نهايةُ عُشِّ الدبابير

2018.09.23 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

شبَّه أحد الأصدقاء تواجد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) في محافظة إدلب، والأرياف المجاورة لها من اللاذقية وحماه وحلب، بــ (عُشِّ الدبابير)، العشّ الذي يصير مع مرور الوقت مصدر أذى لما يجاوره، من الدبابير التي صنعته.

وعلى ذمة صديقنا، إن أفضل طريقة للتخلص من هذه الدبابير وعُشها، هو تسليط الدخان عليها لخنقها، وطردها بعيداً عن هنا، والدخان في حالة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بوصفها عُشّاً للدبابير في إدلب، هو المظاهرات، المظاهرات الشعبية الحاشدة للأهالي في إدلب، وحدها كفيلة بطرد دبابير النصرة، وإنهائها كذريعة لتدخل الروس وقوات النظام، في إبادة المدنيين في الشمال السوري.

بدأت المظاهرات منذ جمعتين، ونحن الآن على مشارف الجمعة الثالثة، ولم تهدأ ولن تهدأ، من جمعة (خيارنا المقاومة) إلى جمعة (لا بديل عن إسقاط الأسد)، بينما يتم التحضير الآن للجمعة الجديدة، من قبل الأهالي والمدنيين والمعارضين، الذين تم نفيهم وتجميعهم في إدلب، من قبل النظام خلال سنوات الحرب السورية.

عشرات الشعارات الوطنية التي رُفعت في هذه المظاهرات، والتي شاهدها العالم كله، مع غياب لشعارات هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) غياباً تاماً، وأيضاً، مع غياب لراياتها السوداء عن ساحات عشرات وعشرات النقاط للمتظاهرين.

عشرات الشعارات الوطنية التي رُفعت في هذه المظاهرات، والتي شاهدها العالم كله، مع غياب لشعارات هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) غياباً تاماً، وأيضاً، مع غياب لراياتها السوداء عن ساحات عشرات وعشرات النقاط للمتظاهرين، وفق تغطية الإعلام المحلي، والإعلام الغربي الذي دخل مؤخراً إلى إدلب ليغطي المعركة المرتقبة، المعركة التي تم إجهاضها، على الأقل في الفترة المقبلة.

لعله من أهم الشعارات التي رفعها المتظاهرون في نقاط التظاهر، كان شعار (إدلب: سوريا الصغرى لتحرير سوريا الكبرى) ويُقال (على ذمة الكثير من المتظاهرين المدنيين) إن أهالي حوران، والغوطة، وحمص، وآخرين من مناطق سورية أخرى، مع الأدالبة، لعبوا دوراً مهماً في تنظيم هذه المظاهرات الحاشدة الرافضة لعودة النظام، حرباً أو سلماً.

في الوقت الذي بدأ فيه السوريون توديع ثورتهم بأسى، وغروب شمسها، وهم يتابعون تحضيرات النظام لمعركة إدلب، خرجت إدلب بمزيجها السوري، من المنفيين إليها من المدن والأرياف السورية، لتعيد الثورة السورية إلى حكايتها الأولى، إلى زمنها الجميل، إلى حراكها السلمي السابق، الذي تميز بمطالب الحرية والمواطنة والكرامة، بعيداً عن الطائفية، قبل أن ينجح النظام وحلفاؤه بحرف هذا الحراك، من خلال القتل والبطش والعنف، وتحويله إلى حراك مسلح بنكهة طائفية.

حراك مسلح تزعمته فصائل متطرفة، لا أحد استفاد منها سوى النظام السوري.

فصائل متطرفة مخترقة أمنياً، من مخابرات النظام ومخابرات لدول أخرى، لتنفيذ أجندات تصب بمصلحة هذه القوى، لا بمصلحة السوريين المنتفضين.

في الأيام الأخيرة استطاعت الدبلوماسية التركية (بعد لقاءات واتصالات واجتماعات كثيرة) أن تلوي ذراع الدبلوماسية الروسية.

