نشطاء بلا حماية !

2018.11.29 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كيف يمكن لنا الوصول إلى آلية ما لحماية الصحفيين، والعاملين بصورة عامة في نشاط المجتمع المدني، في ظل الأوضاع الأمنية المتردية في الداخل السوري، وفي ظل الحرب الشاملة التي تشنها الأطراف المتحالفة مع النظام السوري. الحماية أولاً في المناطق الخاضعة لسلطات الأمر الواقع وأمراء الحرب، وهي المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الجهادية وقسد. والتي سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في استهداف نشطاء المجتمع المدني، من صحفيين ومحامين وعاملين في قطاعات الخدمات والتنمية المجتمعية.

تبدو الإجابة صعبة للغاية، وهي بحاجة إلى التفكير والعمل، من قبل العاملين في هذه القطاعات، والتشاور مع أطراف محلية وإقليمية لها علاقة مباشرة بالوضع السوري، وقادرة أن تؤثر في مسار الأحداث. وتكمن الصعوبة في أنه لا يمكن إجبار الأطراف التي تنتهك الحقوق

لم تنقطع النصرة عن ممارسة وظيفتها الأولى، في اختطاف وتصفية نشطاء الثورة السورية، أولئك الذين رأت في نضالهم ومقدرتهم على استنهاض الهمم من أجل الحرية وقيام دولة مدنية ديمقراطية عادلة

والحريات، مثال تنظيم "جبهة النصرة " و "قسد" على الالتزام بآليات الحماية التي يمكن التوصل إليها. المشكلة جذرية، ليست هناك آليات دولية  تلزم هذه التنظيمات على وقف استهداف هذه الشريحة من النشطاء، في ظل الحرب بوجه خاص. وعلى سبيل التفكير، هل يمكن أن تكون الجهود المحلية للمجتمع المنكوب، قادرة على لجم إجرام الجماعات الإرهابية؟

ولكن، هل نترك الحبل على الغارب؟ هل يمكن أن يظل القاتل بلا حساب؟

لم تنقطع النصرة عن ممارسة وظيفتها الأولى، في اختطاف وتصفية نشطاء الثورة السورية، أولئك الذين رأت في نضالهم ومقدرتهم على استنهاض الهمم من أجل الحرية وقيام دولة مدنية ديمقراطية عادلة، خطراً كبيراً يتهدد وجودها، ويحول دونها والاستحواذ على السلطة. فالمعرفة والوعي، يمزقان حُجب الظلامية التي تستتر بها ومثيلاتها من المنظمات المسلحة، وأن تمددها بقوة السلاح لفرض سلطتها، لن يستتب لها في ظل النضال المدني الذي يشكل الجانب الرئيس والمضئ، الذي يسعى السوريون لتحقيقه. منذ البدء وحيثما حلّت جبهة النصرة بأسمائها المتعددة، وتلاوينها المتنوعة، فإنها تجلب الخوف والقمع والخراب.

النصرة خليط  أحرار الشام والنصرة، ومن رحمها ولدت داعش. هي خليط القتلة المارقين الذين ارتكبوا أفعال القتل والاختطاف في كل مكان دنسوه في إدلب وحلب والرقة.. هم من اختطف الأب باولو وسلموه إلى داعش، وهم من اختطف أول رئيس لمجلس محافظة الرقة المحررة المحامي عبدالله الخليل، وهم من اغتال خالد العيسى واختطف عبود حداد وعبيدة بطل، وغيّب وقتل العشرات من النشطاء الثوريين الذين خسرناهم، ولا نعرف مصيراً لهم، حتى اليوم.

