icon
التغطية الحية

هجوم نيوزيلندا كان متوقعاً.. ما دور روسيا؟

2019.03.21 | 13:03 دمشق

شرطية تحرس مراسم دفن أحد ضحايا الهجوم الإرهابي في نيوزيلاندا (رويترز)
عمر الخطيب - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

في كثير من الأحيان يكون ادعاء الصدمة والدهشة الخط الدفاعي الأول الذي يتم استخدامه للتنصل من الجريمة، وهذا ما حدث مع الهجوم الإرهابي الذي قام به أحد متطرفي اليمين الأستراليين في نيوزيلندا يوم الجمعة الماضي ضد المصلين في مسجدين بمدينة "كرايستشرش"، هذه الصدمة المصطنعة التي تفقد كل مصداقية أمام وصول قيادات يمينية شعبوية إلى مراكز متقدمة في الحكومات مع محافظتها على ترديد كلامها ومواقفها العنصرية، ومع قبول الإعلام الغربي بفرد ساعات بث لرموز هذا التيار المتطرف على الشاشات.

واذا كان مفهوماً توجه العالم إلى إدانة الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا والحديث عن خطر الفكر العنصري في أوروبا وأمريكا من قبل السياسيين والقادة الغربيين، فمن غير المفهوم الحديث عن ذلك وكأنه تم اكتشافه للتو، متجاهلين كل تلك التقارير والتحقيقات التي تحدثت عن خطورة هذا التيار وتوقعت هذا اليوم، فهذا الهجوم لم يأت من فراغ وليس فريداً، حيث سبقه الكثير من الإشارات التحذيرية، فاعتداءات اليمين المتطرف لم تتوقف ولغته العنصرية أصبحت منذ عدة سنوات مقبولة ومتداولة في وسائل الإعلام وعلى لسان السياسيين، والأخطر هو وجود عدة جماعات يمينية مليشياوية شبه عسكرية لا تخفي خططها ونواياها.

الهجوم الثاني كان في العالم الافتراضي

من خلال متابعة أحداث الهجوم على المسجدين ونشاط منفذه على شبكات التواصل الاجتماعي، يبدو واضحاً أننا أمام عملية تم التخطيط لها بدقة، وأريد لها أن تكون أكثر بكثير من هجوم ارهابي عابر، كما كان واضحاً أن منفذ المذبحة أتم تدريبه وحسب خطواته، فأين تعلم كل ذلك؟ وما مسؤولية الكرملين والقيادات اليمينية الغربية؟

حين اعتقد الجميع مع إعلان السلطات النيوزلندية عن سيطرتها على الوضع ومصادرة عدة أسلحة نارية وتفكيك بعض العبوات أن الهجمة الارهابية انتهت، تبين أن الهجوم مازال مستمراً لكن في العالم الافتراضي هذه المرة، فمنفذ الهجوم لم يقم فقط ببث هجومه على موقع فيس بوك، بل قام، قبيل تنفيذه هجومه الإرهابي، بنشر عدة روابط على حسابه بتويتر لبيان كتبه من 74 صفحة، ضمنه خلاصة أفكاره والرسائل التي يريد إيصالها.

 

 

واستوقف الكثير من المحللين تأكيد البيان على عدة معارك وأحداث تاريخية لها علاقة بمنطقة البلقان في أوروبا لاسيما معركة "شيبكا" 1877، التي جرت في بلغاريا بين الجيشين العثماني والروسي، وبحسب الصحفي "رسلان طراد" فهذه الوقائع التاريخية يتم استخدامها بشكل واسع من قبل جماعات اليمين الأوروبي المتطرف المرتبطة بموسكو، وعادة ما يقوم عناصرها بزيارات للأماكن التي شهدت معارك تاريخية مع السلطنة العثمانية، وهذا ما قام به منفذ الهجوم بحسب بيانه وما صدر من تحقيقات.

جماعة شيبكا

أصبح من المعروف دعم روسيا لأحزاب اليمين المتطرف ودعمها للدعوات الشعبوية بتفكيك الاتحاد الأوروبي ومحاربة الفكر الليبرالي والقيم العلمانية، وبحسب المراقبين يعتبر اليمين المتطرف سلاح روسيا الأمضى والأكثر خطراً على أوروبا وأمريكا، فأحزاب اليمين التي نشطت في أوروبا الشرقية، لأسباب واضحة، بدأ نفوذها بالازدياد في أوروبا الغربية مع الأزمة المالية 2008 التي عصفت في العالم، ليصل ذروته في السنوات الأخيرة.

يتحدث تقرير لموقع "NBC NEWS"، وفق ترجمة موقع ساسة بوست آذار 2017، عن منظمة شبه مسلحة لليمين المتطرف في بلغاريا تحمل اسم "جماعة شيبكا" تقوم باعتراض اللاجئين إلى بلغاريا والاعتداء عليهم وبحسب التقرير فالجماعة مسلحة بالفؤوس والحراب، وتنتشر على الحدود التركية البلغارية لمطاردة المهاجرين، وينقل التقرير عن قائد جماعة شيبكا "فلاديمير روسيف" إنه شارك في معارك الشيشان كـ"متطوع" إلى جانب الروس وبنفس الوقت فهو معجب بترامب، ويعتقد أن المخابرات الأمريكية والقادة الأوروبيين يحاولون ثنيه، أي ترامب، عن مشروعه الصلب في وجه الهجرة، والمثير في عناصر الجماعة قولهم إنهم يعتقدون أن الهجرة تشكل خطراً لا على هوية بلغاريا فقط بل على أوروبا كلها، بكلمات تطابق ما قاله منفذ مذبحة المسجدين.

