icon
التغطية الحية

مع كل هذه الترسانة الروسية.. هل كان بإمكان الثوار أكثر مما كان؟

2018.09.30 | 17:09 دمشق

الطائرات الروسية في مطار حميميم العسكري في اللاذقية (إنترنت)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

ستسقط خلال أسبوعين

بعد عام ونصف من إعلان روسيا تدخلها في سوريا وموافقة البرلمان على نشر قوات عسكرية خارج البلاد، جاء تصريح وزير الخارجية سيرغي لافروف في السابع عشر من كانون الثاني 2017 بأن " العاصمة دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين" لولا تدخلهم؛ ليعيد لافروف إلى الأذهان معركة "الله غالب" التي أطلقها جيش الإسلام في الثامن من أيلول عام 2015، وسيطر فيها خلال 3 أيام على سلسلة الجبال التي تحاصر الغوطة الشرقية من جهة القلمون الغربي وهيئة الأركان الاحتياطية فيها.

لتشهد السلسلة على مدار شهرين بعد ذلك هجوماً عكسياً من قبل النظام بغطاء جوي روسي كثيف أدى إلى انسحاب جيش الإسلام من المنطقة الاستراتيجية التي تهدد العاصمة دمشق.

شاهد المقاتلون للمرة الأولى الطائرات الروسية الأحدث السوخوي 24 وسوخوي 25 وسوخوي 27 وسوخوي 30 وسوخوي 33 وسوخوي 34 وسوخوي 35، بعد أن اعتادوا على ضربات طائرات النظام القديمة من ميغ 21 وميغ 23 وسوخوي 22.

 

SU-24

 

SU-34

 

كانت القدرات الجوية التي زج بها الروس في سوريا حاسمة في الكثير من المعارك بدءاً من "الله غالب" وليس انتهاء بمعارك الجنوب السوري، ولا يقتصر تأثير الضربات العنيفة على الطائرة الحديثة نفسها فقط والتي تقدر على حمل ما يصل إلى 8 أطنان من الذخيرة، إنما على الصواريخ الذكية أيضاً ذات التقنيات الأكثر تطوراً في العالم وما يردفها من رادارات وأنظمة توجيه وطائرات استطلاع من دون طيار من نوع أورلان بإصداراتها المختلفة، تمسح ميدان المعركة وتحدد نقاط الدفاع لدى الفصائل لضربها لاحقاً.

حلب الميدان الأكبر جغرافياً

في أيلول من عام 2015، كان النظام قد ثبّت نقاطه في منطقة الملاح شمال مدينة حلب في النقطة الأقرب لطريق الكاستيلو، الطريق البري الأخير لأهالي المدينة، في الوقت الذي بدأت معركة بين الفصائل ووحدات حماية الشعب في حي الشيخ مقصود المطل على الطريق نفسه، وكانت الميليشيات الإيرانية وقوات النظام قد بدأت منذ منتصف أيلول 2015 باستقدام التعزيزات الضخمة لبدء معركة ريف حلب الجنوبي.

وضيّق حينها تنظيم الدولة الخناق أكثر على مناطق سيطرة الجيش الحر في ريف حلب الشمالي بعد أن سيطر على بلدة صوران والبل وأم حوش وصولاً إلى بلدي حربل وتلالين، ليتبقى للحر بضع بلدات إلى جانب مدينتي اعزاز ومارع.

في نهاية العام 2015 وصلت قوات النظام إلى تل العيس على الطريق الدولي دمشق – حلب بعد شهرين من بدء معركة ريف حلب الجنوبي، وهنا كان الحضور الروسي قوياً وحاسماً من خلال أسراب متتالية من طيران القاذفة سوخوي 24 وسوخوي 30 التي كانت أقل سربا حينها مكوناً من 4 طائرات تحمل السوخوي 30 الواحدة منها 8 قنابل غير موجهة من نوع FAB-500 أو 6 قنابل من نوع KAB- 500، وبذلك دُعم النظام بغطاء جوي أكثر تدميراً بأضعاف عن البراميل المتفجرة التي تصنعها معاهد البحوث العلمية لدى النظام والتي تلقيها طائرات الهلكوبتر التي لا تستطيع حمل أكثر من 4 براميل متفجرة.

