ملاحظات أساسية حول قمة إسطنبول الرباعية

2018.11.03 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

القمة الرباعية التي عقدت في إسطنبول السبت الماضي وجمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وركزت على القضية السورية ومستجداتها كانت لافتة وحافلة بالدلالات بمجرد طرحها كفكرة إلى حين انعقادها بشكل فعلي. أما الحديث عن النتائج التي تمخضت عنها بالمعنى الحرفي  للكلمة، أي ما أنتجته من بيان ختامي فلا يتعلق الأمر أبداً بتداعيات فورية على الأرض في سوريا. كما فهم أو تصور البعض، وإنما كانت أيضاً معبرة عن دلالات نوايا ومواقف مرتبطة بنظرة تلك الدول فرادى ومجتمعين إلى القضية السورية وتطوراتها.

بداية لا بد من الإشارة إلى أن القمة كانت مقررة في الأسبوع الأول من شهر أيلول الماضي إلا أن التطورات المتسارعة في إدلب حتمت عقد قمة ثلاثية في طهران لأعضاء عملية آستانة ثم قمة ثنائية روسية تركية في سوتشي حول الملف نفسه، ما أدى إلى تأجيلها إلى نهاية تشرين أول والاستعاضة عنها مرحلياً باجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع عقد أيضاً في إسطنبول من أجل تبادل الآراء كما تحضير جدول الأعمال للقاء الزعماء بعد ذلك.

القمة كانت لافتة إذن ليس بمن حضر فقط، إنما بمن غاب، حيث عقدت بدون أمريكا وإيران وهما لاعبان أساسيان أو بالأحرى أحدهما لاعب مركزي وأساسي في سوريا والمنطقة بشكل عام، بينما إيران المتراجعة تحولت إلى لاعب ثانٍ، وحتى احتياطي لروسيا في سوريا، وتحديداً في نصف أراضيها المحتلة من قبل النظام، كما لأمريكا نفسها في العراق.

غياب إيران مبرر، وحتى مفهوم، فهي تبدو جزء من الأزمة وليس الحل في سوريا والمنطقة، ولا يقل عن ذلك أهمية أن عملية آستانة الثلاثية التي تضمها هي في الحقيقة عبارة عن 2+1 أي روسيا وتركيا معهما إيران، وهذه الأخيرة مارست البلطجة بالمعنى الحرفي والفعلي للكلمة للالتحاق بها أثناء معركة أو جريمة حلب نهاية العام 2016، وهو ما اتضح جلياً دون تحريف أو تجميل في معركة إدلب الأخيرة التي تم التوصل إلي حل لها أو نزع فتيلها بتفاهم تركي روسي مباشر في سوتشي بعيداً عن إيران التي فشلت قمتها الثلاثية قبل ذلك  في التوصل إلى حل مماثل رغم أنها عقدت قبل أيام فقط من قمة سوتشي.

القمة كانت لافتة إذن ليس بمن حضر فقط، إنما بمن غاب، حيث عقدت بدون أمريكا وإيران وهما لاعبان أساسيان أو بالأحرى أحدهما لاعب مركزي وأساسي في سوريا والمنطقة

روسيا المفترض أنها حليفة لم تتأثّر من غياب إيران عن القمة، أعتقد أنها تعمدت ذلك، كما في ملف إدلب لإرسال رسالة مزدوجة للغرب، وحتى لإيران نفسها لجعلها أكثر انصياعاً لرغباتها ومواقفها في سوريا.

غياب أمريكا يبدو أيضاً مفهوم ويمكن شرحه بسهولة فهي على علاقة متوترة مع تركيا وروسيا، ورغم أنها القوة المركزية الأساسية والتي تمسك أكبر عدد من الخيوط في سوريا، إلا أنها لا تملك تصورا محددا للحل أو لعملية التسوية فيها، وباستثناء الحديث عن محاربة الإرهاب لا شيء صريح وواضح في الموقف الأمريكي، حيث تبدو أنقرة منزعجة من رعاية واشنطن لتنظيم بي كاكا السوري الذي تعتبره إرهابياً بصفته الذراع المحلى للتنظيم الإرهابي الأم في تركيا، كما أن أنقرة منزعجة ومرتابة من انفتاح واشنطن على الأفكار التقسيمية وكلامها الضبابي عن وحدة سوريا سلامة أراضيها، الأمر الذي تعتبره جزءا من أمنها القومي ومصالحها الحيوية في المنطقة، في السياق الروسي الأمر مختلف نوعا ما حيث انعكس الخلاف مع أمريكا تجاه ملفات أخرى على الشأن السوري، كما أن موسكو قلقة من تعمد واشنطن استنزافها أكثر في القضية السورية وتعقيداتها، مسارعة أوروبا إلى التحرك هي أيضاً مفهومة وتعبّر عن تباين مع الإدارة الأمريكية وتحفظ على بعض سياساتها من جهة. والسعي لملء الفراغ الأمريكي في القضية السورية من جهة أخرى، خاصة مع  امتداد أثارها إلى أوروبا القريبة - أمريكا بعيدة – كما للتوجس من  تداعيات معركة إدلب والتي نجحت أنقرة في شرحها والتحذير من مخاطرها على الأمن في المنطقة وعلى أوروبا نفسها في الملفين الأكثر حساسية بالنسبة لها أي اللاجئين والإرهاب.