اليمين المتطرف برعاية روسية

في حزيران 2016 شهدت مدينة مرسيليا الفرنسية مواجهات دامية بين المشجعين الروس والبريطانيين أثناء بطولة يورو 2016، وكانت هجمات "المشاغبين" الروس منظمة بشكل كبير ورافقها تصعيد على شبكات التواصل الاجتماعي، عدا عن الزي الموحد لهؤلاء الأشخاص وحركاتهم القتالية المتناسقة مما يدل على تلقيهم تدريباً عالياً، وهذا ما رأت فيه صحيفة الجارديان آنذاك دليلاً على أن هؤلاء ينتمون للجهاز العسكري الروسي، المواجهات آنذاك أدت لوقوع إصابات متعددة وخطيرة، وتم ترحيل رئيس ما تسمى "رابطة المشجعين الروس" الكسندر شبريغن، الذي اعتقل أثناء المواجهات، ونسبت إليه الجارديان القول بأن رابطة المشجعين الروس تم تأسيسها بالتعاون مع  FSB جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، كما نشرت الصحيفة صورة له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 

 

ووجه موقع "the atlantic" تحذيراً واضحاً في دراسة، صدرت في آب العام الماضي، عن نشاط روسيا لاستخدام نوادي القتال وجمعيات المشجعين مثيري الشغب من النازيين الجدد وعصابات الدراجات النارية، كأدوات لزيادة نفوذ الكرملين في الدول الغربية ولإثارة المشاكل والاضطرابات عندما تقتضي الضرورة.

وفي أيار عام 2017 جالت مجموعة روسية من راكبي الموتورات بأوشمتهم الغريبة حاملين أعلاماً حمراء عليها شعار الاتحاد السوفييتي، صورة المطرقة والمنجل، في شوارع بودابست برومانيا متجهين إلى نصب تذكاري للحرب العالمية الثانية والمثير كان مشاركة هؤلاء لموظفي السفارة الروسية في وضع أكاليل الورود.

كما استخدمت روسيا عناصر من جماعة يمينية متطرفة شبه عسكرية Slovak Conscripts كمرتزقة في حربها على أوكرانيا حيث تم تدريبها على يد القوات الروسية الخاصة في غابات سلوفاكيا، ويتحدث التقرير عن نشاط مخابراتي روسي بارز في التواصل مع كل أولئك الشبان "الغاضبين" كما يسميهم في دول أوروبا وأمريكا وليس فقط في صربيا والجبل الأسود، وبقدر ما يبدو ذلك غريباً ومستهجناً إلا أن السيطرة والتلاعب الروسي بجماعات اليمين المتطرف تبدو مذهلة وغير قابلة للتصديق، لا سيما أن الأفكار التي يتم تصديرها لهؤلاء تقوم على العداء للمهاجرين والليبرالية والقيم الديمقراطية والدعوة إلى إحياء العقائد النازية ونظرية تفوق العرق الأبيض.

كيف تصرف الغرب ؟

لعل ما سبق ذكره عن نشاط روسيا بين هذه الجماعات يبدو مرعباً ولكن الأشد رعباً منه كان تصرف الطبقة السياسية الغربية مع صعود اليمين المتطرف، فهم لم يكتفو بالاستخفاف به بل قامت أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط بتغيير خطابها ليأتي متناسباً نوعاً ما مع الخطاب المتطرف، حرصاً على شعبية هذه الأحزاب.

وهكذا تسللت أفكار متطرفة "لايت" إلى معظم الأحزاب الأوروبية، ومن جهة أخرى أصبح عادياً في الفترة الأخيرة رؤية وسماع نواب وسياسيين متطرفين على وسائل الإعلام الغربية يطرحون آراءهم الشعبوية بكل راحة ودون مقاطعة، ويبقى وصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة أهم انجاز لهذا التيار، وهو أي اليمين المتطرف لم يخف احتفاءه بذلك، وخرجت جماعة "كو كلوكس كلان" ذات التاريخ الأسود لتعلن دعمها لترامب الذي رفض دعم هذه الجماعة بطبيعة الحال.

هل يبدو غريباً حقاً؟

هل يبدو غريباً حقاً رؤية تورط روسي مباشر أو غير مباشر فيما يجري في أوروبا من انتشار للعنف ضد المهاجرين، وتحول بعض جماعات اليمين المتطرف إلى تهديد عسكري حقيقي، ومن المعروف أن اليمين تقليديا معاد لروسيا ولماضيها السوفييتي؟ وهل واجهت أوروبا هذا التهديد الجديد بشكل جدي حقاً؟.

يمكن الإجابة عن هذا السؤال عبر طرحه مع تغيير الأسماء فهل كان غريباً حقاً ما كشفته عدة تقارير استخباراتية عن دعم وتوجيه إيراني لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية؟ ألم توجه محكمة أمريكية اتهاماً لإيران بتقديم دعم مالي لمنفذي هجمات أيلول 2001 الإرهابية على برجي نيويورك؟ وتم توجيه اتهامات لنظام الأسد بالمسؤولية عن هجوم الزرقاوي على ثلاثة فنادق في عمان بالأردن عام 2005؟

في عالم أصابته حمى التطرف وحب الديكتاتوريات وتفضيلها على الديمقراطية، وضاعت الحدود الأخلاقية بين متاهات الاحتيال الإعلامي والتزوير الفج للحقائق، لا يبدو غريباً أو مستهجناً على الإطلاق أن نرى ونشهد على مثل هذه الجرائم، مع ما يرافقها من تمويه للحقائق وتلاعب على مشاعر الخوف والغضب عند الناس.

كلمات مفتاحية