مرفأ اللاذقية: رأس حربة إيرانية متقدمة في البحر المتوسط؟

2019.04.02 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ذكرت عدّة مصادر مؤخراً انّ نظام الأسد وافق على اتفاق يقضي بنقل إدارة مرفأ اللاذقية على ساحل البحر المتوسط إلى النظام الإيراني، مشيرةً إلى أنّ التوصّل إلى هذا الاتفاق كان قد تمّ بُعيد الزيارة الجدلية التي قام بها بشّار الأسد إلى طهران نهاية الشهر الماضي برفقة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وتدير المرفأ بشكل مشترك حالياً شركة سورية وأخرى فرنسية، حيث من المفترض أن ينتهي عقد التشغيل هذا للمرفأ في نهاية أكتوبر من هذا العام وهو ما يتيح نقله إلى الجانب الإيراني الذي ظل يصّر منذ فترة على ضرورة الحصول على المرفأ. وبالرغم من عدم نشر اسم الشركة الإيرانية التي من المقرر لها إدارته، إلا أنّه من المرجّح أن تكون تابعة للحرس الثوري نظراً للخدمات الاستراتيجية التي من المتوقع أن يؤدّيها المرفأ السوري لإيران.

حصول نظام الملالي على مرفأ اللاذقية يعني أنّ طهران قد نجحت في نهاية المطاف في أن تضع موطئ قدم لها على البحر المتوسط. ويعدّ ذلك تتويجاً للجهود الإيرانية لتوحيد الهلال الشيعي في المنطقة تحت قيادتها. قبل عقد ونصف من الزمان كان يُشار إلى هذا المشروع الذي يضم تحالفاً من الأنظمة والأحزاب الطائفية الموالية للحرس الثوري ونظام ولاية الفقيه في بلاد الشام على أنّه أسطورة، أمّا اليوم فيبدو حقيقةً أكثر من أيّ وقت مضى. وتعمد إيران على ترسيخ قيادتها لهذا المحور من خلال إنشاء شبكة من الميليشيات المسلّحة الموالية لها بالإضافة إلى تأسيس بؤر أيديولوجية تابعة لها في هذه البلدان، وأخيراً تنفيذ بنية تحتية قادرة على ربط هذا التحالف اقتصاديا وتجارياً ببعضه البعض بما يخدم مصالح الجانب الإيراني.

قبل عقد ونصف من الزمان كان يُشار إلى هذا المشروع الذي يضم تحالفاً من الأنظمة والأحزاب الطائفية الموالية للحرس الثوري ونظام ولاية الفقيه في بلاد الشام على أنّه أسطورة

عندما زار الرئيس الإيراني روحاني العراق الشهر الماضي، اقترح رئيس غرفة تجارة إيران إقامة اتفاقية تجارة حرّة بين كل من إيران والعراق وسوريا. التحركات الإيرانية بين دمشق وبغداد بالإضافة إلى بيروت، توحي بأنّ طهران تحاول بالفعل تفعيل الانخراط الاقتصادي لهذه الكيانات لأن من شأن ذلك أن يساعدها اقتصادياً على تجاوز محنتها في ظل العقوبات الأميركية وأن يوفّر لها بدائل إقليمية ما كان لها أن تجدها لولا أنّ هذه البلدان تدور في فلكها. من هذا المنطلق، فإن مرفأ اللاذقية يعدّ دافعاً إضافياً لطهران لمتابعة إنشاء خطّها البري الذي يربط دول الهلال الشيعي ببعضها البعض وذلك بموازاة العمل على خط لسكة الحديد.

