأسد على كامل ريف حمص الشمالي عقب اتفاق التهجير، ما يزال الأهالي يعانون واقعاً مزرياً، في ظل سوء الخدمات والتضييق الأمني من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، الذي لم يلتزم ببنود الاتفاق الموقّع مع سكان الريف الحمصي بضمانة روسية.

وبدأ الإعلام الموالي عقب سيطرة قوات النظام على كامل ريف حمص الشمالي، بالترويج لعودة الخدمات إلى المنطقة، في وقتٍ دعت فيه روسيا المهجّرين للعودة إلى بيوتهم مع ضمانات بعد تعرضهم للاعتقال، إلا أن السكان ظلوا مستائين من سوء الوضع الخدمي والأمني، بينما تخوّف كثيرٌ من المهجّرين من العودة.

 

خدمات غائبة والأهالي: "في أيام الحصار كان الوضع أحسن"

قال الناشط الإعلامي يعرب الدالي: "منذ دخول النظام إلى ريف حمص الشمالي، اجتمع الروس مع الأهالي وأخبروهم أن الدولة عاجزة عن تأمين الخدمات بشكل كامل، ويجب أن يكون هناك تعاون بين الجميع، وعلى هذا الأساس بدأ الأهالي بالاعتماد على أنفسهم، حيث قاموا بعمل حملة لمد أسلاك كهربائية عشوائية، بينما اكتفى النظام بتركيب الخزانات وتغذيتها بالكهرباء".

وأشار الدالي لموقع تلفزيون سوريا إلى أن "شبكات الكهرباء ما تزال عشوائية وتعمل حالياً ثلاث ساعات وأحياناً تصل إلى ست ساعات، وفي أغلب الأحيان يكون التيار الكهربائي ضعيفاً، ما يعني أن وضع الكهرباء لم يتحسن مقارنةً بما كان عليه قبل دخول النظام إلى المنطقة، حيث كان يتم تأمين الكهرباء سابقاً من معمل الإسمنت وفق اتفاقيات مع الأسد".

وأضاف الدالي أن "البريد ما يزال مدمراً وليس هناك اتصالات، كما أن شبكات الصرف الصحي تعاني من الدمار والضرر، في حين يقوم النظام بضخ المياه بمعدل مرة أو مرتين في الأسبوع، لكن هناك أحياء لا تصلها المياه، وكانت المنظمات سابقاً تتولى تأمين المياه لها، ومع توقف عمل تلك المنظمات يتولى الأهالي اليوم بجهودٍ فردية تأمين المياه من أقرب نقطة لهم عبر الآبار الموجودة هناك".

بدوره قال الناشط الإعلامي مهند البكور من مهجري ريف حمص لموقع تلفزيون سوريا: إن "وضع الخدمات كان جيداً نوعاً ما خلال الأشهر الستة الأولى من دخول الشرطة الروسية والنظام إلى المنطقة، فالكهرباء كانت تأتي في أغلب الأحيان 24 ساعة دون تقنين، حيث كانت موسكو حريصةً على تقديم كل الخدمات للسكان لتظهر أنها حمامة سلامة ومهتمة بواقع السوريين وتدفع المهجرين والنازحين للعودة".

وأضاف البكور "ساءت الخدمات كثيراً في ريف حمص الشمالي وخاصةً في منطقة الحولة بعد ستة أشهر من اتفاق التسوية، كما ارتفعت أسعار المواد الأساسية، ومنها الغاز حيث ارتفع سعر الأسطوانة من 4000 حتى 8500 ليرة سورية، والبنزين 1200 ليرة للتر الواحد، كما أصبحت مادة الخبز تُوزع لثلاثة أيام فقط، بينما أصبحت الكهرباء تأتي لـ 3 ساعات فقط يومياً، وهو ما شكّل عبئا كبيرا على السكان الذين يعانون من انخفاض مستوى الدخل".