 

 

 

وإلى جانب أسراب الطيران الحديث، زج الروس براجمات الصواريخ من نوع سميرتش (BM-30 Smerch) في الميدان الحلبي لتعزيز سياستها في الأرض المحروقة، هي منظومة صاروخية بعيدة المدى تستخدم لتدمير الأهداف الجماعية بدقة لا تقارن مع راجمات النظام من نوع غراد ولمدى يصل إلى 90 كم، بأنواع مختلفة من الصواريخ الانشطارية والعنقودية المخصصة للأفراد والعنقودية الذكية المخصصة للمدرعات حيث ينفجر الصاروخ على ارتفاع قريب من الأرض وتخرج منه القنابل العنقودية التي تلاحق العربات الثقيلة وتفجرها.

 

BM-30 Smerch

 

 

حسم الوجود العسكري الروسي براً وجواً المعركة لصالح النظام في حلب بسرعة غير متوقعة، وذلك فضلاً عن التكتيك المختلف بشكل كبير والذي لاحظه الثوار على الأرض ما يؤكد وجود مستشارين وخبراء عسكريين روس في غرف عمليات النظام والميليشيات الإيرانية.

إلى جانب ما ذكر سابقاً دخلت البجعة البيضاء المعركة على ما يبدو لعدم اقتناع الروس بكفاية التغطية الجوية من خلال السوخوي بمختلف إصداراتها، ولاتساع رقعة ميدان المعارك التي شملت شمال مدينة حلب لحصارها وريفها الجنوبي وريفها الشرقي الذي كان تحت سيطرة تنظيم الدولة.

 

Tupolev Tu-160 / SU-35

 

البجعة البيضاء Tupolev Tu-160 قاذفة قنابل الاتحاد السوفييتي الاستراتيجية الأسرع من الصوت، والتي شوهدت في أوائل عام 2016 في الشمال السوري برفقة 4 طائرات اعتراضية من نوع سوخوي 30 وسوخوي 35، تحتوي البجعة الروسية مخزنين تبلغ حمولة الواحد منهما 20 طناً من الصواريخ المجنحة والقنابل الموجهة وغير الموجهة.

 

 

وبذلك كانت الطلعة الجوية الواحدة للبجعة تعني لدى الثوار على الأرض 69 قنبلة من نوع FAB-250، أو 30 قنبلة من نوع KAB-500، أو 8 صواريخ مجنحة موجهة من نوع KH بعياراتها المختلفة؛ دفعة واحدة قادرة على حرق منطقة تصل مساحتها إلى 10 كم مربع، وهذه المساحة تعتبر نصف مساحة أكبر معركة أطلقها النظام في سوريا.

 

 

ظهرت الدبابة الروسية الأحدث من طراز T-90 للمرة الأولى في معارك رتيان وحندرات والملاح (المنطقة الملاصقة لطريق الكاستيلو)، كانت عشرات الصواريخ من نوع تاو لدى الفصائل العسكرية بدون جدوى مع هذه الدبابة المحمية بأنظمة تشويش على الصواريخ وأنظمة مضادة للصواريخ الموجهة، والمغلفة بأحد أقوى الدروع في العالم، دعم الروس تقدم هذه الدبابة براً بطائرة الهلكوبتر من طراز MI-24 التي كانت تطير على ارتفاع منخفض جداً من الأرض وصل في بعض المعارك إلى 500 متر فقط، وظهرت هذه المروحيات للمرة الأولى في نهاية عام 2015 في منطقة كفرنبودة بريف حماة الشمالي، وكثّف النظام من استخدامها خاصة في معارك الغوطة الشرقية الأخيرة.

 

 

 

وعلى صعيد المعارك بين تنظيم الدولة وقوات النظام، كان التنظيم حينها قد كثّف هجماته على مطار كويرس بريف حلب الشرقي ونقاط النظام العسكرية شرقي حمص، ليُطلق النظام منذ بدء التدخل الروسي معركة واسعة في ريف حلب الشرقي نتج عنها بداية فك الحصار على مطار كويرس ومن ثم السيطرة على كامل الريف الشرقي وصولاً منطقة منبج وجنوبي مدينة الباب وإلى ريف الرقة الجنوبي الغربي.

سقوط حلب ومعارك المناطق المحاصرة

القدرة التدميرية الهائلة للطيران الروسي بمختلف أنواعه المذكورة سابقاً فضلاً عن راجمات ومدفعية النظام والأخرى الروسية الأكثر تطوراً وفتكاً، نسفت خطوط الدفاع لدى الثوار في المدينة المحاصرة، ومن ثم دمرت أحياء المدينة الشرقية بشكل شبه كامل وفي أحياء أخرى تدميراً كاملاً باستخدام الصواريخ من نوع FAB-1500 التي يصل وزنها إلى طن من مواد متفجرة أقوى من الـTNT. وأدى التدخل العسكري المكثف لروسيا لإفشال "ملحمة حلب الكبرى" التي فكّت الحصار عن مدينة مدة أسبوعين وأضعفت كل احتمالات نجاح المعركة الثانية، كما أوقعت أضراراً غير مسبوقة في صفوف الفصائل العسكرية من ناحية المقاتلين والعتاد.

