من حوران إلى الجزيرة

2018.07.21 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

نحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على السيناريوهات المحتملة للمحافظات الشرقية السورية في حال فرض النظام سيطرته على الجنوب السوري بشكل كامل، علماً إن المحافظات الشرقية تتشكل من ثلاث محافظات سورية مهمة من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية وهي الرقة ودير الزور والحسكة، وتنتشر فيها نحو 6 قواعد أمريكية على الأقل، وتقع هذه المحافظات عملياً تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية التابعة للعمال الكردستاني.

الهجوم على حوران

ما يزال النظام السوري وبمساندة الطيران الروسي مستمراً بإمطار الجنوب السوري بحمم قذائفه بوحشية اعتاد عليها النظام في تعامله مع الشعب السوري، فالصفقة بين الروس والأمريكيين والإسرائيليين وسلطة الأسد قد تمت، ومنحت بموجبه أمريكا الضوء الأخضر للنظام والروس لبدء الهجوم للسيطرة على حوران مهد الثورة السوريّة. وفي الوقت الذي يعاني فيه أهل حوران أصعب الظروف المعيشية وما يزال الآلاف منهم عالقاً على الحدود مع الأردن من جهة، وعلى حدود الجولان المحتل من جهة أخرى، فإن القصف البربري يزداد عنفاً ليشمل كافة مناطق الجنوب السوري للسيطرة على ما تبقى من حوران.

ماذا بعد حوران؟

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على الساحة السورية، ماذا بعد الجنوب؟

جميع المؤشرات تشير إلى أن النظام في الفترة المقبلة سيتجه نحو المحافظات الشرقية، وسيبدأ بالسيطرة التدريجية على تلك المناطق، في صفقة ليست ببعيدة عن كواليس قمة هلسنكي بين الرئيسين ترامب- بوتين.

هل سيبدأ النظام باستهداف الشمال السوري وتحديداً إدلب ومناطق الباب ومنبج والتي ما تزال تقع تحت سيطرة المعارضة وتقع ضمن مناطق تخفيف التصعيد الذي تتولى تركيا هناك مسؤولية المحافظة عليه، أم أنها ستتجه باتجاه المحافظات الشرقية التي تسيطر عليها ميليشيات "قسد" والخاضعة لدائرة النفوذ "العسكري" الأمريكي؟

جميع المؤشرات تشير إلى أن النظام في الفترة المقبلة سيتجه نحو المحافظات الشرقية، وسيبدأ بالسيطرة التدريجية على تلك المناطق، في صفقة ليست ببعيدة عن كواليس قمة هلسنكي بين الرئيسين ترامب- بوتين. على الرغم من أن النتائج المعلنة للقمة لم تشر للتفاصيل التي تم الاتفاق عليها بخصوص الملف السوري، لكن التوقعات تذهب باتجاه أن الطرفين الأمريكي والروسي متفقان على عدم السماح للنفوذ التركي بأن يمتد إلى شرق الفرات، وأن الأمريكيين يفضلون السير باتجاه ما أعلن عنه ترامب سابقاً بالانسحاب من سورية بعد ضمان خطة طويلة الأمد للحفاظ على أمن اسرائيل، إضافة إلى إبعاد إيران عن الساحة السورية وعدم السماح لها أيضاً بالبقاء في الجنوب السوري أو في حوض الفرات، وبالتالي سيفضل الأمريكان دخول النظام السوري للمنطقة والابتعاد عن الإحراج التركي بهذا الصدد، خاصة وأن النظام ما يزال يحتفظ ببعض قواعده الأمنية والعسكرية في المحافظات الشرقية، إضافة إلى بقاء بعض المرافق الحيوية كالمطار في القامشلي والدوائر الحكومية والمحاكم ودائرة الجوازات والمربعات الأمنية والمقرات الحزبية التابعة لحزب البعث الحاكم وغيرها بيد النظام، وبالتالي لن تكون عودة النظام السوري على سياق ما حدث في حوران أو الغوطة عبر استخدام الحل العسكري، بل سيكون عبر تعزيز وجوده تدريجياً، وعودة سيطرته التدريجية على باقي الدوائر الحكومية والمدارس والمرافق الحيوية كحقول النفط والمعابر الحدودية التي تقع تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية التابعة للعمال الكردستاني.

