مصير إدلب: قصة موت معلن

2018.09.10 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

انتهت قمة ثلاثي أستانة، بوتين وأردوغان وروحاني، إلى فشل المسعى التركي لتأجيل معركة إدلب "القيامية". فقد بدأت حملة القصف الجوي لبعض مناطق المحافظة قبل انعقاد القمة، تمهيداً لاجتياح المحافظة من قبل الميليشيات الإيرانية – الأسدية. وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صريحاً في رفضه مطالبة أردوغان بمهلة إضافية من وقف إطلاق النار لتفكيك هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة سابقاً، بعدما أعلنتها أنقرة "منظمة إرهابية". صحيح أن موقف الرئيس التركي، في طهران، كان معززاً بالمظاهرات الشعبية في بلدات المحافظة، وبتحذيرات أميركية – أوروبية موجهة إلى روسيا في مجلس الأمن، ولكن لا بوتين يحسب حساباً للرأي العام الشعبي، ولا التكتل الغربي أظهر جدية في تحذيراته، بدلالة التوكيد المتكرر على أن الممنوع الوحيد هو استخدام السلاح الكيماوي، مع إباحة كافة أنواع الأسلحة الأخرى ضمناً. أي أن الأميركيين والأوروبيين لا يعترضون، من حيث المبدأ، على معركة استعادة المحافظة لمصلحة النظام الكيماوي، بشرط أن تكون "نظيفة" من الكيماوي. ثم أن واشنطن التي وافقت على استعادة منطقة "خفض التصعيد" الجنوبية التي كانت مشاركة في ضمانتها، لا يتوقع منها أحد أن تعترض على استعادة النظام لمنطقة خفض التصعيد في إدلب، وهي بضمانة تركية، في وقت يعبر فيه ترامب، كل يوم، عن استيائه من أردوغان و"خيبة أمله" منه بسبب قضية القس برونسون، والقضايا العالقة الأخرى بين البلدين.

الغريب أن الرئيس أردوغان، في طريق عودته من طهران، لم يظهر أي خيبة أمل بنتائج قمة طهران التي عقدت على الهواء مباشرةً. وهو ما قد يشير إلى تفاهمات غير معلنة مع موسكو /أو طهران، بخصوص مسائل بعيدة عن موضوع إدلب.

على سبيل المثال، ذكر أردوغان، بتعابير ملتبسة، طلب إيران من تركيا إنشاء قنصلية تركية شرقي الفرات! فقال إن تركيا ليست في وارد ذلك حالياً، وأن الموضوع متروك لما بعد المضي في الحل السياسي الشامل في سوريا (الدستور والانتخابات). لا نعرف ماذا يعني الطلب الإيراني الغريب. هل المقصود هو إقامة علاقة دبلوماسية، بمستوى منخفض، قنصلي، بين تركيا ونظام الأسد، في قلب "المنطقة الأميركية" شرقي الفرات؟

الغريب أن الرئيس أردوغان في طريق عودته من طهران لم يظهر أي خيبة أمل بنتائج قمة طهران التي عقدت على الهواء مباشرةً وهو ما قد يشير إلى تفاهمات غير معلنة 

سؤال فتح قنوات دبلوماسية مع نظام الأسد كان مطروحاً من قبل الصحفيين المرافقين لأردوغان في الطائرة التي عادت به إلى تركيا. وقد أجاب عليه بوضوح: "هذا غير مطروح". وحين ألح عليه الصحفيون بالسؤال عما سيكون الموقف من العلاقة مع نظام بشار، في حال أعيد انتخابه في العملية السياسية المرتقبة بعد انتهاء الحرب، ركز أردوغان على اهتمام تركيا بالدستور والانتخابات، وبضرورة أن تعكس هذه إرادة الناخبين السوريين في الداخل والشتات و"الناخبين الجدد" كما قال، وأكد أن موضوع بشار الأسد لم يطرح أبداً في القمة.

