icon
التغطية الحية

مستقبل إدلب بين التسريبات الصحفية وواقع الحال ميدانياً وسياسياً

2019.07.07 | 14:07 دمشق

عربات عسكرية تركية في طريقها إلى نقاط المراقبة جنوبي إدلب (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

اليوم الأحد السابع من تموز، يكون قد مرّ شهران تماماً على بداية معركة ريف حماة الشمالي التي ساد في أيامها الأولى خوف حقيقي من انهيار خطوط الجبهة وتمكّن النظام وروسيا من السيطرة على جبل شحشبو ومدن اللطامنة وكفرزيتا ومورك. لكن النظام سيطر على 5 بلدات فقط، ليمنح صمود المجموعات المحلية من أبناء المنطقة مدة أسبوع، الوقت الكافي للفصائل لتستجمع نفسها في غرفة عمليات مركزية.

ألحقت الفصائل خسائر كبيرة وغير متوقعة بقوات النظام في عمليات الكر والفر والكمائن والاستهداف بصواريخ الـ م/د، وانتقلت من الدفاع إلى الهجوم في سرعة قياسية، ونقلت المعركة إلى الضفة الأخرى من خط النار، وبذلك تقلّصت أحلام روسيا من اجتياح بري لشمال حماة، إلى السيطرة على قريتي تل ملح والجبين. وبات هاجس الروس في تأمين قوات قادرة على تحقيق أي نصر ميداني حقيقي بعد أن أصبحت المنطقة رعباً حقيقياً لعناصر النظام.

على الجانب الآخر كان لصمود الفصائل العسكرية تأثير كبير على تعزيز الموقف التركي الذي كان ضبابياً خلال الشهر الأول من المعركة، وكان المؤشر المُنتظر لمعرفة الموقف التركي حينها هو بقاء القوات التركية في نقطتي شيرمغار ومورك أو انسحابها منها.

وصلت قوات النظام إلى مشارف نقطة شير مغار، ورغم الاستفزازات الروسية عبر قصف هذه النقطة 5 مرات ووقوع إصابات في صفوف الجنود الأتراك، إلا أن تركيا حسمت أمر نقاطها وصرحت بالرد على أي اعتداء يطال جنودها، وذلك ما حصل فعلاً.

منذ أسبوع توقفت محاولات النظام وروسيا لاستعادة السيطرة على تل ملح والجبين، وبعد عشرات المحاولات الفاشلة للسيطرة على تلة كبانة شمال اللاذقية، يمكن القول أن روسيا أعلنت استسلامها في هذه الجولة من المعارك.

تحركات دبلوماسية مكثفة

في الوقت الذي أُنهكت فيه روسيا وميليشياتها في معركة شمال حماة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة الماضي عن استضافة بلاده للقمة القادمة من أستانا أواخر آب أو مطلع أيلول المقبلين، لمناقشة الوضع في محافظة إدلب.

وقبل تصريح أردوغان بيوم واحد، كشف متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أن تركيا تخطط لعقد قمة رباعية تركية روسية ألمانية فرنسية، على غرار القمة السابقة في تشرين الأول من العام الماضي، لبحث الوضع في سوريا بجميع جوانبه، وتحديداً الوضع في منطقة إدلب، وذلك في نفس الوقت الذي ستعقد فيه قمة ثلاثي أستانا. وكان أردوغان قد بحث أمر القمة مع نظرائه خلال قمة العشرين الأخيرة.

وأضاف قالن بأن القمة ستبحث كذلك عملية الانتقال السياسي، ولجنة الدستور، وعودة اللاجئين.

وفي قمة العشرين، بحث رؤساء الولايات المتحدة وتركيا وروسيا في لقاءات ثنائية، الملف السوري والتصعيد الخطير في منطقة إدلب.

وسبق كل ذلك اتصال هاتفي بين رئيس هيئة الأركان التركية، يشار غولر مع نظيره الروسي فاليري غيراسيموف، في الأول من الشهر الجاري، للتباحث في الموضوع نفسه.

كما جمع اتصالان هاتفيان (الأول منتصف أيار الفائت، والثاني في آخر الشهر نفسه)، بين الرئيسين أردوغان وبوتين. ألمح فيهما أردوغان على أن التوتر في إدلب يهدد تأسيس لجنة لصياغة دستور جديد لسوريا، ومن شأنه إفشال العملية السياسية.

