من سيطرد إيران خارج سورية؟

2018.06.21 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

إن الحديثَ عن تحالفٍ عربيّ إسلامي عسكري، والذي تمّ الإعلان عنه في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2015 بقيادة السعودية، على  غرار "الناتو"، للدخول إلى سورية  بهدف محاربة الإرهاب، كما جاء في بيان تأسيسه،  كان مرفوضاً بشكل قطعي من قبل  الإدارة  الأمريكية السابقة  في عهد " أوباما"؛ أيضاً، على أرض الواقع حسب التطورات العسكرية والسياسية في سورية، لم تكن الأمور قابلة  لتدخّل أي  لاعب جديد، وبقوة هكذا تحالف ضخم ضمن ساحة الصراع. إلاّ أنه منذ فترة، بدأت التلميحات والعروض من قبل السعودية تأخذ مجرى آخر، حول إعادة النظر في إمكانية مشاركة هذا التحالف بالأعمال العسكرية داخل سورية والعراق، من باب التضييق على النفوذ الإيراني في المنطقة، بصبغة (سنيّة) ومقاتلة ما تبقى من فلول تنظيم "داعش" وأي فصائل "إسلامية متشدّدة" أخرى.

إنّ  "تل أبيب" ذهبت بالنزق ضد إيران  إلى أبعد من 40 كلم <منطقة خفض التصعيد>  داخل الجنوب السوري.

فإن استمرَ تعنّت إيران ومواربتها، وفرضها شروطاً تعجيزية للتفاوض على كيفية انسحابها مع ميليشياتها إلى نقاط محدّدة مبدئياً، أي إعادة تموضع، مع ممرّ مباشر إلى لبنان دون تدخّل إقليمي، وبشرعنة دولية، سيكون سيناريو التحالف العربي مطروحاً على الطاولة، بضوء أخضر أمريكي..  إضافةً إلى عدّة سيناريوهات أخرى، منها تكثيف إسرائيل لضرباتها العسكرية ضدّ القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، وبشكل أعنف، وربما، ستضطر إلى التوغل بريّاً  في العمق السوري أبعد  من خط وقف إطلاق النار  تجاه قرى سورية في محافظة القنيطرة، لإجبار إيران  على الخضوع لمطالبها، المتمثّلة  بالابتعاد عن كافة مناطق التماس مع حدودها، ابتداءً من الشريط الحدودي الأردني، وصولاً إلى مشارف هضبة الجولان السوري المحتل.

وها نحن شاهدنا منذ أيام  تلك الغارة الإسرائيلية التي استهدفت ميليشيات إيران و الحشد الشعبي  في  مدينة البوكمال السورية مع الحدود العراقية؛ أي أنّ  "تل أبيب" ذهبت بالنزق ضد إيران  إلى أبعد من 40 كلم <منطقة خفض التصعيد>  داخل الجنوب السوري.

فإن تم إعطاء الضوء الأخضر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية بالتجهّز لقيادة التحالف إلى الداخل السوري، طبعاً الروس، سيبدون الانزعاج والامتعاض والمعارضة (الإعلامية) مبدئياً، وربما يلعبون بأوراق أخرى يستفيد منها الإيرانيون خلال مرحلتهم الحرجة.  فالروس يعتقدون أنهم اللاعب الأهم في هذا الوقت الراهن، بما يخصّ التحركات الدبلوماسية والضمانات والمبادرات التي يقدمونها للإسرائيليين حول انسحاب القوات الإيرانية وميليشياتها بعيداً عن حدود إسرائيل. لكن في المقابل، هنالك رأي أمريكي آخر، وسعي حثيث من قبل واشنطن إلى مسكّ زمام المبادرة وتفويت الفرصة على الروس بقيادة عمليات التفاوض، وأيضاً العمليات العسكرية إن حصلت في الجنوب السوري. 

