نتائج التطبيع الخليجي مع الأسد أسرع من المتوقع!

2019.02.19 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بدأت تداعيات التطبيع العربي ولاسيما الخليجي مع الأسد تظهر بشكل أسرع مما كان متوقعاً، ففي خطاب له يوم الأحد امتد لأكثر من ساعة، شنّ الأسد هجوماً حاداً على معارضيه السوريين واصفاً إيّاهم -في مشهد قديم متجدد- بأنّهم عملاء وخونة ولصوص، وأن الحل الأمثل بالنسبة لهم هو الاستسلام، رافضاً ما اعتبره أي تدخل خارجي لصياغة الدستور وملقيا باللوم على الخارج إزاء تدهور الوضع مؤخراً في المناطق التي يسيطر عليها النظام داخل سوريا. وهاجم الأسد كذلك خلال كلمته تركيا بشكل عنيف، كما تطرق إلى سياسة الولايات المتّحدة مشيراً في الوقت عينه إلى أنّه لن يتوقف لحين استعادة كل الأراضي السورية.

وتعدّ هذه الكلمة بمثابة بوصلة لتقدير توجهات النظام السوري خلال المرحلة المقبلة لاسيما فيما يتعلق بالتحديات الداخلية والعلاقة مع الخارج والموقف من تركيا. وبالرغم من أنّه اعترف أنّ نظامه لم يحسم المعركة وأنّه لا يزال يخوض حرباً عسكرية من بين حروب أخرى، إلا أنّه وبعد مرور حوالي ثماني سنوات على اندلاع الثورة السورية، يبدو أنّ بشار الأسد عازم على العودة إلى المربّع الأول. ما السبب الذي قد يكون أقنع الأسد بأنّه بات في وضع

التطبيع الخليجي مع الأسد أعطى الأخير على ما يبدو جرعة مجانية من الثقة بالنفس بشكل يجعل من إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية حقيقية بناءً على قرارات الشرعية الدولية أمراً صعباً للغاية

مرتاح يغنيه حتى عن خوض مفاوضات شكلية مع المعارضة أو التوصل على الأقل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الأزمة في سوريا؟ هل جاء خطابه بإيعاز من روسيا و/ أو إيران، أو ربما أراد أن يختط لنفسه مساراً يرسل من خلاله رسائله الشخصية إلى الآخرين بدلاً من أن يكون متلقيا لها؟

كل هذا وارد، لكن الأكيد التطبيع الخليجي مع الأسد أعطى الأخير على ما يبدو جرعة مجانية من الثقة بالنفس بشكل يجعل من إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية حقيقية بناءً على قرارات الشرعية الدولية أمراً صعباً للغاية. أبرز المؤشرات على هذا التوجه، وصف رأس النظام السوري المعارضة بأبشع الأوصاف وذلك في محاولة لنزع الشرعية عن دورها أولاً، وللتملص من الاستحقاقات المترتبة على العملية السياسية ثانياً، وهي العملية التي تتضمن إعادة كتابة الدستور، والتحضير للانتخابات.. إلخ، وكلها استحقاقات من غير الممكن أن يخوضها النظام مع نفسه فقط إلا إذا كان يريد تجاهلها تماماً، وهذا بالفعل ما يمكن فهمه من خلال خطابه يوم الأحد الماضي.

خلال كلمته، هاجم الأسد بشكل متكرر تركيا، ووصف كذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنّه مجرد "إخونجي وأجير صغير عند الأميركي"، مستثنيا ربما للمرة الأولى العديد من الدول الخليجية التي لطالما أشار إليها سابقا كالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال. استثناء الدول الخليجية لا يمكن فهمه إلا ضمن سياق عملية إعادة التطبيع الجارية، وبهذا المعنى أيضاً فإن كلمة الأسد تأتي في إطار الضغط المتواصل على أنقرة من قبل العديد من الدول للاعتراف بالأسد أولا، وللتحضير لعملية مواجهة

أهمية متابعة الضغط على هذا النظام من خلال العقوبات لإجباره على الالتزام بالعملية السياسية ذات المصداقية التي يحاول التهرّب منها

تركيا في سوريا من خلال التحالف الذي يتم إرساء أرضيته حالياً بين نظام الأسد من جهة والدول الخليجية المعنيّة كالإمارات والسعودية –ومصر أيضا- من جهة أخرى.

نقطة أخرى من المهم التطرق إليها وهي إشارة الأسد إلى مواجهة نظامه مشاكل جمّة نتيجة العقوبات الخارجية، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية متابعة الضغط على هذا النظام من خلال العقوبات لإجباره على الالتزام بالعملية السياسية ذات المصداقية التي يحاول التهرّب منها، وهي نقطة تتقاطع أيضاً مع ضرورة أخذ واشنطن بالاعتبار التداعيات السلبية لموقف بعض حلفائها الخليجيين على مستقبل سوريا وذلك نتيجة لانفتاحهم على الأسد مجاناً ومن دون مقابل.

التطبيع مع الأسد سيعطيه أوراقا من دون شك، وسيصعب العملية السياسية، لكن للآخرين أوراقهم أيضا في وجه نظام استخدم كل أنواع القتل ضد شعبه. وبالرغم من أنّ البعض يسارع إلى الاعتراف بما يعتبره انتصاراً للأسد، لا يزال المشهد يبدو بعيداً عن هذا الواقع تماماً. ما نحتاجه هو النظر إلى الصراع من زاوية أخرى والتعامل مع الوضع بأسلوب مختلف وأدوات مختلفة. الاستسلام الآن لا يعني أنّ تضحيات الآخرين قد ذهبت هباء فقط، بل يعني أنّ على أجيال من السوريين الخضوع مجدداً ليس للأسد فقط، وإنما لابنه ربما أيضا خلال المئة عام القادمة!