هدوء صوت المعارك قد يفجر التحالف الروسي – الإيراني بـ سوريا 

2018.08.24 | 09:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كثيراً ما تنتهي عمليات السطو المسلح والسرقة التي تنفذها عصابة مؤلفة من مجموعة أشخاص بخلافات وتصفيات بينية في مرحلة "تقاسم المسروقات"، رغم أن  الوئام والتنسيق والتكاتف كان يسود بينهم، بل قد يدفع أحد أعضاء العصابة حياته ثمناً للدفاع عن باقي المجموعة في حال تعرضت لخطر خلال العملية.

وفي الحالة السورية يبدو وبحسب المعطيات السياسية والميدانية أن كلا من روسيا وإيران ينتقلون تدريجياً من مرحلة "التكامل والتنسيق" إلى مرحلة "الخلاف والشقاق" بسبب اقتسام الغنائم.

ليس من المصادفة أن تتزامن عملية طرد الشرطة الروسية للميليشيات المدعومة إيرانياً من المعابر التي تسيطر عليها في محافظة دير الزور والواقعة بمحاذاة العراق، والتسابق على تجنيد الشبان السوريين في "الفيلق الخامس" المدعوم روسياً جنوب سوريا، بنفس التوقيت الذي نقلت فيه وكالة رويترز عن مسؤول في البيت الأبيض تأكيدات أن كلا من "ترامب" و"بوتين" اتفقا بشكل مبدئي على إخراج إيران من سوريا، واللافت أن روسيا لم تنف تلك التصريحات كما أن إيران التزمت الصمت حيالها مما يعزز فرضية صحتها.

"الشاه بهلوي": لو كان الأمر بيدي لما قبلت بروسيا كـ جارة

عند طرح فكرة تعمق الخلافات بين روسيا وإيران لا يجب النظر إلى الأمر في لحظته الحالية بمعزل عن السياق التاريخي الحافل بالتنافس والصراع بين الطرفين، خاصة عندما كانت روسيا في طور "الامبراطوريات" كما يحصل حالياً حيث يسعى "بوتين" لاسترداد تلك الأمجاد بعد فترة انكفاء داخلي، وقد عبر "الشاه بهلوي" عن عمق العداء بين الطرفين سابقاً بقوله: "لو كان الأمر بيدي لما قبلت بروسيا كـ جارة"، ولا يجب إغفال أن الشعار الذي قامت عليه "الثورة الإيرانية" عام 1979 هو :" إيران لا شرقية ولا غربية" الداعي إلى عدم الانخراط في تحالف مع المعسكرين الغربي الذي تمثله الولايات المتحدة ولا الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، يضاف إلى هذا كله التنافس والصراع على مكامن الطاقة وبالأخص حول ثروات بحر قزوين. 

وعلى الرغم من توقيع تفاهم بين دول حوض بحر قزوين من أجل تحديد توصيفه القانوني، فإنه على ما يبدو جاء هذا التفاهم على حساب المصالح الإيرانية التي كانت رافضة توصيف "قزوين" على أنه بحر وإنما بحيرة بهدف تحقيق أكبر استفادة من ثرواته، ولطالما تحركت روسيا بسياستها الخارجية بحذر حيال اختراق النفوذ الإيراني للدول التي تشكل بعداً جيو - استراتيجياً لموسكو التي كانت في يوم من الأيام جزءاً من الاتحاد السوفياتي.

وفيما يخص سوريا ثمة خلافُ مصالح بين موسكو وطهران وتباين بالاستراتيجيات المتبعة منذ اللحظة الأولى، فقد عملت طهران على إضعاف النظام المركزي بدمشق و"أجهزة الدولة" على غرار العراق ولبنان بهدف تأسيس ميليشيات طائفية مرتبطة بها تؤمن لها الوصول من طهران إلى سواحل البحر المتوسط مروراً بالعراق والمناطق الشرقية لسوريا، مما يحقق لها وصولاً سلساً للغاز والنفط الإيراني إلى الدول الأوروبية الباحثة عن مصادر تمويل طاقة تكسر بها الاحتكار والهيمنة الروسية. 