سوء الواقع الخدمي يشمل كذلك القطاع الطبي. قال أحد سكان الرستن فضّل عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية: "خلال أيام الحصار كان الوضع أفضل، فكنا نحصل على علاج مجاني من خلال المشافي التي كانت تتولى المنظمات الإغاثية دعمها، وبعد دخول النظام قام بإغلاق تلك المشافي التي كانت تحوي كادراً طبياً يضم كل الاختصاصات تقريباً، وحلّت مكانها المشافي الخاصة ومستوصفات يديرها ممرضون".

وأضاف "السكان يعيشون واقعاً سيئاً للغاية، فالخدمات شبه غائبة، والأسعار مرتفعة ولا فرص عمل، كما أني فقدت محلي في سوق الهال الرئيسي في الرستن بسبب القصف، وما يزال السوق مدمراً ولم يتم تأهيله، ما سبّب أزمة اقتصادية للسكان، كون هذا السوق يعتبر عصب التجارة في عموم ريف حمص الشمالي".

غياب المشافي والأدوية المجانية أرهق كاهل الأهالي، فعلى سبيل المثال أصبحت الولادة تكلّف 75 ألف ليرة سورية، وعملية استئصال الزائدة 150 ألف ليرة، بينما كانت كل تلك العمليات الجراحية والأدوية والمعاينات الطبية مجاناً بما في ذلك حليب الأطفال، الذي أصبح سعر العلبة الواحدة منه اليوم 7 آلاف ليرة.

أم أحمد من سكان الحولة تشكو كذلك من سوء واقع السكان قائلةً: "رغم القصف والحصار سابقاً إلا أن الواقع المعيشي والخدمي كان أفضل، فقدت زوجي في إحدى عمليات القصف قبل ثلاث سنوات، وقامت إحدى المنظمات بكفالة أطفالي الأيتام، وكنت أتقاضى مبلغ 200دولار شهرياً، كان يساعدني كثيراً في تأمين المستلزمات المعيشية لأطفالي، وبعد دخول النظام توقفت كفالات الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والمساعدات الإغاثية، وأعيش حالياً على التبرعات من أهل الخير".

سكان ريف حمص عانوا حتى مع دخول شهر رمضان، فإلى جانب ارتفاع الأسعار الكبير، افتقد الأهالي للمنظمات والهيئات التي كانت تقدم وجبات وسللا إغاثية، إضافةً إلى غياب الأجواء الرمضانية المرتبطة بمشاريع الإفطار الجماعي، التي كانت تقام طيلة أيام الشهر الفضيل، ومنها مشروع "إفطار صائم".

 

الدمار ما زال حاضراً

تعرضت مدن وبلدات ريف حمص الشمالي طوال فترة الحصار الذي فرضه النظام، لقصفٍ بالطيران والمدفعية ما تسبّب في تعرض كثير من المنازل والمنشآت لدمارٍ كلي أو جزئي، وانتشار الأنقاض في الطرقات.

وقال يعرب الدالي: "الدمار والأنقاض ما يزال منتشراً في كثيرٍ من مدن وبلدات الريف الحمصي، فالسوق الرئيسي في الرستن أو المعروف بسوق الكراج ما زال مدمراً والمحلات مغلقة"، مشيراً إلى أن "بلدية النظام قامت بإزالة الركام من الشوارع الرئيسية لتسهيل تنقّل ميليشياتها، كما أن البلدية أعلمت السكان أن من يود فتح محله سيتم إزالة الأنقاض له بشكل جزئي من أمام المحل، وليس ترحيل الأنقاض من كامل المنطقة مقابل مبلغ من المال".

بدوره قال مهند البكور: إن "حكومة الأسد لم تقدم أي تعويض للأهالي الذين تضررت منازلهم بفعل القصف، ولم يتم ترميمها من قبل بلدية النظام، بل قام السكان بترميم ما تيسّر لهم من منازلهم، اضافةً إلى دفعهم مبالغ لبعض عمال البلدية كي يقوموا بإزالة الأنقاض والركام من أمام منازلهم ومحلاتهم".

