من "شاتب يور ماوس أوباما" إلى مقاضاة ترمب.. هكذا ننتصر لقضايانا

2019.04.06 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يوماً ما إذ كنت أعمل في مؤسسة إعلامية اقتحم أحد الزملاء من قسم المقابلات اجتماعا تحريريا، وقال وقد بدت على وجهه ملامح غريبة: "السيدة المصرية منى البحيري هنا.. موجودة في البلد"، معظم المجتمعين لم يكن يعرف من هذه السيدة وكونها مصرية ونحن في قناة تلفزيونية تعنى بالشأن بالسوري بدا الاستغراب على الجميع وسألنا: من منى البحيري، فانفجر الزميل ضاحكا وقال: "شاتب يور ماوس أوباما.. ورسالة بقى لأوباما" قالها بلهجة مصرية يحاول تقليدها، عرف الجميع أن البحيري هي صاحبة الرسالة الشهيرة التي انتشرت بشكل غريب وكثيف جعل منها نجمة على الفضائيات العربية، ولم ينتهِ اجتماعنا المذكور حتى قررنا استضافتها في أحد برامجنا وتم ذلك، لم يكن لدينا وقتها ونحن القناة السورية مبرراً سوى أننا نريد أن نضحك جمهورنا السوري وندفعه إلى الابتسامة في وقت كان يعاني فيه من كل صنوف القهر.. استضفنا السيدة وردود الفعل كانت ضمن المتوقع وضحك جمهورنا.

قد يكون هذا الأمر برمته، بما فيه رسالة "ليسن يور أوباما" والنجومية التي حصدتها البحيري وما تلاها ليس سوى مؤشر على حال بعضنا الذي سخّر نفسه لخدمة مشاريع الاستبداد القائم في بلادنا والذي نتحمل جزءا من مسؤولية بقائه أو استمراره بحكم بلادنا، خاصة وأن السيدة المصرية ختمت رسالتها إلى الرئيس الأميركي بـ "سيسي يس.. مرسي نو" كدلالة على تأييدها ومن معها لانقلاب عبد الفتاح السيسي معتبرة أن أوباما كان معارضا لرئاسته وداعما لمحمد مرسي، اليوم أراني أستذكر الأمر وأنا أتابع بعض السوريين يرقص في الساحات تنديدا بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بضم الجولان المحتل لإسرائيل وبعضهم يتصرف بذات السذاجة والسخرية والبلاهة والتفاهة ويوجه رسائل لترمب، لكن هنا يمكن وضع الرقص والغناء في الساحات والرسائل في إطار الفعل الشعبي العابر، لكن أن نرى الطبقة المسؤولة من القوم يتقدمون من خلال أعضاء في نقابة المحامين في حلب، بينهم رئيس الفرع بدعوى قضائية ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتهم "النيل من هيبة الدولة والاعتداء على سيادتها وسلخ أجزاء منها والتدخل في الشؤون الداخلية.."، ثم يرفعون طلبا لوزير العدل في حكومة الأسد لتكون دعوى عامة على مستوى سوريا وليست في فرع النقابة بمدينة حلب حسب ما أعلنوا وهم يتصرفون بكامل الجدية.. تلك هي المهزلة وهذا ما يضحك الناس حقا.

الفرق بين رسالة المحامين السوريين القانونية ورسالة السيدة المصرية أن الأخيرة كانت تمثل نفسها وأرادت التعبير عما تعتقد أنه إنصاف لرئيسها، عبّرت بطريقة عفوية

الفرق بين رسالة المحامين السوريين القانونية ورسالة السيدة المصرية أن الأخيرة كانت تمثل نفسها وأرادت التعبير عما تعتقد أنه إنصاف لرئيسها، عبرت بطريقة عفوية، وقدمها كل من رأى فيها نجمة قدمها لإضحاك الناس ليس إلا، أما ما فعله المحامون هو بذاته المضحك والفعل نفسه مدعاة للسخرية والاستهزاء ليس لأن الجولان قضية صغرى بل على العكس لأنها أكبر القضايا، لكن هذه النقابات هي الصغرى ونظامها الحاكم هو الصغير، وهو المسؤول الأول والأخير عن ضياع الجولان السوري المحتل، والمسؤول عن هذا النوع من ردات الفعل السخيفة التي بدأها وليد المعلم بالقول إن قرار ترمب زاد من عزلة واشنطن!!

تمضي إذاً ردود الفعل بين السخيف والغرائبي والتافه ويلقى الجولان في ظل حكم الأسد ومؤيديه مصيره، وتمضي دعوى نقابة محامين حلب في طريقها متحولة إلى مادة للتندر والسخرية وإضحاك الناس حالها حال "ورسالة بقى لأوباما" لكن الكارثي بالأمر هذا الشرخ الهائل الذي أحدثه نظام الأسد في سوريا والذي استفاد منه بعضهم فزادوه ورسخوه وأظهروا هذه الأفعال.. وبينما يدمر طيران الأسد والطيران الروسي حواضر سوريا وعلى رأسها حلب بما فيها من أرواح وحيوات وأرزاق وإرث حضاري إنساني لم نشهد تحركا من هؤلاء المحامين أو أمثالهم بل على العكس كانوا نصير القاتل وسنده، وبينما يجاهرون بالدعوى المرفوعة ضد ترمب لم يجرؤ أحدهم أو من يشبههم على السؤال عن المدن والقرى البلدات التي دمرتها وتحتلها إيران من خلال قواتها ومليشياتها الغريبة أو تلك التي دمرها حزب الله اللبناني واحتلها وأسكن فيها من يريد ولم يسأل أحد عن احتلال الجيش الروسي لأماكن هامة واستراتيجية في الساحل السوري ولم يعترض أحد أو حتى يتكلم عن المعاملة المهينة لرأس النظام من قبل روسيا وعن الصور "الفضائحية" التي تنشرها له بين الفينة والأخرى، لم يرفع أحد دعوى طلباً لتوضيح عقود بيع سوريا وثرواتها وبعض أحيائها لإيران وروسيا والأهم أن أحداً من هؤلاء لم يرفع دعوى مثلا نصرة لمعتقل أو لشهيد تحت التعذيب أو بحثاً عن مصير مفقود أو مغيب لم يسأل أحد منهم عن ضحايا القتل بالكيماوي أو بالبراميل.. لم يسألوا!

يسألني أحد الزملاء الصحفيين العرب عن مدى صحة ما يتم تداوله على وسائل التواصل عن الدعوى "القضائية الحلبية" فأجيبه إنها حقيقة، فيسألني باستغراب هل هؤلاء سوريون؟ هل يعيشون بيننا؟ فلا أجيب.. الحقيقة لست قادرا على الإجابة.