نحن والمنتخب.. وحكاية الثورة

2019.01.16 | 12:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بنقطة يتيمة، خرج المنتخب من الباب الأكثر ضيقاً لبطولة أمم آسيا المقامة حالياً في دولة الإمارات، خرج دون أنْ يترك البصمة التي كان يُروَّجُ لها من أنصاره بأنه القاهر، المقهور (الذي سيلد فرحة من رحم المعاناة) لكنه لم يفعل، بل زاد المعاناة لكل من كان ينتظر منه الفرح.

بعيدا عن كل الحسابات الرياضية والخوض في تفاصيل من أخطأ، من قصّر وماذا فعل المدرب وماذا قدم اللاعبون، يبقى الثابت الوحيد أنه كان منتخباً مفرقاً لا جامعاً، كرس الانقسام العمودي في سوريا، بين من يراه منتخب الوطن ومنتخب نظام الأسد الذي اجتهد وموالوه خلال الفترة الماضية في حسبه على طرفهم بعد ما حققه في تصفيات كأس العالم متأملين أن يكون له شأن عظيم يحصدونه لاحقاً.

ليسوا خونة، هؤلاء الذين فرحوا بخسارة المنتخب، ليس خائنا من رأى ابتسامات اللاعبين العائدين صاغرين إلى حضن الأسد

من هنا لا يمكن تجاوز هتاف الشاب السوري في مدرجات المنتخب الأردني، شاب سوري تعمد أن يصور فيديو وهو يهتف ضد ما يفترض أنه منتخب بلاده، هتف الشاب بجرأة وسخرية في صورة فاقعة للشرخ الذي أحدثه الأسد في سوريا، الفيديو الذي لاقى انتشارا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، خير  دليل على عظيم ما جرى ويجري في سوريا، وفي بنية المجتمعِ السوري الذي ثار بمعظمه منذ ثمان سنوات ومازال على نظام الحكم المتمثل بعائلة الأسد وأركان الحكم، بينما بقي جزء من هذا الشعب موالياً لتلك السلطة وذاك النظام، الذي يحاول اليوم تبيض صفحته من خلال نصر رياضي مأمول لم ينله، وليعود منتخبه يجر ذيول خيبته مفجراً بركاناً من السخرية في صفوف من رأوه منتخب الأسد، وكذلك بركاناً من الحنق تجاه هذا النظام الذي دمر البلاد وأفنى العباد وصادر الفرح، كل الفرح، محولاً حياة السوريين جحيما خلال سنوات الثورة.

يتفق كل السوريين (المختلفين على نصرة هذا الفريق) في غضبهم وسخطهم على النظام، كونه في حالة الثائرين خصمهم الذي قتل ودمر وشرد، وفي حالة الموالين فإن الفساد والمحسوبية والتخبط في القرارات سبب الهزيمة، فضلا عن فئة أشد مرضا ترى أنه فريق مخترق من "خونة" وفي كلتا الحالين نظام الأسد هو السبب الوحيد لكل الهزائم، ولذلك كانت الثورة.

هؤلاء جميعاً اليوم يحسون بأثر فساد النظام وفشله في مناسبة رياضية كهذه متناسين ومتجاهلين أن الفساد والإجرام وإهدار الحقوق والمحسوبيات والظلم وعدم تكافؤ الفرص، وهي عوامل الفشل التي تساق كتبريرات للكارثة التي حلت بالمنتخب ومشجعيه، هي العوامل ذاتها التي ثار الشعب السوري للتخلص منها من خلال إسقاط النظام الذي كان أساً وأساساً لكل ذلك.

الثورة التي قدم الثائرون فيها زهرة شبابهم وأموالهم وحياتهم، ما كانت ثورة جياع، بل ثورة كرامة تطلب الحرية والعدالة، وتطلب أن يكون للوطن والمواطنين جيش يمثلهم ويحميهم، لا يقتلهم ويدمر بيوتهم ومدنهم بدم بارد، واستخبارات تسهر على أمنهم، لا تعتقل أبناءهم وتغيبهم ليقتلوا تحت التعذيب، ويفتك بهم المرض والجوع في المعتقلات، وليكون لهم الحق في العيش على الأقل في أماكن كريمة، لا وطنا يموتون فيه وعلى حدوده بردا في مخيمات بائسة، ويكون لهم منتخب يشجعونه، يمثلهم، يفرحون لفرحه، ويحزنون لحزنه، يكون نصره نصرهم لا منتخب يمثل قاتلهم، يشمتون "بغصة" لخساراته.

الثورة التي قدم الثائرون فيها زهرة شبابهم وأموالهم وحياتهم، ما كانت ثورة جياع، بل ثورة كرامة تطلب الحرية والعدالة

ليسوا خونة، هؤلاء الذين فرحوا بخسارة المنتخب، ليس خائنا من رأى ابتسامات اللاعبين العائدين صاغرين إلى حضن الأسد بعد أن باعوه وهماً بنصرهم لثورته، ليس خائنا ابن الشهيد وأخو المعتقل وزوج المغتصبة والمهدور والمستباح والجائع والمشرد، ليس خائنا وهو يتمنى الخسارة لمن وقع القاتل على قمصانهم واعتبرهم أحد إنجازاته، بل وطنيا يحب الوطن ويريد له الأفضل ولذلك ثار وضحى، يريد ضمن ما يريد منتخبا أفضل لا تفرض أسماؤه بالولاء والطائفية والمحسوبية والغلبة والواسطة بل بحب الوطن والتفاني في خدته، ومن يحب الوطن اليوم لا يقدم خدماته في ظل الأسد فلا إنجاز لهذا الوطن في ظل الأسد سوى زيادة في قائمة الجرائم يتصدر بها جدول السفاحين وهزيمة يتذيل بها منتخبه قائمة المنتخبات ليصبح أول الخارجين.