هذا التحالف العربي الإسلامي العسكري، يعتبر حليفاً بشكل غير مباشر لإسرائيل، أو إن صحّ التعبير، يخدم مصالح الإسرائيليين وأهدافهم، دون تكلفة مادية وبشريّة، ويبعدهم عن اصطدام عسكري مباشر مع طهران في الساحة السورية أو خارجها. ومن جانب آخر، يرى الأمريكيون في التحالف العربي هذا، درباً لحلِ جزءٍ من العقدة الرئيسة بينهم وبين الأتراك، إذا ما تمركزت بعض قوى التحالف العربي الإسلامي في الشمال السوري مع الحدود التركية، أي لتطمين الجانب التركي، وتبديد مخاوفه من تواجد قوى إرهابية على حدوده، إضافةً للتواجد الكردي بأشكاله المدنية والعسكرية، الذي يُعدّ خطراً  على الأمن القومي التركي حسب وجهة نظر "أنقرة".

أما الهدف الأهم من تواجد هكذا تحالف بالنسبة لواشنطن، يتمثّل بصفقةٍ اقتصادية كبيرة، أي أنّ سوق السلاح الأمريكي سوف يشهد انتعاشاً واسعاً، من خلال تزويد هذ االتحالف بالسلاح الجوي والبري والبحري، تضاف قيمته إلى الصفقة الاقتصادية التاريخية التي أبرمت بين السعودية والولايات المتّحدة الأمريكية، البالغة " 400 "مليار دولار أمريكي،  جزء منها بقيمة 110 مليار دولار يذهب في مجال التسليح، وإنشاء مصانع تجميع وتصنيع مروحيات وذخائر ذكية داخل السعودية، حسب قول "ترامب" خلال  الخطاب  الذي ألقاه  ضمن "القمة العربية الإسلامية الأمريكية" التي  استضافتها الرياض في  21 مايو / أيار  2017 .

 

*الخلاف الروسي الإيراني في سورية

تجلّى الخلاف الروسي الإيراني، ضمن الملف السوري في الفترة المنصرمة بشكلٍ واضح، الذي يراه البعضُ خلافاً على النفوذ، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، رغم القدرة العسكرية الكبيرة لموسكو على الأراضي السورية.. إلا أنّ الخلاف حالياً أخذ انطباعاً آخرَ، منه عدم قبول الروس استحواذ الإيرانيين على عقود إعادة الإعمار في سورية، واستئثارهم بخيرات بعض المناطق التي يعتبرها الروس تحت جناحهم بشكل مباشر. فهذا التفرّد الروسي، أزعجَ الإيرانيين منذ تدخلهم العسكري _ أي الروس _ عام 2015 في سورية.. عدا عن ذلك، بعد أن كان للقرار الإيراني صولة وجولة في الداخل السوري،

يكتنف الغموض علاقة  الإيرانيين  والروس، ويزداد أكثر،  بعد غضّ النظر والصمت من قبل الروس  عن الضربات العسكرية  التي  وجّهتها  إسرائيل بحق التواجد  العسكري الإيراني  داخل سورية

أصبح الإيرانيون بشكلٍ شبه كامل تحت المظلة الروسية مرغمين، ما جعلهم يتمردون في بعض الأحيان على الروس، فهم يرون أن لهم الأحقيّة في سورية قبل التدخّل الروسي.. بسبب تكبّدهم خسائر مالية باهظة قدّرت بــ " 15 مليار دولار سنوياً تدفعها إيران لنظام الأسد لتغطية تكلفة الحرب وتمويل دفع رواتب فصائل سورية عسكرية تقاتل مع النظام السوري؛ حسب _ مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية"، علاوة على ما يقدر بـ300 مليون دولار دعم سنوي لميليشيا حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب صفوف نظام الأسد في سورية.

في "سوتشي"، ضمن اجتماع الطاغية بشار الأسد مع الرئيس الروسي "بوتين" الشهر الماضي، طالب الأخير الأسد بضرورة انسحاب كافة الميليشيات الأجنبية من سورية؛ هذا ما عمّق الفجوة بين طهران وموسكو، وزاد حدّة التوتّر، لتصل إلى تصريحات من قبل المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية   "بهرام قاسمي " بأنهم باقون في سورية ولا يحق لأي أحد إخراجهم منها. إذن، يكتنف الغموض علاقة  الإيرانيين  والروس، ويزداد أكثر،  بعد غضّ النظر والصمت من قبل الروس  عن الضربات العسكرية  التي  وجّهتها  إسرائيل بحق التواجد  العسكري الإيراني  داخل سورية،  هذا ما يشير إلى رضا الروس بإقصاء الإيرانيين من المشهد السوري،  وقبول نظام الأسد بذلك مجبراً؛  فرضوخ  النظام السوري وموافقته على انسحاب إيران وميليشياتها، يأتي  لعدّة عوامل،  منها عدم  قدرته على  فرض أي  حل سياسي  أو عسكري  فوق الأرض، إضافةً  إلى سعيه لضمان مكاسب سياسية تبقيه على سدّة الحكم بعد أن أصبح رقماً ثانويّاً في الصراع السوري.