موقف " قسد" من المشهد

مايزال هناك وهم شديد لدى شريحة من الأكراد تناصر بشكل (عاطفي) العمال الكردستاني في سورية، دون أن يكون لأي منهم الاستعداد لمواجهة الحقيقة المرة المتمثلة بأن النظام السوري هو من صنع العمال الكردستاني عملياً، وساهم في دعم جميع نشاطاته بين عامي 1982-1998م ، ثم أعاد استخدامه خلال الثورة السورية تحت مسمياته الجديدة (حزب الاتحاد الديمقراطي، قوات حماية الشعب، قوات سورية الديمقراطية).  أجهزة المخابرات السوري كانت مسؤولة لعقود عن الكردستاني وقدمت له الدعم اللوجستي وساهمت خلال الثورة السورية بتدريبه عسكرياً ومنحه الذخائر والأسلحة المتوسطة والثقيلة باعتراف النظام السوري بحضور صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي في مؤتمر موسكو. وبالتالي مظاهر التحالف مع أمريكا واستلام السلاح منها تحت عنوان "الحرب على داعش" لم يكن أبداً بعيداً عن مخطط أمريكي يتوافق مع الرغبة الروسية والنظام معاً وحاجتهما للتفرغ لقمع المعارضة والجيش الحر في مدن وبلدات الداخل السوري، وبالتالي يتم استخدام قوات سورية الديمقراطية، التي يدرك قادتها الحقيقيين المتواجدين في قنديل بأنهم ورقة مأجورة، لكن ربما بعض الواجهات السورية التي تعمل ضمن فلك العمال الكردستاني، توهمت بأن الدعم الأمريكي العسكري لها قد يفضي إلى أن يكون لهم كيان أو إدارة ذاتية للمناطق التي سيطروا عليها على غرار الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق، وبالتالي بدأت هذه الميلشيات بنشر شعارات فضفاضة عن الديمقراطية، وحقوق المرأة تم اقتباسها من المؤلفات التي أصدرها أوجلان في سجنه، والتي بموجبها تم الإعلان عن تشكيل جميع الهيئات وفق مفاهيم ولغة أوجلان، فبدأت تظهر مصطلحات مثل "الأمة الديمقراطية، الدفاع الذاتي، الكومونات، الكانتونات، قوات حماية المرأة، بيت الشعب، مؤتمر الشعب، منظومة المجتمع الكردستاني، المجتمع الإيكولوجي ..إلخ"  وكلها مصطلحات مقتبسة من مؤلف أوجلان "مانيفستو الحضارة الديمقراطية".

يبدو أن الإدارة الأمريكية حزمت أمرها أخيراً باتجاه تحسين العلاقات مع تركيا، يتضح ذلك من خلال عقد اتفاقية مع تركيا تسمح بموجبها للأخيرة بالسيطرة على منبج، وكذلك الضوء الأخضر الأمريكي لتقوم تركيا والمعارضة السورية بالسيطرة على عفرين، هذه التطورات قد جعلت العمال الكردستاني يدرك أخيراً بأن أحلامهم بأن العباءة الأمريكية ستمنحهم أكثر مما منحهم النظام وتجعلهم يخرجون عن عباءته هي أوهام وأضغاث أحلام، وبالتالي لم يتأخر العمال الكردستاني ممثلاً بسوريا اليوم بما يسمى مجلس سوريا الديمقراطية " مسد" بأن يعلن عن رغبته بالتفاوض وبدون شروط مسبقة مع النظام السوري، بعد أن هدد الأخير بالقيام بتحرك عسكري للسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات العمال الكردستاني. هذا الإعلان لم يأت نتيجة الصدفة، لكنه جاء بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية التي نصحتهم بالبدء بتمهيد الجو العام للقبول بعودة تدريجية مع النظام.

عودة النظام و نهایة ورقة الـ PKK

بدأت الميليشيات التابعة للعمال الكردستاني في سورية بإزالة صور أوجلان،

بدء هذه الميليشيات بالانسحاب من مناطق وتسليمها للنظام  يعتبر بداية الانكماش أو نهاية الدور الذي كانت تلعبه هذه القوات.

