من خاط لكم هذه الأقنعة ؟!

2018.10.12 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

نادراً ما يتبادر إلى أذهان متابعي الصراع في سوريا، وخاصةً السوريين، تحليل بعض من المشاهد التي تبدو ظاهرياً غير مهمّة، أو أنها مجرد "إكسسوارات"، ليست ذات قيمة تُذكر، ضمن المعارك القتالية أو العروض العسكرية التي تُبث على شاشات القنوات الإعلامية، العربية أو الأجنبية؛ تلك المشاهد، تتمثّل بالأقنعة السوداء، التي يضعها معظم مقاتلي الفصائل الراديكالية االمتشددة، وأيضاً، بعض من المقاتلين الأجانب،  كعناصر "تنظيم داعش الدموي"، أو "جبهة النصرة"، ومقاتلين  في الحرس الثوري الإيراني وعناصر ضمن ميليشيا "حزب الله" اللبناني. 

هذه الأقنعة السوداء، التي تطمس هوية من يضعها (وجهه)، ليست إلا أسلوباً من الأساليب الوقائية التي يتخذها أولئِك المقاتلون؛ وهنا تأتي المناقضة.. فهم كما يدّعون أنهم أتوا لنصرةِ قضيةٍ سامية: (الإسلام، المراقد الشيعية، دولة الخلافة، نصرة الحق ..إلخ؛) إذن، الذي جاء من بلادٍ بعيدة إلى سورية، ليستشهد أو يموت دفاعاً عن هذي القضايا التي آمن بها وتبناها، لماذا يضع قناعاً على وجهه؟! أليس الجدير به أن يكشف ملامحه للعيان، كونه ابن قضية مصيرية، لربما يموت لأجلها؟ فما نفعُ الأقنعة إن لم يجهر بحقيقةِ أمره وهويته؟ بعيداً عن الذرائع المتداولة بأنه سوف يُلاحق أو يتعرّض للاعتقال أو المطاردة !

ــ فمن يناصر قضية ما، يظنها سامية ويؤمن بها، وهو على استعداد أن يدفع دمه فداءً لها، ويخفي هويته، فهو مجرّد أداة، ورقم عابر سوف تذروه الرياح كقشةٍ مع الغبار. 

هم مشاريع دمار للثورة السورية، يحملون أجندات مخابراتية، من دول خليجية وغربية أرادت أن تفسدَ الحراك السلمي

معظم المقاتلين الأجانب المتواجدين في سوريا، جاؤوا عبر المطارات الدولية، بألبسة أنيقة، وربطات عنق ملونة، ولُحىً مهذّبة أو جرداء. منهم أتى بداعي (نصرة) الشعب السوري، وقد تمّ خداعه وتوريطه بالدمِ كي لا يستطيع العودة، أو التمرد على الفصيل الذي انتمى إليه؛ لكن أغلبهم، وبالأخص القياديين، هم مشاريع دمار للثورة السورية، يحملون أجندات مخابراتية، من دول خليجية وغربية أأرادت أن تفسدَ الحراك السلمي، وتشوّه أهدافه السامية، جنباً إلى جنب مع النظام السوري المجرم، من خلال (أسلمة) الثورة وعسكرتها، ودفعها للانجراف نحو الخطابات الأصولية، وحمل السلاح باسم الدين.

 استفاد نظام الأسد أيما استفادة من هذه الظاهرة الخطيرة، التي اجتاحت الثورة، وبالتحديد حينما بدأت تحارب "الجيش الحرّ"، الذي انبثق كنواة جيش وطني، استطاع قلب الموازين لصالحه في تواريخ كثيرة من عمر الثورة، وكان على مقربة من إسقاط النظام عسكرياً، لولا تدخل هذي الفصائل (الإسلامية)، التي كانت وبالاً علينا، وداعماً مباشراً وغير مباشر مع الإيرانيين  والروس وحزب الله  للنظام السوري، الذي تمكّن من جمع قواه مجدّداً بمساعدتهم، وأصبح  يصدّر للعالم أكاذيبه وادعاءاته، بأنه يحارب "الإرهاب"، والمتشددين الإسلاميين، الذين يهددون حيوات المدنيين و(الأقليات المسيحية وغيرها).

 ومن الفصول القذرة، التي مارسها النظام السوري بحق المدنيين الأبرياء، هي التمهيد لتنظيم "داعش" المتوحش بدخول الأرياف والأحياء المنتفضة في جنوب دمشق، لمساعدته في تفكيك الحراك الثوري، وتمزيق الحاضنة الشعبية هناك للجيش الحر؛ فأصبح تفاوض النظام والروس مع "داعش" علنياً، كمن يفاوض طرفاً له شرعية ! 