ومنذ انتهاء قمة العشرين الأسبوع الفائت، هدأت المعارك نسبياً في شمال حماة، دون أن تتوقف حملة القصف الجوي العنيف على المنطقة. دون إمكانية تحديد السبب فيما إذا كانت روسيا تعيد ترتيب قوات جديدة لبدء هجوم آخر أم أن التحركات والضغوطات التركية الدبلوماسية هي السبب في هذه التهدئة.

ليس من الضروري أن تكون الاجتماعات القادمة في تركيا حاسمة لملف إدلب، فمن الممكن ألا تتوصل روسيا وتركيا إلى تفاهم واضح لعودة الهدوء إلى إدلب، في حين أنه من الممكن صياغة اتفاق جديد معدّل عن اتفاق سوتشي حول إدلب.

ومن طبيعة الروس أن يصعّدوا ميدانياً، قبل كل اجتماع دولي حول سوريا، ولن يكون ذلك واقعاً إلا بدخول الميليشيات الإيرانية على خط المواجهة. ويزداد هذا السيناريو احتمالاً في حال كانت روسيا وإسرائيل قد اتفقوا على تنحية الوجود الإيراني من الجنوب السوري الذي تتركز فيه المنشآت والمقرات الإيرانية التي تتعرض للقصف الإسرائيلي الدوري في حال تجاوزت الخطوط الحمر الإسرائيلية.

ربما لن يكون هنالك مانع لإسرائيل بأن يزداد الوجود الإيراني في الشمال السوري، وخاصة أنها تعلم جيداً ما قد تقع فيه إيران من حالة استنزاف في حال دخلت معركة حماة. كما أن الأخيرة قد تدخل المعركة لتفرض نفسها على روسيا وتؤكد لها أنه لا يمكن لميليشيات النظام وروسيا تحقيق أي تقدم بري دون المشاركة الإيرانية.

مع النظر بعين الاعتبار إلى أن زيادة الضغط الأمريكي والغربي على إيران سيدفعها أكثر للارتماء في حضن الروس إقليمياً ودولياً.

تسريبات حول مستقبل إدلب القريب بين الواقع والتمنّي

نشرت صحيفة العربي الجديد يوم الخميس الفائت تقريراً مبنياً على تسريبات من مصادر غير مسمّاة بعنوان "ترتيبات عسكرية وسياسية تركية مرتقبة بخصوص إدلب"، خلص التقرير إلى أن تركيا بصدد التحضير لترتيبات تؤدي إلى ضم إدلب إلى منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وأن الجانب التركي أبلغ شخصيات في الائتلاف الوطني السوري والحكومة السورية المؤقتة أن هناك ترتيبات سياسية وعسكرية وشيكة تخصّ محافظة إدلب وعليهم الاستعداد لهذه المرحلة. وأن مسألة هيئة تحرير الشام ستحل أواخر هذا العام، "سلماً أو حرباً".

وفي هذا الشأن قال السياسي السوري حسن دغيم لموقع تلفزيون سوريا "بداية ليس عندي معلومات عن نية تركيا، لكن ما دامت هي نوايا حسب التقارير التي تظهر فلا نستطيع الحكم عليها"، ولفت دغيم إلى عدم وجود "معطيات حقيقة على الأرض تدل على ذلك".

ومع ذلك يرى دغيم أنه بحكم جوارها الجغرافي ومساندتها للسوريين ودخول جيشها لنقاط المراقبة الـ 12، فإن تركيا "هي الطرف الأقدر على جعل منطقة إدلب شبيهة بغصن الزيتون ودرع الفرات وذلك لتخاذل الدول الأخرى وترك السوريين لمعاناتهم من جهة وعجز الفصائل العسكرية الواقعي عن حوكمة المناطق المحررة وأيضا العجز عن احتواء هيئة تحرير الشام وتفكيكها".

وأوضح دغيم أن سكوت روسيا في حال قامت تركيا بهذه الخطوة سيكون بشرط تحقيق المصالح الروسية في ملفات أخرى مثل التجارة البينية والغاز والمضائق. وذلك لأن موسكو تحرص على أن تكون مصالحها مع أنقرة أكبر من قضية إعادة إدلب لصالح النظام، وتخوّفها في الوقت نفسه من أن تتوسع إيران بشكل أكبر في الشمال السوري، في ظل تفاهم إسرائيلي - أمريكي على إخراجها من سوريا.

