من سيرة آل الأسد: عرس في ميريديان اللاذقية

2019.08.26 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

رغم اهتمامه بالترحيب بالضيوف الكثر، كان هارون الأسد يلقي نظرات متباعدة على جواله ليطمئن إلى سير قافلة «الترفيق» التي انطلقت منذ قليل. فلولا هذه المهنة التي نشأت مع «الحرب» لما أمكن له أن يدفع التكاليف الباهظة لهذا الزفاف «الملكي» الذي احتفل فيه بزواج أكبر أبنائه، أنور، منذ أسبوع.

مسيرة طويلة فصلت بين الشاب ذي المزاج الناري الذي كانه، يوم شاعت في اللاذقية عبارة «اهرب يا ولد، هارون بالبلد»، وبين الرجل في الثامنة والأربعين اليوم، نائب رئيس مجلس مدينة القرداحة، بعد أن انتقل من «الطيش» والتشبيح والأعمال غير المشروعة إلى خلطة من المقاولات والتجارة والخدمات.

صحيح أن هذه سيرة معظم رجال العائلة حالما «يعقلون» بتأثير العمر ويغالبهم الشيب، غير أنه لا ينكر دور زوجته الحاذقة في ما وصل إليه. لقد كان موفقاً بالاقتران بابنة اللواء فؤاد إسماعيل، رنا، فقد أضفت النظام على حياته بالتدريج وربت أولادهما بطريقة يفخران بها. حتى هذا العرس الباذخ، الذي ستتحدث عنه النسوة في «الصبحيات»، هو من تنظيم «أم أنور» بالكامل. يجيل نظره في الحاضرين ويفتقد شخصاً أثيراً، شقيقه الأكبر الذي قتل عام 2014 وهو قائد للدفاع الوطني في المحافظة، هلال، رفيق اليتم والطفولة والنشأة في الضيعة تحت كنف أم أنور الكبيرة، جدتهما الاستثنائية.

كان أحمد، الأخ غير الشقيق لحافظ، هو الابن البكر لوالدهما علي. وكان مطاعاً بين إخوته في الأسرة، وفي الوسط المحيط في القرداحة التي كان مختار «حارة العيلة» فيها، وكذلك عندما أصبح مديراً، بصلاحيات واسعة، لإدارة التبغ والتنباك، مع تنامي نفوذ أخيه. تزوج أحمد متأخراً ابنة عمته نسيمة ناصيف، المشتهرة باسم ياسمين قبل أن تنجب عدداً من الذكور والإناث، أكبرهم أنور الذي سيكنيان به. بدهائها وقوتها ومكانتها الوطيدة عند حافظ ستصبح أم أنور المرأة «اللي كلمتا ما بتصير تنتين» في أرجاء دولة الأسد الفسيحة، يقصدها ضباط للتعيين والترفيع والنقل، وموظفون مدنيون ومسؤولون وعينهم على منصب أعلى، وأهالي معتقلين أملاً في زيارة أو عفو أو تخفيف حكم. إذا صارت قضيتك عند أم أنور فاعتبر الموضوع منتهياً، فهي «تفك المشنوق» كما يقال. ورغم احتفاظها بمظهرها الريفي الفقير إلا أنها راكمت ثروة كبيرة بفعل هذه الوساطات التي كانت تحسن تقديرها.

بدهائها وقوتها ومكانتها الوطيدة عند حافظ ستصبح أم أنور المرأة «اللي كلمتا ما بتصير تنتين» في أرجاء دولة الأسد الفسيحة، يقصدها ضباط للتعيين والترفيع والنقل، وموظفون مدنيون ومسؤولون وعينهم على منصب أعلى، وأهالي معتقلين أملاً في زيارة أو عفو أو تخفيف حكم

لم تخلُ حياة المرأة القوية من المتاعب، فقد لقي بكرها أنور مصرعه في حادث فأشرفت على تربية أولاده الخمسة الذين كانوا أطفالاً. وقد تلقى الذكور منهم، هلال وهائل وهارون، دعم الجدة النافذة غير المحدود، مما جعل من سنيّ مراهقتهم وشبابهم في الثمانينات مرحلة مقلقة في القرداحة واللاذقية، حيث اعتاد السكان على التأقلم مع نزوات أجيال ناشئة متعاقبة من آل الأسد ريثما ينضجون ويهدؤون، منذ السبعينيات وحتى الآن.

لكن الظروف لم تسمح لسليمان بن هلال أن يستهلك اندفاعة شبابه بهذا الشكل «الطبيعي». فقد وقعت تلك الحادثة الشهيرة، عندما أطلق النار على العقيد حسان الشيخ فأرداه قتيلاً لأنه تجاوزه بالسيارة، وضجّ الناس، مما حمل «القصر» على الأمر باعتقاله وتقديمه للمحاكمة. لا تخفي العائلة امتعاضها من «الحنبلية» التي طُبقت على هذا الفتى دون مراعاة لها ولتضحيات والده الذي كان قد «استشهد» قبل أشهر. وهي تؤكد أنه لو كان من كنية أخرى لما عومل بهذه الطريقة القانونية القاسية. لكن للسلطة حساباتها الخاصة برأيهم، فهي تريد الزج بابن الأسد في السجن كنوع من تبرئة نفسها من شبهة الانحياز العائلي، في الوقت الذي تصالح فيه «المسلحون» الذين تآمروا على الوطن وقتلوا «زهرة شبابه».

فقد وقعت تلك الحادثة الشهيرة، عندما أطلق النار على العقيد حسان الشيخ فأرداه قتيلاً لأنه تجاوزه بالسيارة، وضجّ الناس، مما حمل «القصر» على الأمر باعتقاله وتقديمه للمحاكمة.

لا أحد يقدّر هذه المعادلة ويلمس معالم هذا «الظلم» سوى أفراد العائلة وحواشيهم، ممن تابعوا إشاعة الإفراج عن سليمان مؤخراً حتى تبين لهم كذبها بسرعة.

أما هارون فينظر إلى هاتفه ليلاحظ وصول قافلة البضائع التي يحرسها رجاله إلى طريق أثريا، ويتذكر خطورة هذه المنطقة عندما بدأ العمل، يوم كان «المسلحون» ثم داعش يهددونها باستمرار. وكان العناصر، الذين يستعيرهم من ملاك الدفاع الوطني التابع لأخيه هلال، معرضين لمخاطر جادة قد لا تكافئها الأجور التي يحصلون عليها منه. أما الآن فالأمر أسهل بعد أن تم تأمين الطريق، إذ يكفي ذكر اسمه حتى تخبو شهوة التعفيش لدى الفصائل الموالية وحواجز النظام وتكتفي بإكراميات أو حصص مقبولة. غير أن انحسار الخطورة أدى إلى تراجع هذا العمل وخفض عائداته. صحيح أنه الآن اسم معتمد لدى التجار لحماية بضائعهم الواصلة إلى ميناء اللاذقية لكن من يدري ماذا سيحدث غداً؟ قد تُفتح الطرق الداخلية الدولية نتيجة عمليات الجيش الدائرة في إدلب، وعندها عليه أن يبحث عن عمل آخر. ولكن فليستمتع بالعرس الفاخر الآن، فهذا أحد أيام مجده.