خلفيات غياب إيران وأمريكا مثلت فى الحقيقة حيثيات أو دوافع لعقد القمة الرباعية، إضافة لأمرين مهمين رغبة تركيا في توسيع الدائرة خارج الإطار الثنائي بينها وبين روسيا، وحتى الثلاثي مع إيران، وإيمانها أن الدول الأوروبية أقرب إليها في نظرتها تجاه الحل السياسي النهائي في سوريا، بينما تبدو موسكو مقتنعة باستحالة الخروج من المستنقع أو الرمل بل الرمال السورية المتحركة دون حضور قوي لدول غربية مؤثرة سياسياً واقتصادياً.

قبل الحديث عن النتائج أو البيان الختامي يمثل انعقاد القمة نفسها تأكيدا على مكانة تركيا الإقليمية حضورها كلاعب أساسي ومركزي في القضية السورية تحديداً لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، وهذه المكانة ستساعدها للتأثير على مجريات الأمور كما الحل السياسي المستقبلي كي لا يتعارض مع مصالحها الحيوية المتساوقة في جوهرها مع مصالح الشعب السوري وقواه الحية.

تزامن القمة مع رحيل المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا كان لافتاً أيضاً وذا مغزى، الأمر ليس مجرد مصادفة زمنية، وإنما تعبير عن الشروع في مرحلة جديدة

فيما يتعلق بالنتائج أو بالأحرى البيان الختامي، فقد جاء معبراً عن القواسم المشتركة بين القوى الأربعة لجهة الحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب، مكافحة الإرهاب والجماعات والأفكار الانفصالية والتمسك بوحدة سوريا وسلامة أراضيها، والتأكيد على الحل السياسي وفق قرارت الأمم المتحدة، والإصرار على عودة طوعية وآمنة للاجئين دون ضغوط أو تهديدات مع الدعوة إلى تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة صياغة دستور جديد للبلاد قبل نهاية العام الحالي.

مثّل الحصول على غطاء دولي لاتفاق إدلب نجاحاً كبيراً لتركيا، وبالتأكيد ضربة للنظام وحلفائه، ما يعنى تحصين للاتفاق وجعل تجاوزه أو نقضه من الصعوبة بمكان أمام كل من يفكر في فعل ذلك. الرئيس أردوغان أشار صراحة ومباشرة بعد القمة إلى قطع الطربق أمام من قد يستخدم النظام أو داعش للتشويش على الاتفاق وإفشاله، وهو كان أصلاً نصراً كبيراً للثوار والمدنيين في المحافظة من أبنائها والنازحين إليها.

لا خلاف على النقاط الأخرى غير أن البند الذي أثار الاهتمام كان ذاك المتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية، وهو لا يعني اختصار الحل السياسي بها من وجهة أنقرة، وحتى برلين وباريس، وإنما اعتبارها مدخلا للحلّ السياسي الشامل، علما أن الطبع سيغلب التطبّع من جهة النظام العصابة كونه يفهم المعنى الحقيقي لها.

 المغزى الأساس لقمة إسطنبول لا يقتصر فقط على محاولة ملء الفراغ الأمريكي، وعدم انتظارها مع حثّها للعودة إلى الإجماع الدولي، وإنما يمتد الى تجاوز عملية سوتشي التي حاولت روسيا من خلالها فرض حلّ سياسي يتلاءم مع الوقائع التي فرضتها باحتلالها. هنا يجب الانتباه إلى أن أنقرة سايرت موسكو في عملية آستانة – سوتشي، لكن دون تقديم أي تنازلات جوهرية، قد تؤثر على مآلات الحل وآفاقه المستقبلية في سوريا، والآن يفترض أن يمثل حضور قوي دولية وغربية أخرى مساندة لتركيا في مواقفها الداعية إلى حلّ سياسي جدّي لا يعيد تعويم النظام أو يتجاوز جوهر وروح قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها بما في ذلك الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي واستقرار سوريا.

تزامن القمة مع رحيل المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا كان لافتاً أيضاً وذا مغزى، الأمر ليس مجرد مصادفة زمنية، وإنما تعبير عن الشروع في مرحلة جديدة، مرحلة ما بعد دي مستورا ما بعد آستانة- سوتشي أيضاً.