في تاريخ 20 / 1 / 2016 تم الاتفاق ما بين تنظيم داعش والنظام السوري والروس، برعاية من الأمم المتحدة، لخروج خمسة آلاف عنصر من التنظيم مع عائلاتهم، من منطقة الحجر الأسود والقدم ومخيم اليرموك في جنوب دمشق، ترافقهم حراسة مشددة من قبل النظام السوري والروس، حتى يصلوا إلى محافظة الرقة شمال سوريا؛ نعم، لقد أدّى هذا الخنجر (داعش) دوره بإتقان، وخدم أسياده عن طريق بعض من القيادات التابعة مخابراتياً للنظام والروس والإيرانيين. والمضحك المبكي، في آن واحد، أنّ الأمم المتحدة تسهل هذه العملية، وتعطيها شرعية، متجاهلةً استعصاء حلولها تجاه المدنيين المحاصرين من قبل الآلة العسكرية الأسدية والروسية والمرتزقة الإيرانيين. 

إن علاقة الأقنعة السوداء، والوجوه المتوارية خلفها، بالنظام السوري والدول التي تدعمه أو غيرها، تلك التي لديها مصالح في سوريا، تعدُّ مشروعاً طويل الأمد، "زواجاً كاثوليكياً"؛ فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وصولاً لاجتياح أفغانستان 2001 وغزو العراق في 2003، أخذت هذه الأقنعة تزداد بكثرة، تحت مسميات عديدة، منها حركات أصولية جهادية عابرة للقارات، ومنها يعمل بطرق خفية لصالح أنظمة دكتاتورية في الشرق الأوسط مثل نظام الأسد. 

فمَا معنى أن تتم عمليات إجلاء لقيادات في تنظيم "داعش"، من قبل مروحيات أمريكية، تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية في محافظتي دير الزور والحسكة ؟

هناك مئات البراهين والأدلة، بل الآلاف، تدين النظام السوري باستخدام العناصر الجهادية في عمليات (استشهادية)، منذ عام 2003 داخل العراق

وبالعودة للشراكة بينها وبين النظام السوري _ التنظيمات الجهادية _ هناك مئات البراهين والأدلة، بل الآلاف، تدين النظام السوري باستخدام هذه العناصر الجهادية في عمليات (استشهادية)، منذ عام 2003 داخل العراق، وتشكيل تنظيمات أخرى في لبنان. كما تمتلك أجهزة النظام السوري المخابراتية قدرة هائلة على صنع هذه القيادات (الإسلامية)، فسجونه كانت تغصّ بأعداد كثيرة منهم، أطلقهم في بداية الثورة السورية بــ"عفو عام" تحت ما يسمى "المرسوم التشريعي رقم "61" لعام 2011".  

إذن، البقعة السوداء، والجانب المظلم لهذي الأقنعة والعناصر الجهادية، باتت واضحة على أجبنة هذه الأنظمة الدكتاتورية، والدول (الديمقراطية)، التي تدّعي محاربة الإرهاب. فكل دولة دخلت في الصراع الدائر ضمن الشرق الأوسط، منذ إعلان "بوش الابن" حربه على (الإرهاب) عام 2001، لديها أجهزتها المخابراتية، التي تحرّك من خلالها قيادات جهادية في دول النزاعات والحروب، لتحقيق مصالحها هناك، وهي مستعدة لصناعة عشرات النسخ من أسامة بن لادن، والزرقاوي وأبو بكر البغدادي، بل أكثر تشدّداً منهم، إن اقتضت مصالحها ذلك. 

نهايةً، توجد هنالك جماعات سياسية (معارضة) في سوريا، وخارجها، وجوههم وحدها أقنعة سوداء، يتخفون وراء أحاديثهم المنمّقة، وتصريحاتهم التي تشبه حقن البنج؛ أولئِك، أشد فتكاً وخطراً  من الأعداء الواضحين! فالنظام السوري القاتل، هو بالأصل غير شرعي، منذ عام 1971، وأصبح أكثر وضوحاً بعدائه، وإجرامه بحق الشعب السوري، المنتفض منذ آذار عام 2011؛ فيا ترى، هل سوف نكشف حقيقة هذه الأقنعة؟ أم أنّ هنالك خلفها ألف قناع وقناع، يحتاج لعشرات الثورات والانتفاضات لتمزيقها؟!