ووفق هذه المعطيات يعتقد دغيم بأنه من الصعب التنبؤ بمصير هيئة تحرير الشام "التي تجنّبت في الفترة الأخيرة مواقف علنية عن مصير إدلب مكتفيةً بكلام عام حول التصدي للهجمة الروسية ومحاولةً بالوقت ذاته أن تسوّق نفسها عبر حكومة الإنقاذ".

هذه الخطوة تحتاج لصفقة أوسع بين تركيا وروسيا

ويعتقد الدكتور في العلوم السياسية والعلاقات الدولية علي باكير بأن إقدام تركيا على هذه الخطوة "ممكن نظرياً، لكن عملياً يتطلب الجواب على سؤال، ما هو الثمن الذي ستدفعه تركيا في المقابل لروسيا إذا افترضنا أن الأخيرة موافقة على مثل هذا الأمر؟".

وتابع باكير في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا "هذا أمر غير ممكن عملياً، حتى لو كان هناك قرار بالترويج له سياسياً، ولا يبدو أن الأرضيّة جاهزة لمثل هذا التطوّر"، وأن مثل ذلك لا يمكن أن يحدث إلا ضمن صفقة أوسع مع موسكو، فتركيا لا تستطيع القيام بمثل هذه الخطوة منفردة دون موافقة روسيا.

تفكيك هيئة تحرير الشام "سلماً أو حرباً"

إن كانت تركيا قد خططت لمثل هذا السيناريو بشأن إدلب فلن يكون ذلك وليد اللحظة ونتيجة للظروف الجديدة التي فرضتها روسيا ميدانياً منذ شهرين، خاصة وأن أنقرة تعلم جيداً أن التفاهمات مع روسيا في مساري أستانا وسوتشي "هشة"، وبمقدور روسيا أن تنهيها متى تريد.

والإقدام على هذه الخطوة سيتطلب من تركيا الانتهاء من ملف هيئة تحرير الشام "المُؤجّل" حتى الآن، فالتنظيم المصنف إرهابياً في تركيا ما زال يعمل على فرض نفسه محلياً ودولياً كسلطة أمر واقع، وأكدت الهيئة على ذلك عندما وافقت على دخول الجيش الوطني في معركة حماة واشترطت من أجل ذلك عدم قيام الجيش الوطني بالإعلان عن وجوده ومشاركته علناً عبر إعلامه. وفي الوقت نفسه كانت أنقرة تريد إدخال الجيش الوطني في المعركة لإعطائها مزيداً من الزخم لمعارك الدفاع والهجوم، وتذخير الفصائل الموجودة، وإرسال رسالة لموسكو بمدى جديتها في الدفاع عن إدلب.

لم تخط تركيا حتى الآن بأي خطوة ملموسة في سبيل تفكيك هيئة تحرير الشام رغم الهدوء النسبي الذي كان في إدلب لمدة 6 أشهر بعد توقيع اتفاق سوتشي، هذا الهدوء الذي استغلته تحرير الشام لتعزيز ذراعها المدني المتمثل بحكومة الإنقاذ، والقضاء على خلايا تنظيم الدولة التي سببت لها خسائر كبيرة في المنطقة. وفقدت تركيا الفرصة الأنسب للقضاء على تحرير الشام التي كانت في أسوء حالاتها منتصف شباط من العام الفائت، عندما استطاعت فصائل حركة نور الدين الزنكي وألوية صقور الشام ومجموعات من حركة أحرار الشام، بالتصدي لهجوم عنيف للهيئة وكان الجو العام شعبياً جاهزاً لبدء معركة شاملة ضد هيئة تحرير الشام.

لم تدفع تركيا حينها بالجيش الوطني للدخول في هذه المعركة لطرد هيئة تحرير الشام من ريف حلب الغربي المتاخم لعفرين، ووصل المنطقة بجبل الزاوية كمرحلة أولى للمعركة، ومن ثم التقدم على معاقل الهيئة جنوبي وغربي إدلب.

رئيس الحكومة المؤقتة: المنطقة مقبلة على تغيير كبير

صرّح رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبدالرحمن مصطفى بأن المنطقة في شمال سوريا عموماً، مقبلة على تغيير كبير وأنه سيكون للحكومة المؤقتة فيها دور رئيسي.

