معارضة سياسية أم سماسرة احتلال؟

2018.07.05 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"بشار الأسد يعرض علينا الخنوع تحت حكمه أو أن نبقى قلة قليلة في هذا البلد لكنها تعيش بكرامة، نحن اخترنا الخيار الثاني"، هذا ما قاله أحد ناشطي الحراك الثوري في درعا إثر الخطاب الأول لرئيس النظام السوري عقب اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس من العام 2011، ولا يأتي ذكره هنا بسبب ما يحدث في الجنوب الآن، بل للإشارة إلى أي مدى كان صوت الثورة واضحًا منذ البداية ويدرك جيدًا بنية وعقلية النظام.

في المقابل نشأت معظم "المنصات السياسية" - ومن المفترض أنها سفير الثورة إلى العالم- وفق محددات لا تتعدى كونها معارضة لنظام حاكم والمطلوب الذهاب باتجاه تغيير ديمقراطي في البلاد الأمر الذي يستحيل حدوثه نتيجة اللبنية الأمنية الراسخة والمعقدة للنظام السوري، ما ساهم في اتساع الشرخ بين الثورة في الداخل والعنوان السياسي في الخارج منذ المجلس الوطني وما سبقه من محاولات، وصولًا إلى الائتلاف ومنتجاته.

لن ندخل الآن في تفصيل المحطات التي خذلت فيها المعارضة السياسية حواضن الثورة داخل سورية،

الشرخ أو الشقاق داخل "الجسم الثوري السوري" تمحور في أحد عناوينها أن الثورة سعت منذ البداية إلى تغيير جذري في البلاد، في حين كانت المعارضة السياسية تبحث عن مداخل تضمن وجودها في التسويات المزمعة.

أو المناسبات التي كانت فيها شريكًا في سحق معاقل المدافعين عن أهداف التغيير لقناعة الأولى بأن الواقعية السياسية تقتضي الدخول كسمسار لتمرير الصفقات القذرة المتفق عليها إقليميًا دوليًا والتي ما كانت لتمر دون وجود وسيط محلي وفرته تلك المنصات على اختلاف مسمياتها.

الشرخ أو الشقاق داخل "الجسم الثوري السوري" تمحور في أحد عناوينها أن الثورة سعت منذ البداية إلى تغيير جذري في البلاد، في حين كانت المعارضة السياسية تبحث عن مداخل تضمن وجودها في التسويات المزمعة، وهو ما قاد في النهاية إلى تحطيم مجمل مقولات وأطر الوعي الجمعي الذي خلقته الثورة وأنتج منظومة قيم أسوأ من تلك التي رسخها النظام السوري على مدى نصف قرن، وكان من أبرز نتائجها الانزياح بالثورة من إطارها الوطني إلى مستنقعات المناطقية، دون إغفال دور العوامل الموضوعية في كل ذلك.

تكفي الإشارة إلى أن المعارضة السياسية استمرت في جولاتها التفاوضية فيما يخص إنتاج حل سياسي للصراع في سورية، رغم ما شكلته تلك المفاوضات من غطاء لهجمات النظام السوري وحلفائه على معاقل الثورة وما أسفر عنها من تهجير وتغيير ديمغرافي، دون أن تفكر ولو مرة واحدة باتخاذ موقف صريح بإنهاء كل أشكال المحادثات مع جميع الأطراف أو التهديد باتخاذه انسجامًا مع ما يحدث الأرض، بل اعتبرت أن مجرد الحضور في تلك المفاوضات هو انتصار؟؟.

التوصيف السابق ربما يطرح بعض التساؤلات عن قدرة المعارضة السياسية لاتخاذ مثل تلك المواقف في ضوء موافقة الفصائل العسكرية على الصفقات المعروضة، ولكن يبدو السؤال الأهم ضمن هذا التحليل أو البحث عن الحقيقة،

ما يحدث اليوم في درعا يحتاج لموقف واضح وصريح، يشكل غطاءً لقرار معظم فعاليات الثورة في الجنوب الرافض للشروط الروسية –حتى اللحظة على الأقل-

يتعلق بمسؤولية المعارضة نفسها عن شراء الذمم وترويض العسكر وتحويل أجزاء من الفصائل إلى مجرد بنادق مأجورة انسجامًا مع الدور المعطى لها من القوى الإقليمية والدولية، كما حدث اليوم في الجنوب عبر قائد أحد أكبر الفصائل المدعو "أحمد العودة" المعروف بعلاقاته الوثيقة مع خالد المحاميد نائب رئيس هيئة التفاوض والفتى المدلل للإمارات ودورها الأمني والاقتصادي في المنطقة.

ما يحدث اليوم في درعا يحتاج لموقف واضح وصريح، يشكل غطاءً لقرار معظم فعاليات الثورة في الجنوب الرافض للشروط الروسية –حتى اللحظة على الأقل- ولكنه سيبقى الموقف الضائع وفق ما تؤكده أغلب المؤشرات الصادرة عن رأس الهرم في مسميات المعارضة السياسية والتي لم تتعدى بيانات تنديد أو توصيف، حملت في طياتها دعوات مبطنة للقبول بما هو معروض لأن الواقع لا يساعد على تحقيق اختراق لصالح الثورة، وفق وجهة نظرهم.

بالعودة إلى هوامش التاريخ القريب نستقرئ حوادث مشابهة في ظروف مغايرة، منها ما حدث عقب اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت في ثمانينات القرن الماضي بعد انسحاب مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، حينها كانت موازين القوى مختلة بشكل كبير سياسيًا وعسكريًا، إلا أن الحركة الوطنية اللبنانية اتخذت موفقًا واضحًا عنوانه "إلى السلاح" انطلاقًا من إدراكها أنه في حال خسرت الميدان فليس لديها شيء لتفاوض عليه، والمفارقة أن ذلك الموقف أفضى إلى انسحاب المحتلين بعد أيام وهم ينادون عبر مكبرات الصوت يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار نحن منسحبون لا تطلقوا النار.

بعيدًا عن سياق المعارك والمفاوضات في الجنوب وما يمكن أن تؤول إليه من هزائم أو صمود، يبقى أي احتمال لتحقيق نقطة لصالح الثورة بعيدا عن المنال، في ضوء العناوين السياسية الحالية للمعارضة وتوابعها العسكرية وملحقاتها المدنية والإغاثية والإعلامية، ما يتطلب العمل الجاد على إيجاد مظلة جديدة تعيد توحيد الجهود بين الداخل والخارج على أساس بلورة برنامج جامع لحركة تحرر وطني مهمتها الدخول في معارك سياسية لإنهاء الاحتلالات المتعددة لسورية بغض النظر عن الأشكال الكفاحية في الميدان، لأن ما هو موجود الأن لم يعد يحمل أي معنى وطني للشعب السوري بل يتسابق مع النظام لاعتماده كمندوب سامي ووكيل رسمي لحماية مصالح المحتلين، مع الإشارة لوجود الاستثناءات دومًا.