معركة الأسد الأخيرة والخروج الأخير للسوريين

2018.09.11 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ينتظر الأسد بفارغ الصبر نهاية معاركه ضد الشعب السوري في إدلب، بالنسبة له الدعم الروسي والإيراني اللامحدود في إدلب فرصة لا تعوض لإعادة السيطرة على ما كان يشكل حلماً بالنسبة له وهو السيطرة على إدلب ومنها إلى كل مناطق الشمال السوري حيث سيطرت المعارضة عليها في وقت مبكر منذ عام 2012 وقطع اليأس سبله بالأسد من التفكير في إمكانية إعادة السيطرة على هذه المناطق أو حتى الوصول إليها.

الآن، الحلم بالنسبة له كاد أن يصبح حقيقة ليس بفضل قواته وإنما بفضل القوات الإيرانية والروسية، فالأسد سيطرد السوريين من أرضهم لإحلال غيرهم مكانهم. وهو ما سيضاعف المأساة السورية، فالسوريون بكل بساطة لا يرغبون بأن يحكمهم الأسد، وستتحول هذه المعركة الأخيرة إلى معركة حياة أو موت بالنسبة للمعارضة وبالنسبة لكل سوري حلم يوماً ما بالحرية وحلم أن تتحول سورية إلى بلد لكل مواطنيها وديمقراطية للجميع.

لكن، الأسد وشرهه الدائم في كل مرة كي يظهر أنه ليس سوى مجرد كابوس يحطم أحلام السوريين يوميا ويدمر طموحاتهم يرغب بالاستمرار بحكم سورية مهما كلف الأمر من تضحيات أو ضاعف عدد اللاجئين السوريين وتتبجح بعد ذلك روسيا بالقول بأنها تريد وضع خطة لعودة اللاجئين السوريين الذين لن يفكروا بالعودة ما دام الأسد في موقعه.

نعرف جميعاً أن الحروب تترافق دوماً مع ما يسمى النزوح الداخلي، الذي تعرفه مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بأنهم أشخاص أو مجموعات من الأشخاص الذين أجبروا أو اضطروا إلى الفرار أو مغادرة منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة،

لن يكون غريبا تصاعد أعداد النازحين السوريين بشكل دائم مع تصاعد حلقات الصراع والعنف في سورية، لكن ما يهمنا التركيز عليه هنا هو العلاقة التي بين النزوح والتغيير الديمغرافي.

لا سيما نتيجة أو لتجنب آثار النزاع المسلح أو حالات العنف المعمم أو انتهاكات حقوق الإنسان أو الكوارث الطبيعية أو من صنع الإنسان، والذين لم يعبروا حدود دولة معترف بها دوليا. فالأشخاص النازحون داخليا يشبهون اللاجئين بمعنى أنهم قد يتشاركون نفس الشيء لكن الفارق يتمحور فقط حول العبور إلى حدود دولة أجنبية عن الدولة التي تحدث فيها الحرب.

وبالتالي لن يكون غريبا تصاعد أعداد النازحين السوريين بشكل دائم مع تصاعد حلقات الصراع والعنف في سورية، لكن ما يهمنا التركيز عليه هنا هو العلاقة التي بين النزوح والتغيير الديمغرافي، بمعنى أن معركة الأسد الأخيرة ستكمل مشروع التهجير بشكل دائم، فنزوح هذا العدد الكبير من النازحين واللاجئين وتجمعهم في إدلب ومن ثم الهجوم عليهم بعد تركزهم سيحول إدلب إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس حيث لا مكان آخر يمكنهم اللجوء إليه وهو ما سيدفعهم للجوء إلى تركيا التي يفضلها معظم اللاجئين على البقاء تحت حكم الأسد.

ولذلك ربما ستتحول المعركة الأخيرة في إدلب إلى معركة بقاء أو موت للمعارضة وللسوريين المناصرين للثورة عموماً، حيث طردهم من سورية سيحول ثلث السوريين عملياً إلى بلدان اللجوء دون تحقق شروط للعودة إلى سورية.

فالنزوح لا يقود بالضرورة إلى تغيير ديمغرافي إذا كان هناك سياسة واضحة مع ضمانات بعودة كل النازحين إلى ديارهم بعد انتهاء العنف أو الحرب، وهو ما تشارك فيه مؤسسات الأمم المتحدة وفق ما يطلق مبادئ بينيرو والتي وضعت معايير دولية فيما يتعلق بعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، فهي تؤكد صراحة على "أنه يجب على الأشخاص الذين شردتهم القوات خارج سيطرتهم ألا يواجهوا احتمال فقدان مساكنهم أو أراضيهم أو حقوقهم في الملكية لمجرد أنهم أجبروا بالعنف أو تركوا بطريقة أو بأخرى بيوتهم بشكل غير آمن بحثاً عن الحماية.

الملايين من اللاجئين والنازحين الذين لا يرغبون في العودة إلى منازلهم الأصلية يجب على السلطات المعنية والجهات الفاعلة الدولية أن يتعاملوا بجدية كاملة لحفظ حقوقهم وممتلكاتهم الخاصة.

وحتى عندما لا يعتبر الرجوع أو العودة آمنين فعلياً أو ممكناً من قبل النازحين أنفسهم (على سبيل المثال)، عندما يختار اللاجئون طلب اللجوء وإعادة التوطين الدائم في بلد ثالث آمن، فحتى لو لم يكن لديهم نية بالعودة في الواقع فمع ذلك يجب حفظ كل الممتلكات الخاصة بهم والمتعلقة بالإسكان والأراضي والممتلكات بين النازحين. وبالتالي، فإن الملايين من اللاجئين والنازحين الذين لا يرغبون في العودة إلى منازلهم الأصلية يجب على السلطات المعنية والجهات الفاعلة الدولية أن يتعاملوا بجدية كاملة لحفظ حقوقهم وممتلكاتهم الخاصة.

على عكس هذه المبادئ كلياً فقد أصدر نظام الأسد جملة من القوانين الرسمية فضلاً عن التعليمات المكتوبة وغير المكتوبة التي تعاقب سكان كل المناطق الثائرة وتحرمهم من العودة إلى قراهم ومدنهم وممتلكاتهم أو تجعل ذلك مستحيلاً أو صعباً للغاية بسبب تدمير كامل للممتلكات أو حتى تدمير جزئي أو سرقة المحتويات الكاملة للمنزل وحرق ما تبقى فيما أصبح يطلق عليه بين مؤيدي النظام السوري "التعفيش" أي سرقة المحتويات والفرش والأثاث وحتى أسلاك الكهرباء والبلاط وغير ذلك مما يستحيل إعادة الاستفادة منه بغية بيعه وقد جرى ذلك في كل المدن التي سيطر عليها النظام السوري من المعارضة بدون أي استثناء من درايا إلى حلب إلى دوما وحرستا والزبداني ومضايا وغير ذلك، وهو ما شجع على سياسة النزوح التي قادت إلى سياسة عدم العودة والرجوع بسبب الخسارة الكاملة للمتكلمات حتى بعد انتهاء الحرب أو العنف في مناطقهم.