وقال مصطفي لموقع تلفزيون سوريا "الخطط المتعلقة بهذا الأمر مرسومة على جميع المستويات، وهي قيد التحضير منذ وقت، ورغم أن المواطنين ينتظرون ذلك منذ مدة إلا أن موعدها اقترب أكثر من أي وقت مضى".

ولدى سؤالنا عن الدور الحقيقي للحكومة المؤقتة في الشمال السوري وسط حديث عن انسلاخ معظم المجالس المحلية عن الحكومة المؤقتة وتبعيتها المباشرة للولاة الأتراك في كلس وعنتاب وهاتاي، وعدم استلام الحكومة لعائدات المعابر الحدودية، وظهور مشكلة امتحانات البكلوريا في شمال وشرق حلب العام الفائت عندما قررت المجالس المحلية أنها ستشرف عليها في حين اعتبرت الحكومة المؤقتة ذلك تجاوزاً لصلاحيات هذه المجالس.

تابع رئيس الحكومة المؤقتة قوله "المستجدات القادمة ومجريات الأمور ستكون مختلفة، وهذه نتيجة للصمود وللجهود التي يبذلها أبناء الشعب السوري في المنطقة، بدعم من الأشقاء في تركيا، أي ظروف مرحلية أو استثنائية استدعتها الأزمات الإنسانية أو الحالات الطارئة ستنحسر سريعاً، ما يتم التحضير له الآن هو عمل مؤسسي شامل يضع كل المسائل الإدارية الرسمية في يد إدارة مركزية واحدة، تتمثل في الحكومة السورية المؤقتة".

وأوضح مصطفى بأن الحكومة المؤقتة ومن خلال الشرعية التي منحها إياها الائتلاف، "هي الطرف الوحيد الذي يملك الشرعية على الأرض والقادر على إيجاد سلطة مركزية على جميع الموارد وفق القانون، بما في ذلك المعابر الحدودية بطبيعة الحال. هذه ستكون نقلة نوعية ضرورية لنجاح واستقرار المرحلة القادمة، وستؤدي إلى تغيير مهم في طريقة الإدارة ومعنى الإدارة وجدوى الإدارة، وسيلمس السوريون بشكل مباشر اختلافاً في طريقة العمل وتقديم الخدمات".

وأضاف "هذه الخطوات هي الخطوات الطبيعية والقانونية والشرعية، ولن يكون لها أي أثر سلبي على المجالس المحلية، بل ستستمر بأداء أعمالها وتطوير خدماتها بشكل نوعي وتكون علاقتها مباشرة مع الحكومة المؤقتة".

ورداً على سؤالنا عن إمكانية حدوث اندماج بين الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ في حال أرادت تركيا زيادة نفوذها في إدلب، قال مصطفى "ما سيحصل في الفترة القادمة هو طرد لأي ميليشيات لا تعمل وفق أجندة الشعب السوري ومبادئ ثورته، الأخوة الأتراك يدركون أهمية ذلك دون شك وهذا ما يدفعهم للاستمرار في دعم المؤسسات الرسمية السياسية والتنفيذية والعسكرية التي أفرزها الشعب السوري".

وختم مصطفى قوله "الثورة ترفض مبدأ محاكم التفتيش، وتلتزم بمبادئ القانون، وفيما يتعلق بأي أشخاص أو كفاءات اضطرت للعمل في ظل سلطة أمر واقع معينة، فهؤلاء يمكنهم أن يساهموا في العمل والبناء طالما لم يكونوا متورطين بأي مخالفات أو انتهاكات ضد الشعب وموارده وحقوقه".

مارست تركيا خلال السنوات الماضية في تعاملها مع واشنطن وموسكو سياسة "إمساك العصا من المنتصف"، وبالنظر إلى عدم وجود أي تقدم في ملفات شمال شرق سوريا العالقة منذ أكثر من عامين بين تركيا والولايات المتحدة، رغم العديد من اللقاءات بين مسؤولي البلدين؛ فمن المستبعد أن تُقدم تركيا على خطوة كبيرة في إدلب، تؤدي إلى انتهاء علاقة المصالح مع موسكو. فبدون أي تفاهم شامل ومتين مع واشنطن، لن تتخلى تركيا عن الهامش المتاح لها في تناقضات العلاقات بين الروس والأمريكان والدول الأوروبية والعربية.