وبهذا تعرضت الدبلوماسية الروسية لأول هزيمة سياسية لها خلال سنوات الحرب في سوريا، هزيمة سياسية رافقها إسقاط النظام السوري لطائرة روسية بمضاداته الدفاعية، عن طريق الخطأ (نيران صديقة) على ساحل اللاذقية، ومقتل كل ضباطها، صفعتان في الوقت ذاته على الوجه الروسي.

راهن النظام السوري على الدبلوماسية الروسية، وكان على قناعة أنها لن تخذله أمام الدبلوماسية التركية، وأن معركة إدلب قاب قوسين أو أدنى، ناسياً أن العلاقات الروسية التركية (على الصعيد التجاري والسياسي..الخ) تهم روسيا أكثر من علاقتها مع النظام، لأسباب كثيرة.

ضغط المظاهرات التي جددت الثورة، وعدم رغبة روسيا أن تخسر تركيا، هو ما لجم النظام ولو مؤقتاً عن استباحة إدلب، إدلب التي شاءت الظروف، والمتغيرات الدولية، ومظاهراتها أيضاً، ألّا تكون الغوطة أو درعا، على سلم الإبادة الأسدية.

روسيا مع النظام، و جهات دولية، أعادوا حساباتهم بخصوص إدلب، فهي المكان الأخير للمعارضة، و معركتها سوف تكون بغاية الصعوبة، ودمويتها سوف تكون أضعاف دموية معارك حلب والغوطة ودرعا، لسبب مهم، هو أن المدنيين هنا لن يكون لديهم خيار آخر، سوى القتال، لا مكان آخر يمكن أن يُهَجروا إليه بعد إدلب، وهذا ما سوف يدفعهم إلى القتال حتى النهاية، قتال لا تراجع فيه لخصوصية إدلب، ولا مصالحات يمكن أن توقفه، فالمصالحات كما أثبتت التجارب السابقة في مناطق أخرى، هي عبارة عن الذهاب إلى الإعدام شنقاً في استسلام وبهدوء ودونما ضجيج أو مقاومة، كقدرٍ نهائي لهذا الثائر في جهته الأخيرة.

هذه المظاهرات مع مرور الوقت، ورغم الظروف السلبية، سوف تفرز كعادتها القديمة، مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية وحتى أمنية، من خلالها ينظم الناس حياتهم في إدلب (قدر المستطاع) بعيداً عن متطرفي هيئة تحرير الشام.

هذه المظاهرات مع مرور الوقت، ورغم الظروف السلبية، سوف تفرز كعادتها القديمة، مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية وحتى أمنية، من خلالها ينظم الناس حياتهم في إدلب (قدر المستطاع) بعيداً عن متطرفي هيئة تحرير الشام، بعد أن حشرتهم المظاهرات في أضيق زاوية.

لا نريد هيئة تحرير الشام ولا نريد النظام، نحن لسنا (النصرة) ولا يمكن رجوع النظام ولو صُلحاً، هذه كانت من أهم رسائل المظاهرات الشعبية الحاشدة، وقد وصلت إلى كلّ العالم، عبر وسائل الإعلام الأجنبية التي بدأت تعمل من داخل إدلب، في الآونة الأخيرة.

الدبلوماسية التركية أحرجت روسيا، والمظاهرات أحرجت الفصائل المتطرفة، هذا الحرج المرير الذي تتقاسمه الآن، كل من روسيا ونظام الأسد والفصائل المتطرفة.

ويبدو أن عُشّ الدبابير قد دخل مرحلته الأخيرة، وجمعة بعد جمعة، ومظاهرة فمظاهرة، مع الإرادة المتعاظمة للمدنيين الأحرار.. سوف يخنقه الدخان خلال أسابيع، يُخيل لي أنها باتت معدودة، وعندما يختنق آخر دبور، يكون النظام قد خسر ورقةً لطالما ربح من خلالها.