 إن اغتيال رائد الفارس وحمود جنيد، يعيدنا إلى رؤية السوريين الحذرة من نشأة النصرة ودورها، وإلى مواقفها الرافضة للعمل المدني، ومؤسساته، والتي اتسمت بالسلبية ثم بمعاداته ومحاربته بضراوة شديدة، عبر الإقصاء والتهميش واعتقال رموزه ونشطائه، وتصفية الكثير منهم، خاصة أولئك الذين امتلكوا خبرة في تنظيم المجتمع المدني، ومقدرة على إدارته في المناطق المحررة من النظام الأسدي المجرم. لقد اضطر الآلاف من الشباب السوري الثائر، إلى النزوح بعيداً، ومن ثم الهجرة، وكانت الأسباب مضاعفة، ليس بسبب ملاحقة النظام الأسدي وحده، بل هرباً – أيضاً - من ملاحقة جبهة النصرة ومن قبلها أحرار الشام وداعش، وغيرها من الفصائل المسلحة التي وجهت أسلحتها لتكميم الأفواه ومنع العمل المدني أياً كانت صورته.

 لقد وصلت النصرة إلى مرتبة لا تقل عن الأسديين إجراماً خلال فترة قصيرة، أثبتت فيها عداءها العلني للنضال السلمي من أجل الحرية، ورفضها لمشروعات العمل المدني الذي تترسخ عبره الممارسة الديمقراطية، وتصان فيه الحقوق والحريات بعيداً عن تأثيرات دينية وإيدولوجية.

أمام مشهد الاغتيال المتكرر يبدو عجزنا جليّاً، في مواجهة القتل المستمر ضد السوريين، بمختلف الصور، الاغتيال والقصف، بالرصاص وبالكيمياوي، بتكميم الأفواه، وبالغازات السامة والفوسفور الحارق، بالمجازر الجماعية، وبالتشويل، أولى جرائم جبهة النصرة، ضد نشطاء الثورة السورية، وكل ذلك يصبّ في خانة الإبقاء على نظام الأسدية القاتلة، مطوّقاً بعتاة المجرمين الذين اختطفوا حراك السوريين وانتفاضتهم، ولم يتركوا لهم مشيئة الخيار في الحاضر ولا في المستقبل. لكن أولئك الذين في الداخل، هم وحدهم يواجهون المعضلة المركبة، سطوة النصرة، وجبروتها الدامي، ويواجهون المصير المرير، ولكنهم لا يصمتون.

هل نحن مفجوعون حقا إلى هذه الدرجة بفقدان أعمدة أساسية

جعل اغتيال رائد الفارس وحمود جنيد، قضية دولية، لا تقل أهمية عن قضية خاشقجي، باعتبارها أيضاً تتصل بحرية التعبير، وبقضية شعب آمن بالتغيير وبالحرية

في نضالنا الوطني من أجل الحرية، أم أننا مثقلون بالقلق على مصير شعب يدفع أثماناً قاهرة جرّاء انتفاضته التاريخية؟ أم أنه استشعار بمدى الخذلان ومرارة التكالب الذي يلحق بنا؟!

إنها المأساة السورية المعقدة.

صورة الشهيد محمولاً على السواعد المرفوعة عالياً، تدعونا كي نفكر بالعمل من أجل قضيتين مهمتين، أولاهما البحث عن كيفية حماية نشطاء المجتمع المدني، والثانية في جعل اغتيال رائد الفارس وحمود جنيد، قضية دولية، لا تقل أهمية عن قضية خاشقجي، باعتبارها أيضاً تتصل بحرية التعبير، وبقضية شعب آمن بالتغيير وبالحرية. ويجب أن نستعيد إلى الذاكرة جرائم الاغتيال جميعها، وألا ننسى القتلة وجرائمهم، وأن نعمل على رفع قضايا أمام المحاكم في دول الجوار والمنافي، حيثما أمكن ذلك.

 مشهد الجموع في كفرنبل تطالب بخروج النصرة، تبعث الأمل فينا، كما في لافتاتها. إنها الصورة الأشد قوة في التعبير، عن الراهن المرير، وعن الإيمان بالتغيير، وفي الإصرار على المضيّ في طريق الحرية.