نظرية المؤامرة في السياق السوري

2018.07.15 | 01:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يعود استخدام مصطلح نظرية المؤامرة ( Conspiracy Theory) إلى بدايات القرن الماضي، حيث استخدم للمرة الأولى في سياق اقتصادي في عام 1920، ومع ذلك فإن إضافته إلى قاموس أكسفورد الشهير لم تتم إلا في عام 1997، وقد استخدم المصطلح عربياً بكثرة، ابتداءً من ستينات القرن الماضي، وشاع هذا المصطلح في أدبيات الأحزاب العربية، وخطابات الزعماء العرب، في مواجهاتهم مع شعوبهم، أو خلال الأزمات مع دول أخرى، ويستعاد هذا المصطلح مع تجدد الأزمات الكبرى، أو الأحداث التاريخية المصيرية، التي عرفها العرب، منذ عقود، ومن بينها أحداث قومية كبرى، كما في القضية الفلسطينية، أو صراعات وطنية مصيرية، كما في الحالة السورية، حيث استخدم المصطلح على لسان رموز النظام السوري، في وصفهم للانتفاضة الشعبية، وما تلاها من أحداث، بعد منتصف آذار 2011، حيث وظّف النظام السوري هذا المصطلح للدفاع عن نفسه، بوصفه نظاماً وطنياً قومياً، ومدافعاً عن القضية المركزية للعرب، أي القضية الفلسطينية.

تقوم نظرية المؤامرة على استبعاد عامل الصدفة، وتقلل من شأن العوامل الذاتية، وترتبط بشكل كبير بعالم السياسة، حيث يرى مؤيدو هذه النظرية أن كل الأحداث مرتب لها مسبقاً، وأن كل الأحداث الفرعية مرتبطة بالأحداث الرئيسة بشكل بنيوي، وأهم ما في هذه النظرية أنها تستند إلى وجود طرفين، يتمثل الأول بالطرف المتآمر، ويتمثل الطرف الثاني بالطرف المتآمر عليه، وهكذا فإن الطرف الثاني هو ضحية تآمر الطرف الأول عليه، وهو ما يقودنا في العالم الواقعي للسياسة إلى اعتبار أن كل ما يحدث للطرف الثاني هو نتيجة حتمية لتآمر الطرف الأول، ما يجعل من الطرف المتآمر عليه بريئاً من النتائج التي يترتب عليها صراعه مع الطرف الأول.

كل الأيديولوجيّات في عالمنا العربي لم تنجُ من نظرية المؤامرة، القومية، واليسارية، والإسلامية، إذ لطالما اعتبرت الأيديولوجيات الثلاث السابقة أن الغرب متآمر عليها، نتيجة وقوفها ضد مصالحه، كما اعتبرت فشلها في تحقيق برامجها الفكرية والسياسية نتيجة وقوف الغرب ضد تلك البرامج، والتي يمكن لها في حال نجحت أن تغير من موازين القوى، وأن تلحق الضرر بالغرب ومصالحه، والغرب هنا هو : النظام الرأسمالي، أو النظام الاستعماري، أو الغرب الكافر، لكنه الغرب، من دون أي تمييز حتى بين غرب وآخر، أو حتى من دون تدقيق في مصطلح الغرب نفسه، أو الفصل بين الغرب كمسار تطور حضاري وتكنولوجي وثقافي وحقوقي، وبين الغرب كحكومات وشركات ومصالح اقتصادية.

تقوم نظرية المؤامرة على استبعاد عامل الصدفة، وتقلل من شأن العوامل الذاتية، وترتبط بشكل كبير بعالم السياسة

في المسألة السورية، تبني خطاب السلطة السياسية نظرية المؤامرة في مواجهة تحوّل واستحقاق تاريخي كبير، هو استحقاق تحوّل الدولة السورية إلى دولة طبيعية، والانتقال من الجمهورية الثانية إلى الجمهورية الثالثة، ما يعني عملياً الانتقال من دولة الحزب الواحد إلى دولة تعددية سياسياً، وبناء نظام ديمقراطي، يقوم على التنافس السياسي الحر بين الأحزاب والبرامج السياسية، وإنهاء تسلّط الأجهزة التنفيذية، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية، على الشأن العام، واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وتمكين المجتمع من بناء تعبيراته السياسية والحقوقية والمهنية، من أحزاب، ونقابات، واتحادات، وجمعيات، وإطلاق حرية التعبير والإعلام.