 

 

سقوط مدينة حلب وإخلاء الثوار والأهالي كانت نقطة فارقة في مسار المعارك على امتداد الأراضي السورية. سيطر النظام بهذا الدعم غير المحدود من الذخيرة المنوعة للأسلحة الأحدث في المعسكر الشرقي على البادية السورية من ريف حلب الشرقي وحتى حدود العراق مروراً بباديتي حماة وحمص، ومن ثم بدأ النظام والروس يستفردون بالمناطق المحاصرة كلاً على حدة بدءاً من الغوطة الغربية وداريا والشرقية والقلمون الشرقي وريف حمص الشمالي والجنوب السوري.

هل كان بالإمكان أكثر مما كان؟

تدخلت إيران بميليشياتها المتمرسة على حرب العصابات منذ عام 2013 في محاولة بائسة لإنقاذ النظام الذي كان قد خسر حينها 70 % من الأراضي السورية لصالح الثوار، إلا أن روسيا عبر الـ12 فيتو التي أنقذت فيه حليفها في دمشق تباعاً من كل الضربات السياسية التي وُجِّهت ضده، وعبر أسراب الطيران الحربي الذي لا يقارن مع الطائرات الصدئة لدى النظام وذخيرتها المصنوعة محلياً كبراميل الـ TNT، وما يردفها ميدانياً من صواريخ ومدفعيات وراجمات ودبابات وناقلات جند حديثة وخبراء وجنرالات متمرسين في إدارة المعارك من أفغانستان وحتى سوريا؛ بات السؤال الآن بعد خسارة هذه المناطق الكثيرة ونظراً لتسليح المعارضة الذي كان في أفضل حالاته بضع مئات من صواريخ الغراد ومئات آلاف الرصاصات الخفيفة والمتوسطة لمواجهة الترسانة الروسية وعشرات آلاف المرتزقة الإيرانيين وآلاف الدبابات والمدافع والراجمات لدى النظام، هل كان بإمكان الفصائل العسكرية أفضل مما كان؟!

العين قاومت المخرز

تجاوز صمود الثوار السوريين في العديد من المناطق السورية وتحديداً في معارك كانت حاسمة ومفصلية فيها؛ كل توقعات المحليين والخبراء العسكريين الذين راهنوا منذ إعلان روسيا تدخلها في سوريا على تمكن الروس وحليفيها في سوريا من استعادة السيطرة على كامل سوريا خلال أقل من عام.

كما أحرج حملة البنادق التي صُنّعت منذ أكثر من 70 عاماً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال في اعلان تدخل بلاده في سوريا أن "المهمة ستنجز في سوريا خلال ثلاثة أشهر تقريباً". 

واجهت الفصائل العسكرية في حلب منذ أيلول 2015 وحتى أواخر عام 2016 هذا الحلف المدجج بالأسلحة وأخرت حصار المدينة عاماً كاملاً في منطقة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 30 كم مربعا شمال المدينة، وكسرت الحصار عنها مخترقة المنطقة الأكثر تحصيناً للنظام في سوريا عبر السيطرة على كلية المدفعية ومدرسة الحكمة وعشرات النقاط المحيطة بهما خلال 3 أيام ونصف الليلة.

 

 

وصمدت داريا أمام جحافل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وأسراب الطيران الحربي والمروحي حتى أصبح عدد الرصاص في جعب المقاتلين أقل من عدد جنود النظام وشبيحته المحيطين بها.

 

 

وأقلقت الغوطة الشرقية الملاصقة للعاصمة دمشق الأسد نفسه في قصره الجمهوري والذي شاهد منه عشرات آلاف الغارات الجوية عليها على مدار سنوات الحصار الأربع، وواجهت أكثر من 200 هجوم شامل عليها فشلت كلها، لحين تعذر الصمود نهاية في المعركة الأخيرة التي أدت إلى تهجير أهلها منها قسرياً.

 

 

 

الآن تركز روسيا على أن تحصد ثمار جهدها العسكري سياسياً عبر الالتفاف على القرارات الدولية واللعب على التوازنات بين اللاعبين الآخرين للإبقاء على الأسد وعصاباته في الحكم، وذلك على أنقاض مدن بأكملها دُفن تحتها عشرات آلاف السوريين الذين مزقتهم قنابل روسيا، وتباهت بذلك لتسويق سلاحها عالمياً.