من الأحمق؟

2019.03.25 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تقوم منظمة حماس بتعذيب معارضيها ومواجهة الاحتجاجات الشعبية ضد الظروف المعيشية في قطاع غزة المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي من جهة ومن قبل حلفاء المصالح الإقليمية المشتركة في مصر من جهة ثانية. أما السلطة الفلسطينية في بعض أحياء رام الله وتوابعها، فهي تكثّف تعاونها الأمني المجمّد نظرياً لمساعدة سلطات الاحتلال التي تستبيح جميع نواحيها بهدف اعتقال من يقاوم احتلالها المستمر والمتوسع عبر الاستيطان العابر لمناطق السلطة الشكلية لأبو مازن.

من جهتهم، يتحضّر القادة العرب لعقد قمة "تاريخية" في تونس نهاية هذا الشهر. قادة

ستكون القمة بالتأكيد مرتعاً لتبادل المباركات بنجاح الثورات المضادة في عدد من الدول التي عرفت ربيعاً موؤوداً

ماكثون على صدور شعوبهم وأنفاسهم ومستقبلهم وتطلعاتهم ومصيرهم منذ انتهاء الاحتلال والاستعمار والانتداب، وبدء محاولة إنشاء الدولة الوطنية التي غالباً ما فشلت، ومعها العقد الاجتماعي الذي تم الإجهاز عليه في حالته الجنينية. وستكون القمة بالتأكيد مرتعاً لتبادل المباركات بنجاح الثورات المضادة في عدد من الدول التي عرفت ربيعاً موؤوداً. وستناقش بعض الجلسات الجانبية، أنجع الوسائل لإجهاض مما لازال يقاوم منها، كما هو الحال في البلد المستضيف تونس. كما سيسعى القادة في جلسات جانبية أيضاً إلى استعراض ما يحصل من احتجاجات في السودان وفي الجزائر، مبدين تأييدهم للقيادات الحاكمة "الشرعية" بنظرهم في البلدين. إلى بحث أفضل السبل للحد من الآثار "السلبية" عليهم من الربيع الجزائري الممتد.

على هامش القمة المنتظرة من لا أحد، بعد تجارب عشرات القمم العربية التي سبقتها، سياسياً واقتصادياً وثقافياً. الخ، سيجتمع الأصدقاء العاملون في أجهزة المخابرات فيها لإيجاد أنجح السبل لإجهاض كل تطلعات الشعوب نحو حريتها وكرامتها وازدهارها. وستتمخّض اجتماعاتهم عن نتائج باهرة في عنفها وفي خبثها، وسيكون المواطن العربي أو من في جواره، عرضة في القريب العاجل لأشد أنواع الاستبداد المتحرر من كافة القيود الأخلاقية دولياً ومحلياً. وستقوم دولٌ بعينها، تستحوذ على ثورات هائلة، بتسخيرها للحد من توجه الشعوب نحو الخلاص وللمساعدة في عودة الاستبداد إن هو غاب عن بعض العواصم أو تعزيز سطوته إن ضعفت إزاء مطالب واحتجاجات اجتماعية واسعة.

ستُنجب هذه القمة بياناً يتلوه أمين عام مؤسستها الرسمية المفرغة من أي محتوى ونشاط، والمقصود طبعاً الهيكلية الهلامية المسماة بالجامعة العربية. أمينٌ عامٌ من رموز النظام القديم الذي انقلب عليه الشعب المصري قبل أن تُسرق فرحته بانقلابٍ عسكري.

أما دول الشمال الأوروبي، وفي تناقض غريب مع مبادئها وقيمها المعلنة على أقل تقدير، فقد دأبت على مساندة الإرهاب السلطوي في دول الجنوب والذي يهددها ببراعة دائمة، إن هي ترددت، بإرهاب إسلامي منفلت من قيوده. وهي أيضاً تبحث عن الاستقرار ومنع الموجات الجديدة من اللاجئين إن تعرضت هذه الأنظمة لمحاولات الاخلال بهيمنتها. علماً بأن هذه الدول الغربية التي تستمر في دعم المستبدين وتعزز من سيطرتهم وتبيعهم السلاح الفتاك، تعرف، ومن خلال مراكزها البحثية وعقولها السياسية، بأنها ستدفع عاجلاً أم آجلاً ثمناً باهظاً لسياساتها قصيرة النظر هذه والناجمة عن بعد سلبي في العملية الديمقراطية والتي لا مناص منها وهي الانتخابات. فجميع القادة الأوروبيين يسعون الى تجديد انتخابهم ـ ديمقراطياً طبعاً ـ منذ وصولهم الى مواقهم، فيبنون مجمل سياساتهم، وخصوصاً الاقتصادية منها، على آجال قصيرة بقصد إرضاء الناخبين. وبما أن الرهاب من اللاجئين ومن المهاجرين صار

في موسكو، يخرج الدب الروسي من سباته النسبي ليعود ممارساً لغة القوة التي جرب من خلالها أسلحته التدميرية الجديدة في سوريا أولاً، ليكتسح إفريقيا

نغمة شيطان المجموعات الشعبوية، فنحن نرى بعض الحكومات تلحق بالركب وتحاول أن تعد بتقلص إمكانيات استقبال المهاجرين الجدد. كما أن الرهاب من الإسلام المتنامي، يستدعي أن تقوم الحكومات الغربية أيضا بإجراءات تجميلية لموقفها غير المحبب من اليمين المتطرف سعياً لسرقة ناخبيه. فتتوسع أسواق المزايدات.

وفي موسكو، يخرج الدب الروسي من سباته النسبي ليعود ممارساً لغة القوة التي جرب من خلالها أسلحته التدميرية الجديدة في سوريا أولاً، ليكتسح إفريقيا، مهدداً بذلك السيطرة التقليدية للدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، من خلال نشر مرتزقة الكرملين الرسميين في السودان، وتأمين حماية رئيس جمهورية افريقيا الوسطى، في سعيٍ دؤوب للحصول على ثروات هذه القارة المنهوبة منذ قرون. ولسان حال فلاديمير بوتين، لماذا ينهبها المستعمرون التقليديون ونبقى متفرجين؟ ويصل جنود موسكو إلى أميركا اللاتينية لحماية مستبدين موالين لهم، في صيغة توسع إمبريالي جديد لموسكو تُضاهي الإمبريالية الغربية التقليدية التي ما فتئ يساريو العرب البافلوفيون يواجهونها.

على هامش كل هذا الضياع والتخبّط، وفي مسارٍ متوازٍ مع استمرار القمع العربي الوظيفي الدامي في عديد من البلاد، يطلع علينا دونالد ترامب، الذي تمت تبرئته من قبل قضاء بلاده من أية شبهة استفادة من الروس للوصول الى البيت الأبيض، ليُقدّم هدية غالية لعشيقته إسرائيل، فيقرر بأنه سيعترف بسيادة تل أبيب الكاملة على مرتفعات الجولان المحتلة منذ 1967 بعد هزيمة مشكوكٌ في حيثياتها حتى اليوم.

يصمت جميع العرب، وسيتلون بالتأكيد في بيانهم التونسي بنداً مندّداً وشاجباً، وسيُعزّز بنيامين نتنياهو موقفه المهتزّ عشية الانتخابات الإسرائيلية. ويخرج علينا من يقول: ترامب الأحمق. لكن الأحمق الحقيقي في مكان آخر من هذا المقال.