اتكأ النظام السوري على "العداء مع إسرائيل" من أجل موضعة نفسه في الصراع بوصفه نظاماً ممانعاً، تسعى إسرائيل ودول الإقليم والغرب إلى تغييره، وفي هذه الحالة، أصبحت قطاعات شعبية واسعة تنتمي إلى الانتفاضة محسوبة على الطرف الآخر المتآمر على النظام، بل وجزءاً لا يتجزأ من أدواته، ولاحقاً، موضع النظام نفسه كنقيض للإرهاب، في الوقت الذي نمت فيه على الساحة السورية تنظيمات إرهابية تكفيرية، من أجل وسم الثورة بأنها مؤامرة من أجل تحويل سوريا من بلد للتعايش الاجتماعي بين طوائف وإثنيات متعددة إلى بلد يحكمه أصوليون.

في المقابل، ومع ازدياد الفشل العسكري للقوى المسلحة المعارضة، ساد خطاب لدى عدد من قوى المعارضة ورموزها، يفصح عن تبنيها لنظرية المؤامرة، حيث عزا ذلك الخطاب عدم سقوط النظام إلى عوامل خارجية، تمثلت في دعم إيران وروسيا، ورضا إسرائيل عنه، بالإضافة إلى الحرب على الإسلام والمسلمين، وهو ما يضع، بالطبع، أي تحليل للعوامل الذاتية للثورة خارج معادلة الحسابات.

اتكأ النظام السوري على "العداء مع إسرائيل" من أجل موضعة نفسه في الصراع بوصفه نظاماً ممانعاً، تسعى إسرائيل ودول الإقليم والغرب إلى تغييره

وإذا ما سعينا إلى بسط نظري وواقعي لنظرية المؤامرة، فهي في نهاية المطاف تؤكد على وجود ما يسمى الأجندة أو الخطة،  ومن البديهي في عالم السياسة أن يكون لكل طرف أجندته وخططه من أجل تحقيق مصالحه، وما يمكن أن نسميه المؤامرة هو خطة الطرف/ الفاعل السياسي، من دول وأحزاب وتكتلات، تخدم الأهداف والمصالح، لكن هذا شيء، وتبرير الفشل الذاتي عبر نظرية المؤامرة شيء آخر، لأن مثل هذا السلوك الفكري والسياسي هو سلوك تبريري، يحاول نفي العوامل الذاتية، أو يقلصها إلى حد كبير، وفي أفضل الأحوال فإنه يستخدم للقول بأننا فعلنا كل شيء ممكن لكن المؤامرة كانت أقوى منا.

لا شك، أن الكثير من دول الإقليم لم تكن راغبة في رؤية سوريا كبلد حر ديمقراطي، يمكن أن ينقل عدوى الديمقراطية إلى شعوبها، كما أن الكثير من الدول يمكن أن تستفيد من إضعاف النظام، وإضعاف الوطن السوري ككل، وتقاسم النفوذ فيه، لكن كل تلك الإرادات الخارجية لم تكن لتفعل فعلها بمعزل عن السياسات التي اتبعها النظام والمعارضة في سوريا، وعدم قدرتهما على رؤية كل الأخطار المحدقة بالوطن السوري، وبالتالي فإذا كان هناك ثمة مؤامرة، أو مؤامرات، خارجية، فمن المؤكد بأن الفاعلين السياسيين في سوريا، من نظام ومعارضة، قد أسهموا في تحولها من مجرد خطط إلى واقع عملي، يدفع السوريون اليوم ثمنه، وما هو أسوأ أن معظم الفاعلين السياسيين السوريين ما زالوا بعيدين عن إجراء مراجعات حقيقية لمواقفهم وممارساتهم، والاعتراف بدورهم في الكارثة السورية.