مسلسل الهيبة: شيوخ الجبال .. من هؤلاء؟

2018.06.06 | 21:27 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في أوائل التسعينات من القرن المنصرم كان -تقريبا- كل الشباب السوري حليق اللحية إذ كانت ترمز إلى التدين وكانت حكرا على المشايخ وبعض كتاب المحاكم ومدرسي الشريعة ...، لكن فجأة ظهر في سوريا "الفارس" باسل الأسد بلحية مشذّبة وخفيفة، فتحت الباب للشباب ليقتدوا به شكلا وتصبح اللحى القصيرة المشذبة موضة دارجة، لكن على طرف سوريا الغربي كان ثمة أصحاب لحى طويلة شعثاء حليقي الرؤوس عرفوا وقتها بالشبيحة.

الشبيحة دارت وقتذاك حولهم الأساطير، المهربون، قطاع الطرق، القتلة،

الطرف الغربي من سوريا متصل بعالم السواد ذاك من خلال البحر ولبنان وجروده يكملهم هناك عصابات لبنانية مرتبطة بهم طائفيا ومصلحيا

فرق الموت الذين ينفذون المهام الصعبة .. الشبيحة خدم مافيات آل الأسد ومافيات الساحل، الخارجون عن القانون، المتاجرون بكل شيء من الدم حتى الماء مرورا بالمخدرات والأسلحلة والآثار خدمة لسوق الحرام التي كانت تؤمن لهؤلاء الزعران دخلا وفيرا، وللكبار ثروة تكبر بالساعات، ويعلم كل أبناء ذاك الجيل أن الطرف الغربي من سوريا متصل بعالم السواد ذاك من خلال البحر ولبنان وجروده يكملهم هناك عصابات لبنانية مرتبطة بهم طائفيا ومصلحيا، مرت تلك السنين وأفرزت لنا ما نراه اليوم من تغول فاقع للشبيحة رواد الليل والجبال والجرود وسكانها وبعد أن كان الانتماء لحظائرهم حكرا على فئة معينة من أسوأ الناس .. أصبح موضة.

أولئك محتكرو الرذيلة شكلوا قبل سنوات الثورة حالة من الرعب والفوضى في كل مكان تواجدوا فيه سِماهم في لحاهم ورؤوسهم، واليوم وبعد أن كثروا أصبحوا قطعانا من الأرذال ساهموا عمدا بكل ما حل بسوريا من تقتيل وتدمير وتهجير ليعود تسويقهم لنا من خلال "الستايل" و"الممثل النجم".. كأن يكون شيخ الجبل (اللقب الفخري التسعيناتي لعتاة شبيحة سوريا) الشخصية التي يؤديها الممثل تيم حسن في مسلسل الهيبة ملهما للشباب المتمرد في هذه الحقبة من حياتنا، فبعد أن تعودنا على التوحش والتسليع في الأعمال الدرامية التي تُقدم، مُعولين على بعض الوعي الذي نملكه في فرز الرث عن الثمين بدأنا نخوض في بحر من الرثاثة، وتجاوزنا ذلك بأنها مرحلة المأزق الإنتاجي الذي يعصف بالشركات التي تحاول أن تستمر حية في ظل الصعود الكاسح لصناعة المواد المخصصة للإنترنت على حساب ما يقدم للتلفزيون، لكن وصل الأمر إلى بدعة جديدة تقدم بها صناع مسلسل الهيبة وهي العودة إلى الوراء مدفوعين بما اعتبروه نجاحا للجزء الأول، فأثروا أن يتحفوننا بعودته من خلال عرض رخيص لشخصية (روبن هودية)؛ علينا أن نقبل كل جرائمها مقابل خصلة "الشهامة" المزروعة فيها، ومقابل أن الشباب يتعطش لهذا النموذج الذي يصدر للأسف على أنه متمرد، رافض للواقع المعاش.

المنطقة اليوم لا تعرف قانونا وليس فيها أي شكل من أشكال الحكم التقليدي ولا شكل للدولة في سوريا ولا في لبنان سوى هياكل مهترئة بعضها في دمشق وأخرى في بيروت ومع تلك الأسباب الكارثية يصبح تقديم هذا النموذج للمتمرد ذو اللحية الطويلة والرأس الحليق شيئا من وسائل التخريب للبنية المجتمعية السليمة التي حافظ عليها لحد ما المجتمع السوري قبل أن يصبح الشبيح بشكله الشاذ وسلوكه الشائن محل إعجاب وتصبح أفعاله مآثر عند شباب بلا ضوابط، هنا علينا أن نتوقف لنتدارك هذا الذي يصير،

هؤلاء هم الشبيحة القدامى لكن مع مساحيق تجميل قصصية مشغولة بشكل "جميل" لتقدم لشباب ثائر منتفض يراد له أن يتقبل تلك النماذج في حياته على أنهم شجعان أصحاب نخوة

ففي السنوات الأخيرة انتفض بعض من عقلاء مصر ضد شركات إنتاج تسوق للبلطجية والقتلة وللأحياء المصرية الشعبية على أنها أوكار لكل المكاره وكانوا محقين لأنهم يروا أبناء بلدهم أصبحوا يقتدون برجال العصابات وبأفعالهم على الشاشات وهم يقولون هذه ليست مصر التي نعرف، أما نحن فلابد لنا من وقفة لأننا في منعطف أخطر وهو أننا فعلا متمردون ثائرون رافضون لنظام حكم جائر قاتل، فعل فينا وببلادنا ما فعل وليس حريا بنا أن نرى هذه النماذج للخروج على الدول نماذج فقط للترفيه المتلفز بل للأسف أصبحت عطبا يمس أشكالنا وسلوكنا.. فهؤلاء القتلة الظاهرون في هذا المسلسل من يمثلون ومن يدفع لهم ليطلعوا لنا بهذه الهيئة وفي هذه الهيبة من هؤلاء؟

هؤلاء هم الشبيحة القدامى لكن مع مساحيق تجميل قصصية مشغولة بشكل "جميل" لتقدم لشباب ثائر منتفض يراد له أن يتقبل تلك النماذج في حياته على أنهم شجعان أصحاب نخوة، لكن ظلمهم المجتمع، فكسروا قوانينه الأخلاقية والإدارية طلبا للحياة الكريمة لهم ولأبناء ديرتهم.

من الحكمة أن نأخذهم بأفعالهم الحقيقة على الأرض تلك التي نعايشها منذ نصف قرن، أفعالهم بالقتل والسلب والتدمير وترويج المخدرات وكسر القوانين وتمويل الأعمال الحربية لمليشيات القتل التي عاثت فسادا في بلادنا، تلك حقيقتهم أما "الممثل النجم" ليس سوى إصدار مختلق تافه وأداة لتلميع صورة شبيح أو شبيحة كثر سموا يوما بــ"شيخ الجبل"، ونحن وهو نعرفهم جيدا.