مصير إدلب بين تركيا وروسيا مجددا

2018.08.28 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في١٧ من أغسطس الحالي توجه وزير الدفاع التركي بصحبة رئيس جهاز الاستخبارات إلى موسكو لخوض محادثات مع وزير الدفاع الروسي حول بعض الملفات الحسّاسة كان من بينها ملف إدلب في سوريا. بعدها بأسبوع واحد فقط، ومع تزايد الأخبار عن قرب إطلاق نظام الأسد عملية عسكرية ضد المدينة، قام وفد تركي يضم الوزيرين سابقي الذكر بالإضافة إلى وزير الخارجية بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزيريه للدفاع والخارجية وذلك لبحث مصير إدلب. تزامن ذلك مع خُطبٍ لزعماء القاعدة وداعش وهيئة تحرير الشام وحزب الله من جهة، وتحذيرات أمريكية وروسية من استخدام الأسلحة الكيماوية، في مؤشرٍ إضافي على أنّ شيئاً ما يُطبخ للملف السوري مجدداً ربما تكون إدلب ساحته.

لا يُخفي الجانب التركي مخاوفه بشأن إمكانية أن يقوم نظام الأسد بشن هجوم عسكري على إدلب، فالأسد كان قد صرّح سابقاً بأنّ السيطرة على المدينة يعدّ أولوية له في المرحلة المقبلة. وهو بعد أن كان قد تمدد في الآونة الأخيرة في المناطق الأكثر استعصاءاً على بسط سيطرته، لم يعد أمامه الكثير من العراقيل لتحقيق هدفه. في المقابل، تسعى تركيا إلى استقطاب روسيا إلى جانبها في ملف إدلب لكي تحول دون حصول مثل هذا السيناريو، لكن هناك من يرى أنّ موازين القوى داخل سوريا لا تسمح لأنقرة بأن تملي على الآخرين، فضلاَ عن أنّها لا تمتلك ما تستطيع أن تمنعهم به من القيام بما يريدون فعله.

هناك من يرى أنّ موازين القوى داخل سوريا لا تسمح لأنقرة بأن تملي على الآخرين، فضلاَ عن أنّها لا تمتلك ما تستطيع أن تمنعهم به من القيام بما يريدون فعله

قد يبدو هذا التشخيص صحيحاً للوهلة الأولى، فموازين القوى في سوريا تلعب ضد المصالح التركية، وهذا ليس أمراً مستجدّاً وإنما يعود إلى العام ٢٠١٥، عندما وفّرت إدارة أوباما كل الأسباب المناسبة لروسيا للتدخل عسكرياً لإنقاذ الأسد، وقامت هي بالمقابل بالتركيز على أولوياتها الخاصة من خلال التحالف مع الميليشيات الكردية. ما تمتلكه تركيا اليوم هو حاجة موسكو إليها للتوصل إلى حل سياسي في سوريا، فمثل هذا الأمر لا يمكن لروسيا أن تحققه من خلال القوة العسكرية أو من خلال إيران أو نظام الأسد، ولا يمكن أن يتم دون أنقرة.

وفي هذا السياق، يحاول الجانب التركي الاستفادة من هذا الموقف للعمل قدر المستطاع مع روسيا بما يضمن التزام موسكو بالاتفاقات التي تم التوصل إليها ويحقق المصالح التركية في سوريا. وكما هو معلوم، يحاول نظام الأسد القيام بعملية عسكرية بدعم إيراني وروسي بذريعة ضرورة تطهير المنطقة من الإرهابيين، وهو ما يقلّص من خيارات أنقرة في التعامل مع الأزمة. ولهذا السبب بالتحديد تحاول تركيا سحب هذه الذريعة من النظام من خلال إبداء التفهّم لمخاوف موسكو بهذا الخصوص من جهة، ومطالبة موسكو بتفهم المخاوف التركية والبناء على النقاط المشتركة بين الطرفين من جهة أخرى.

