من استعصاء المطرقة والسندان إلى الحل

2018.10.04 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تجد روسيا صعوبة جمّة في ترجمة إنجازها العسكري في سوريا إلى نصر سياسي؛ ويعود ذلك إلى نهجها التكتيكي الاستعراضي المستند إلى قرارات تصدرها رؤوس حامية؛ لا إلى النهج الإستراتيجي الذي يقارب المسألة السورية آخذاً بعين الاعتبار جوهر القضية السورية كصراع بين شعب انتفض من أجل الحرية ونظام مستبد اتخذ قراره بحكم البلاد أو تدميرها وهذا ما أملى على روسيا التماهي بل التفوق على وحشية النظام تجاه السوريين.

ومع تدخلها العسكري في الربع الأخير من عام 2015، استطاع فعلها العسكري عبر القناة "الأستانية" بما سُميً "خفض تصعيد" أن يعيد إلى سيطرة النظام الشكلية عدداً من المناطق التي انهزم منها. وأخيراً وصل قطار القتل العسكري الروسي المدعوم بإيران وميليشياتها وما تبقى من "حماة الديار" للنظام إلى بوابة إدلب كمنطقة "خفض تصعيد" "أستانية" رابعة، لتفشل قمة ثلاثية في طهران في ضم هذه الرابعة إلى حلب وحمص وريف دمشق ودرعا؛ وليُتبَع ذلك بقمة ثنائية روسية-تركية، ويكون "اتفاق إدلب" الاضطراري الروسي بعد تحييد إيران من المشهد سياسياً وإبقائه ميدانياً كبعبع ينتظر لحظة الانقلاب على الاتفاق روسياً مع إدراك العالم وروسيا أيضاً أن إدلب استثناء لا شبيه له في خارطة تدخلها العسكري.

يحول دون إنجاز روسيا مخططها جملة من العوامل المستأصلة في الحالة الإدلبية؛ والتي تميّزها عن غيرها من المناطق التي استطاعت روسيا افتراسها. على رأس هذه العوامل اهتزاز ذريعة "الإرهاب" التي طالما اتخذتها روسيا حجة كي تفعل فعلها العسكري. في إدلب هناك تماهٍ بين المقاتلين والبيئة السكانية الإدلبية، وعدد الغرباء يكاد لا يُذكر، ومعظم الموجودين في منطقة إدلب سكان سوريون هُجروا من بيوتهم من مختلف المحافظات السورية، ويصعب أن يضعهم الروس والإيرانيون والنظام أمام خيارات: /الجوع أو القتل أو الرحيل/ كما باقي المناطق السورية. منطقة إدلب لن توفر لأصحاب مخطط الهجوم وسطاء أو "ضفادع" كي يهزموا المنطقة داخلياً. عامل حاسم ثالث يتمثل بعدم وجود إدلب أخرى ليتم ترحيل الخلق إليها؛ فما أمام "الغرباء" مثلا إلا القتال حتى الموت. وما أمام الفصائل المعتدلة إلا الدفاع عن النفس حتى النهاية. وهذا ما يضع الغزاة أمام احتمال هزيمة كارثية تأتي على ما أُنجز عسكرياً، وتحرم الروس من أي جنىً سياسي.

بالنسبة لروسيا تشكل إدلب لحظة حقيقة ولحظة للخيارات الصعبة؛ فهي إن لجمت الفعل العسكري ستكون في مواجهة مباشرة مع إيران والنظام

إضافة إلى تلك العوامل التكوينية للحالة الإدلبية، هناك جملة من العوامل التي تحول منطقياً دون ارتكاب هكذا حماقة ترضي طموحاً واهياً خلبياً للنظام، ومخططاً يائساً خبيثاً لإيران. هناك أيضاً الموقف الدولي الذي وقف على رؤوس أصابعه محذراً ورافضاً لأي عمل عسكري؛ وهناك الموقف التركي الذي هدد بدبلوماسية أن يقلب الطاولة على "أستانة" معلناً بصمت استنفاراً عسكرياً لاعتبارات تتعلق بأمنه القومي.

بالنسبة لروسيا، تشكل إدلب لحظة حقيقة ولحظة للخيارات الصعبة؛ فهي إن لجمت الفعل العسكري، ستكون في مواجهة مباشرة مع إيران والنظام، حيث وعدتهما بـ "سيطرة النظام على الجغرافيا السورية"؛ وإن فلّتت الخيار العسكري، ستجد نفسها في مواجهة العالم، وعلى رأسه تركيا التي ستواجه حتماً. وخيارها الآن بين مطرقة النظام وإيران من جانب، وسندان تركيا والسوريون الذين سيدافعون عن إدلب من جانب آخر. روسيا بين كسب تركيا وزحزحتها من بناء حلف "الناتو" أو الالتصاق بنظام لا يمكن لقوة في العالم أن تبقيه مكانه بسبب ملفات الإجرام المتراكمة على كاهله، وإيران ككيان مارق يكاد العالم أن يخنقه.

المخرج أمام روسيا واضح؛ هناك عملية سلام تخص سوريا لا بد من الولوج بها استراتيجياً لا تكتيكياً كديدن روسيا حتى الآن. فالقرارات الدولية حول سوريا، والتي شاركت روسيا بصياغتها، لا تزال بانتظار الإرادات الصادقة للتطبيق. جرى واختارت روسيا المسألة الدستورية؛ وكان تشكيل لجنة دستورية أحد مخرجات مؤتمر سوتشي؛ فليس هناك من مبرر حتى تحاول روسيا تلبية متطلبات النظام المريضة لتكون اللجنة ظاهرة تجميلية ديكوريه لإجهاض الحل السياسي. فلا الثلث الثالث المكلف "دي مستوره" بتشكيله من سوريين تقنيين ومجتمع مدني وغيره يجب أن يكون لصالح المعارضة أو النظام ولا رئيس اللجنة يجب أن يكون من النظام، ولا آلية اتخاذ القرارات في اللجنة يجب أن تكون خاضعة لمزاج النظام وأهوائه، ولا الأمم المتحدة- التي شرعنت انعقاد سوتشي أساساً- يجب أن تكون خارج عمل اللجنة أو لا علاقة لها بها. من جانب آخر، لا بد أن تكون اللجنة الدستورية التي لا يمكن اختصار الحل السياسي بها إلا البوابة التي من خلالها يتم الولوج بالعملية السياسية عبر تنفيذ القرار 2254 بكل بنوده. هكذا يكون الخروج من وباء الحرب وحصد الجنى السياسي.