واهتمت بعض الصحف التركية، على هامش قمة طهران ونتائجها، بموضوع آخر متصل بما بعد معركة إدلب: عن صراع روسي – أميركي مرتقب على مخزون ثروة الغاز في شرقي البحر الأبيض المتوسط، باعتباره أحد "جوائز" من سيفوزون في الصراع السوري المديد. وهو صراع يعني عدداً من دول المنطقة، إسرائيل وقبرص واليونان وتركيا ومصر إضافة إلى أوروبا كسوق استهلاكية، والصين كسوق استهلاك بديلة عن أوروبا. ولا يذكر أحد لبنان وسوريا اللذين هما خارج "الوليمة" لأسباب معروفة.  

ففي حين تفضل روسيا بيع غاز شرقي المتوسط إلى الصين، لكي تبقى هي نفسها المصدر الاحتكاري للغاز إلى أوروبا، بما يجعل الأخيرة معتمدة عليها، يضغط الأميركيون باتجاه تصدير الغاز الإسرائيلي والقبرصي – عبر اليونان بدلاً من تركيا – إلى أوروبا. الحشد العسكري الروسي شرقي المتوسط، بمناسبة مناورات بحرية روسية من المقرر أن تجري، بعد أيام قليلة، بمشاركة صينية محتملة، قد تكون بمثابة تحدٍ لواشنطن وحلفائها الأطلسيين في هذه البقعة الخطرة. هذا الصراع الصامت، إلى الآن، هو ما يكمن في خلفية إصرار روسيا على البدء بمعركة إدلب فوراً.

ظاهرياً تبدو أنقرة وواشنطن في جانب واحد من الصراع بخصوص إدلب بدلالة التصريحات التي أطلقها أردوغان في طهران، والسفيرة الأميركية في مجلس الأمن

ظاهرياً تبدو أنقرة وواشنطن في جانب واحد من الصراع بخصوص إدلب، بدلالة التصريحات التي أطلقها أردوغان في طهران، والسفيرة الأميركية في مجلس الأمن. ولكن إذا أدخلنا على التحليل كلاً من الطابع الخلبي لتصريحات هايلي ضد روسيا، والرغبة الأميركية بإخراج تركيا من مولد غاز شرقي المتوسط بلا حُمُّص، اتضح أن تركيا قد تزداد ارتهاناً لروسيا في الفترة المقبلة، على رغم الخلاف بشأن معركة إدلب. وقد تكتفي أنقرة من هذه المعركة بضمان أمن جنودها الألف ومئتين في نقاط المراقبة المنتشرة في المحافظة، تاركة أمر "تصفية الإرهابيين" لموسكو وطهران، ولو على مضض. ومن المحتمل أن يتجه نزوح المدنيين من مناطق القتال إلى كل من عفرين و"درع الفرات"، وضمناً مقاتلي الفصائل "المعتدلة" بعد إلقائهم السلاح كما يطالب بوتين.

يبقى كل هذا على الورق على أي حال. فلسنا نعرف كيف ستتطور الأمور في معركة إدلب، وما المدى الزمني الذي تحتاجه روسيا لاستعادة السيطرة على المحافظة، وهل يضرب النظام بعض نقاط المراقبة التركية "عَرَضاً" متمرداً على سيده الروسي، مدفوعاً بحقده على الدور التركي، وما يمكن أن تفعله تركيا في مواجهة احتمال من هذا النوع. وهل يصر بوتين على استخدام السلاح الكيماوي ليكشف مجدداً حدود الإرادة الأميركية في سوريا، بعد حادثتي مطار الشعيرات و"العدوان الثلاثي"؟

أم أن أردوغان يخبئ مفاجأة تتمثل في تسليم محافظة إدلب بلا قتال، بعد حل "تحرير الشام" وإلقاء مقاتلي الفصائل سلاحهم كما حدث في مناطق "خفض التصعيد" الثلاثة الأخرى، وذلك مقابل تعزيز الوجود التركي في كل من عفرين و"درع الفرات"؟ فقد أثبتت تركيا قوة نفوذها في إدلب، سواء لدى الفصائل أو لدى السكان المدنيين، بدلالة التظاهرات التي انطلقت دعماً له في قمة طهران.