لن ينعكس ذلك بشكل سلبي على تركيا فقط، وإنما على روسيا أيضا التي تسعى إلى الترويج مؤخراً لمساعيها لإعادة اللاجئين من الخارج

خلال الزيارة التي قام بها الوفد التركي إلى موسكو، شدد الوفد على ثلاثة مخاوف من أي عملية عسكرية منفردة في إدلب، هي:

المخاوف الإنسانية، وتتعلق بحقيقة وجود أكثر من ثلاثة ملايين إنسان في إدلب، وهو ما يعني أنّ أي عملية عسكرية ستؤدي إلى حصول موجة ضخمة من اللاجئين والنازحين. لن ينعكس ذلك بشكل سلبي على تركيا فقط، وإنما على روسيا أيضا التي تسعى إلى الترويج مؤخراً لمساعيها لإعادة اللاجئين من الخارج. فيما يتعلّق بالمخاوف الأمنيّة، فإن أي عملية عسكرية ستهدد بمواجهات متعددة الأطراف، وستؤدي على الأرجح إلى موجة جديدة من التطرف والإرهاب. وبعكس الوضع الحالي، لن يكون هناك إمكانية لاحتواء مثل هذا الأمر، وسيؤدي ذلك إلى وضع أنقرة تحت تهديدات ومخاطر هجمات إرهابية، كما أنّه سيعرّض القوات التركية المتواجدة حول إدلب في ١٢ نقطة مراقبة إلى مخاطر أمنيّة داهمة.

من شأن حصول مثل هذا السيناريو أن يعزز كذلك من المخاوف المتعلقة بانهيار الاتفاقات السياسية التي تمّ التوصل إليها حتى الآن بما في ذلك الاتفاق المتعلق بإدلب والذي جاء نتيجةً لمفاوضات الأستانة. في مثل هذا الوضع، لن يقتصر الضرر المباشر على الاتفاق نفسه، بل سيمتد ليطال صلب العلاقة مع روسيا في سوريا، الأمر الذي يهدد بانهيار المسار السياسي برمتّه. لا يوجد أدنى شك في أنّ ذلك لا يصبّ في مصلحة موسكو سيما في الوقت الذي يشير فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن إلى أنّ روسيا عالقة في سوريا وتبحث عن مساعدة.

إنّ ذلك لا يصبّ في مصلحة موسكو سيما في الوقت الذي يشير فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن إلى أنّ روسيا عالقة في سوريا وتبحث عن مساعدة

ولأجل كل ذلك، فقد كان تحذير وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو واضحاً بشأن التداعيات الكارثية لأي عملية عسكرية في إدلب. بعض المعلومات تشير إلى أنّ الجانب الروسي أبدى تفهماً لمخاوف تركيا، لكن السؤال الأساسي يبقى "إلى أي مدى باستطاعة الطرفين العمل على النقاط المشتركة؟". وفقاً لوكالة ايتارتاس الروسية، فإن الجانب الروسي كان قد قدّم خلال الاجتماعات الثنائية عدّة مقترحات لحل الأزمة المتعلقة بالوضع القائم في إدلب، لكن لم يتم الإشارة إلى أي تفاصيل بهذا الشأن حتى هذه اللحظة. بعض وسائل الإعلام أشارت إلى أنّه قد تمّ التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، في حين أنّ الدلائل المتوافرة حتى الآن لا تشي بذلك، وإن كان الجانب التركي يشدد على ضرورة اتخاذ خطوات مشتركة في هذا الملف. هناك من يريد ربما أن يدفع أنقرة باتجاه شن حملة بمفردها تحت سيف التهديد بشن النظام السوري هذه الحملة بنفسه، لكن أعتقد أنّه لا يوجد من هو مستعدّ لتبنّي مثل هذه المعادلات الصفريّة في هذه المرحلة، سواء على الجانب التركي أو على الجانب الروسي.