والأعلام والرايات وصور ضحاياهم في عدة مناطق وبلدات وأحياء تسيطر عليها في المحافظات الشرقية وبشكل خاص محافظة الحسكة، في خطوة جديدة أعقبت الإعلان عن استعدادهم للتفاوض، وربما كان ذلك شرطاً فرضه نظام الأسد عليهم للقبول بهذه المفاوضات، ففي حين تؤكد المصادر التابعة للنظام السوري بأنه بدء بتسلم أحياء من ميليشيات قسد بعد إزالة الصور والشعارات منها مثل حي النشوة في الحسكة التي تم بالفعل رفع العلم السوري فيها، فإن ميليشيات قسد تؤكد على أن هذه الخطوة جاءت تلبية لدعوات أمريكية بالقيام بهذه الخطوة، وأياً يكن السبب، فإن بدء هذه الميليشيات بالانسحاب من مناطق وتسليمها للنظام  يعتبر بداية الانكماش أو نهاية الدور الذي كانت تلعبه هذه القوات.

وكان القائد العسكري في الحسكة قد أعلن وصول دفعة جديدة مؤلفة من 50 عسكرياً جديداً من منطقة (الدريج) إلى مطار القامشلي لإكمال خدمتهم العسكرية في المحافظة ضمن أفواج جيش النظام المتواجدة في المحافظة. وفي آخر تطورات المشهد، فقد كشفت الرئيس المشترك لـ «مجلس سورية الديموقراطية» (مسد) إلهام أحمد، عن مفاوضات بين النظام والمجلس المحلي لمدينة الطبقة التابع لـ «قسد» لإعادة خبراء وموظفي النظام إلى سد الطبقة (الفرات) في محافظة الرقة. وقالت: «نحن لم نسلك طريق العسكرة لحل قضايانا مع النظام بل الحوار كان خيارنا الأصح لحل كافة القضاي». وحول طبيعة المفاوضات أوضحت: «هناك محادثات تجري بالمستوى المحلي، بين مسؤولين عن المؤسسات الخدمية من طرف النظام ومسؤولين في المجالس المحلية لمدينة الطبقة ومؤسساتها الخدمية، يتم التفاهم فيها على أن يعود موظفو السد القدماء والخبراء للعمل مع إدارة السد التابعة للإدارة المدنية للمدينة، وإعادة تأهيل السد واصلاح أعطابه».

تتزامن هذه التصريحات مع محاولات لإظهار بأن الأمور ما تزال تحت سيطرة قوات قسد ومجلسها السياسي ( مسد)، الذي كان قد أقام قبل أيام مؤتمره الثالث في مدينة الطبقة في محافظة الرقة تحت شعار" نحو حل سياسي وبناء سوريا لا مركزية ديمقراطية"، أكد من خلال بيانه الختامي على وحدة مصير الشعب السوري ومتحدثاً عن الشعب، وقد  كشفت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، إلهام أحمد، بعد المؤتمر بأن المرحلة المقبلة ستشهد افتتاح مكاتب لمؤسساتهم في دمشق وباقي المدن السورية، وسيمارسون عملهم من خلالها.

ليلى مصطفى الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني، أوضحت أن عقد المؤتمر الثالث لمجلس سوريا الديمقراطية في مدينة الطبقة هي رسالة لجميع العالم بأن سوريا موحدة، وأشارت إلى أن مجلس سوريا الديمقراطية ومنذ تأسيسه دعم الشعب السوري من خلال جناحها العسكري قوات سوريا الديمقراطية، التي حررت العديد من مناطق شمال سورية من الفكر الإرهابي.

كل هذه التصريحات تأتي ضمن تهيئة القاعدة الشعبية لعودة النظام بشكل رسمي، ومحاولة أن تكون هذه العودة تدريجية تضمن بقاء أطول لهذه الميليشيات ضمن منطقة ترفع فيها أعلام النظام  وربما أيضاً تكون ضمانة بعد الانسحاب الأمريكي المرتقب من سوريا لتجنب التدخل التركي المباشر ضدهم، وبالتالي كسب المزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراقهم في ظل التطورات الجديدة في المنطقة بعد فوز أردوغان وعودة مرتقبة للعلاقات بين الدول الغربية وتركية، والتي لا ترغب بخسارة تركيا ودفعها لخيارات أخرى كروسيا والصين وإيران.