أما بالنسبةِ لفصائل المعارضة السورية المتواجدة في الجنوب السوري وخاصةً في محافظة درعا، وبعد الرسائل التي وجّهتها من خلال غرفة  عمليات "البنيان المرصوص" التي  تشير  إلى رفض أي تدخّل عسكري من قبل قوات النظام ومواجهته بكافة الطرق، علاوة على ذلك، رفضها أيضاً تسليم معبر "نصيب الحدودي" مع الأردن  لقوات النظام  أو أي قوى تابعة له، فعليهم ألا يلدغوا من "ضامنٍ" مرتين، _ الخليج  والأمريكان _  فهم شهدوا من قبل ماذا جرى لهم   ولأشقائهم في  السلاح  بمناطق أخرى من قبل "الداعمين"؛ فمسمّى "خفض التصعيد" في  المنطقة الجنوبية، ليس  إلا فرصة  ذهبية  مُنحت للنظام السوري وحلفائه، لإعادة ترتيب الأوراق  وتجميع القوى العسكرية  والتخطيط من جديد لانتزاع السيطرة من هذه الفصائل. ونعتقد أنّ مصيرهم سيؤول إلى التفكيك والتهجير نحو الشمال _ إدلب _ كما غيرهم من فصائل كانت قريبة من العاصمة السورية دمشق، أو أنّهم سوف يدخلون بمواجهة عسكرية ضد الروس وما تبقى من جيش النظام ومليشياته، إذا ما تمّ خرق اتفاق وقف التصعيد في الجنوب السوري بضوء أخضر إسرائيلي أمريكي.. وهذا يعني، ذات المصير المجهول.

منذ يومين، صرّح مكتب "نتنياهو" بأن رئيس الوزراء اجتمع مع العاهل الأردني في عمّان، ما يوحي إلى تفاهمات إسرائيلية أردنية، بما يخصّ مخاوف الأردن وإسرائيل من تفاقم الأزمة عسكرياً مع حدود البلدين، بسبب التواجد الإيراني.

وقبل ذلك، صرّح رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" في  مقابلة  له مع وكالة _ سبوتنيك_ الروسية: إن لبنان مستعد كامل الاستعداد للتفاوض بشأن ترسيم الحدود مع إسرائيل تحت رعاية الأمم المتحدة وبوساطة أمريكية؛ ما ينمّ عن اتفاقيات سوف تبرم، لها أبعاد استراتيجيّة، أهمّها نسف (مشروعية المقاومة) التي يتزعّمها "حسن نصر الله" وحزبه وداعمته طهران، والنتيجة ستكون إذا ما تمّت هذه _ الصفقة _  تعرية حزب الله من مهامه على الحدود مع إسرائيل، إضافةً إلى ذلك، قطع الطريق على إيران  لأي  تواجد عسكري  أو تنظيمي  سياسي في الداخل اللبناني؛ وبالتالي، سيعود حزب الله اللبناني وعناصره  إلى مهامهم الحقيقية، ألا  وهي تجارة  "الحشيش  والمخدرات"  وزراعة  التبغ  وتمجيد العهود السابقة وحياكة القصص البطولية لرجال "ولاية الفقيه".

أما إيران، لن تشارك في معركة الجنوب، فكل المعطيات السياسية والعسكرية تشير إلى ذلك.. ليس في الداخل السوري فقط، إنما خارج سورية، في العراق واليمن ولبنان؛ فوحدها الضغوطات الاقتصادية التي فرضت عليها، والخيانة الروسية الأسدية لها، والتهديدات العسكرية من قبل إسرائيل التي تُنفّذ بحقها كل فترة داخل سورية، تكفي لجعل "آية الله الخامنئي" يسحب قواته من سورية، ويرتدي لاحقاً بنطال جينز أمريكي، و"تي شيرت" مطبوعٌ عليه، صورة حمامة بيضاء دون عين، تحمل غصنَ زيتونٍ جاف.