 

اتفاق على الورق

ولا تقتصر معاناة السكان على سوء الواقع الخدمي، بل عانوا كذلك من التضييق الأمني والاعتقالات من ميليشيات النظام، الذي تعمّد خرق "اتفاق التسوية" الذي كان أبرز بنوده تهجير المدنيين والفصائل المقاتلة الرافضة للاتفاق إلى الشمال المحرر، وبقاء من يود إجراء "تسوية" إلى جانب “جيش التوحيد” بقيادة منهل الصلوح، الذي كان عرّاباً للاتفاق مع النظام بالتنسيق مع “تيار الغد” الذي يترأسه أحمد الجربا.

وأفاد مهند البكور أن "الشرطة العسكرية الروسية أعطت جيش التوحيد السلطة وجعلته يدها اليمين في ريف حمص الشمالي، كونه من ساهم بتسليم الريف للنظام، رغم أنه كان من أقوى فصائل المعارضة سابقاً في المنطقة، وحالياً يتم تجهيز حملة لاجتثاث الميليشيات الشيعية من ريف حمص الشمالي عبر جيش التوحيد بدعم روسي".

وحول الواقع الأمني قال أنس الحمصي (اسم مستعار) من سكان تلبيسة: "خلال وجود الروس في المنطقة كان هناك اعتقالات على نطاق ضيّق وضمن المناطق النائية، وفي بعض الأحيان كان الأهالي يقومون بالشكوى للروس الذين يتدخلون ويوقفون تلك الاعتقالات، وبعد ستة أشهر من الاتفاق وخروج الروس من الريف الشمالي وبقاء أجهزة النظام، أصبحت الاعتقالات على نطاقٍ واسعٍ وطالت نساء وشبانا وضباطا منشقين، ومنهم من تمت تصفيته تحت التعذيب، كالنقيب المنشق إبراهيم عبيد".

وأضاف أنس أن "هناك حواجز للمخابرات الجوية والأمن العسكري على مداخل المدن فقط وعلى الطرقات الرئيسية، حيث يوجد حاجز للمخابرات الجوية عند أتوستراد حمص-حماه وعند جسر تلبيسة وفي منطقة الرستن من جهة حماه، حيث تقوم تلك الحواجز بطلب الهويات واعتقال المطلوبين أو من لديهم شبهات، ولكن يتم الاعتقال بواجهة جنائية، أي يقولون لمن يتم اعتقاله أن عليه دعوى جنائية مثل تراكمات فواتير أو ضرائب، وبعد ذلك يتم تحويله إلى الأفرع الأمنية".

ولم يكتفِ النظام بحملة الاعتقالات، بل سعى أيضاً إلى إجبار الشباب على التوجه للخدمة العسكرية، رغم أن من بنود الاتفاق الموقّع، ضمان عدم سَوق الشباب إلى الخدمة الإلزامية، لكن الأسد عمد إلى الالتفاف على الاتفاق، وطالب أي شاب يود استخراج ورقة رسمية أو التقدم لفرصة عمل، بإبراز بيان وضع من شعبة تجنيده تثبت عدم تخلّفه عن السَوّق أو أنه غير مطلوب للخدمة الاحتياطية.

وفيما يخص المهجّرين في الشمال السوري، الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم أوضح يعرب الدالي، أن "من يرغب بالعودة عليه أن يحصل على كفالة من أحد الشبيحة إضافةً إلى عمل تسوية، وبعد فترة يتم طلبه من قبل المخابرات الجوية للتحقيق معه"، مشيراً إلى أن "هناك الكثير من المهجّرين الذين عادوا تعرضوا للاعتقال أو الابتزاز المادي مقابل التغاضي عنهم".

يذكر أن النظام سيطر على كامل ريف حمص الشمالي في السادس عشر من أيار العام الماضي، بعد انتهاء خروج تسع دفعات من المهجّرين إلى الشمال المحرر والذين وصل عددهم إلى 36150 مدنياً ومقاتلاً، بينما فضّل باقي السكان إبرام "تسوية" والبقاء ضمن بلداتهم.

كلمات مفتاحية