وعلى النقيض من ذلك فإن كل تحركات موسكو منذ تدخلها العسكري المباشر بسوريا أواخر عام 2015 تدل على رغبتها في إعادة ترميم "السلطة المركزية" و "المؤسسة العسكرية النظامية" التابعة لها وإبعاد شبح السقوط عنها، لأنها تريد تثبيت نفوذها في المنطقة و"المياه الدافئة" التي طالما حلمت بالوصول لها، ولكن بشكل قانوني وبموجب اتفاقيات تحوز على اعتراف دولي كما حصل في إنشاء قاعدة حميميم الجوية بموافقة "السلطة الحاكمة" واتفاقية ميناء طرطوس التي من المفترض أن تمتد إلى 99 عاماً.

تجسد التسابق على تحصيل المكاسب في سوريا بين طهران وموسكو في مجالات شتى

لقد تجسد التسابق على تحصيل المكاسب في سوريا بين طهران وموسكو في مجالات شتى كالصراع على مناجم الفوسفات وكان أبرز فصوله وأكثره وضوحاً استيلاء "قوات النمر" بقيادة "سهيل الحسن" بالقوة على "مناجم الشرقية" للفوسفات بريف حمص، وإخراج الميليشيات الإيرانية منها شهر آذار عام 2018، كما أبرمت شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية اتفاقيات مع وزارة النفط التابعة للنظام السوري تخولها احتكار استخراج "الفوسفات" في سوريا مما يفهم منه ضمناً إلغاء الاتفاقيات التي أبرمتها طهران مع رئيس وزراء النظام "عماد خميس" عندما زار الأخير طهران عام 2017 ووقع شراكات لاستثمار المناجم، وعلى إثر ذلك شنت الصحف الإيرانية سواء المقربة من الرئيس حسن روحاني أو المرشد الأعلى علي خامنئي هجوماً على كل من "بوتين" و "بشار الأسد"، تطور بعضها إلى وصفهم بـ "الغدر" و "الخيانة" ومحاولة إخراج إيران من ملف "إعادة الإعمار".

تحاول اليوم روسيا أن تقدم نفسها بالمشهد السوري كراع ٍ للحل السياسي وضامن لمصالح مختلف الأطراف الدولية، فهي تدرك أنها تحتاج إلى تفاهمات مع إسرائيل من أجل ترتبيب منطقة الجنوب السوري وكذلك استثمار حقول الغاز في منطقة شرق المتوسط، وفي الوقت ذاته تحتاج إلى أن ترفع الولايات المتحدة "الفيتو" الذي وضعته على "إعادة الإعمار" بسوريا، والذي من دونه لن تتمكن موسكو من التحول إلى مرحلة الاستثمار لجني المكاسب بعد كل هذه التكاليف التي دفعتها، وبطبيعة الحال فإن موسكو أيضاً مطالبة بضمان المصالح الخليجية المتمثلة بالحد من النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط، كما يبحث الروس عن تقوية علاقاتهم مع تركيا لضمان تسوية ملف الشمال السوري ولأهداف أخرى أبعد من سوريا متعلقة بإحداث توازن مع "حلف الناتو" والوصول إلى حدوده رداً على تمدده إلى "دول الطوق" المتاخمة لروسيا.

إن كل هذه المعادلات تفرض اليوم على روسيا إيجاد شركاء في التسوية السياسية التي تحفظ مصالحها من خلالها، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقة مع "شركاء الحرب"، خاصة أن جميع الأطراف الدولية باتت ترى في خروج إيران وميليشياتها من سوريا مصلحة لها، لا بل شرطاً أساسياً للإقرار بالنفوذ والمصالح الروسية، مما قد يعجل بتفجير التحالف بين المعسكر الداعم للنظام السوري.