وبالعودة إلى مرفأ اللاذقية، فإنّ حقيقة أنّ طهران لم يسبق لها إدارة أي من المرافئ خارج حدودها، فإن هذا يؤكّد على الطابع السياسي للصفقة. ويعتقد أنّ إيران تهدف من خلال وضع يدها على المرفأ السوري إلى تحقيق جملة من الأغراض لعل أهمّها من الناحية السياسية التأكيد على مدى نفوذها وتأثيرها على النظام السوري في ظل الحديث المتنامي عن تزايد النفوذ الروسي على الأسد على حساب النظام الإيراني. اقتصادياً، ستسعى طهران من دون شك إلى استخدام المرفأ للالتفاف على العقوبات الأميركية، ولإتاحة الفرصة لشركاتها للعب دور أوسع ولأخذ الحصة الأكبر كذلك من كعكة عملية إعادة الاعمار في سوريا.

ومن السذاجة بمكان الاعتقاد بأنّ الحرس الثوري الايراني سيدير مرفأ اللاذقية من دون أن يستغله من الناحية العسكرية لتمرير الدعم إلى نظام الأسد وحزب الله أو إلى أي من الميليشيات المستحدثة في سوريا، حيث من المتوقع أن يشكّل المرفأ شرياناً حيوياً لإيران عبر البحر وقد يحدث تحوّلاً نوعياً في الدعم العسكري المقدّم لنظام الأسد ولحزب الله في لبنان. ولهذا السبب بالتحديد، فإنّ هذه الصفقة ستحظى بالكثير من الاهتمام خارج سوريا أيضاً لاسيما من قبل إسرائيل والولايات المتّحدة ووسيا.

من المتوقع أن يشكّل المرفأ شرياناً حيوياً لإيران عبر البحر وقد يحدث تحوّلاً نوعياً في الدعم العسكري المقدّم لنظام الأسد ولحزب الله في لبنان

وتشير بعض المصادر إلى أنّ الجانب الروسي متضايق جداً من هذه الخطوة لاسيما أنّها تأتي بعد حوالي عامين من نجاح موسكو في تعطيل اتفاق كان الأسد ينوي من خلاله تأجير مساحة من الأرض على شاطئ اللاذقية لصالح النظام الإيراني لمدة ٩٩ عاماً ليقوم الأخير بإنشاء وإدارة مرفأ خاص عليها. قيل حينها بأن إيران تخطط لإنشاء مرفأ لتصدير النفط منه على أمل أن يساعد ذلك في ترسيخ وجودها الاقتصادي في سوريا. وتبدو خطوة النظام الحالية التفافاً على الجهد الروسي الذي يسعى إلى احتكار الوجود الاقتصادي والعسكري على الساحل السوري باعتبارها منطقة نفوذ خاصة به. وبهذا المعنى، فإن من شأن هذه الصفقة أنّ تثير التوتر بين الأطراف التي تقدّم نفسها على أنّها حليفة في سوريا، أي بين النظام وروسيا من جهة وبين روسيا وإيران من جهة أخرى.

من المحتمل جداً أيضاً أن يؤدي منح نظام الأسد حق إدارة مرفأ اللاذقية لإيران إلى مزيد من العقوبات الأميركية والدولية عليه لاسيما إذا ما تمّ استخدامه لأغراض الالتفاف على العقوبات، وهو ما سيصعّب من موقف روسيا في هذه الحالة. كما أنّ استخدام المرفأ لأغراض لتأمين أفضلية في المكاسب الاقتصادية المنتظرة يعني أنّه سيكون بمثابة منصّة لمنافسة روسيا في سوريا اقتصادياً، وهو أمر من الصعب أن تقبل موسكو به بعد أن نجحت طهران في إزاحتها وحلّت محلّها كأول شريك اقتصادي لسوريا بواقع ٥ مليار دولار.

من الناحية الأمنيّة، قد يعقّد هذا الاتفاق من حسابات روسيا ويعرّض وجودها في الساحل إلى تهديدات أمنيّة متزايدة لاسيما مع إصرار تل أبيب على استهداف الوجود الإيراني داخل سوريا

من الناحية الأمنيّة، قد يعقّد هذا الاتفاق من حسابات روسيا ويعرّض وجودها في الساحل إلى تهديدات أمنيّة متزايدة لاسيما مع إصرار تل أبيب على استهداف الوجود الإيراني داخل سوريا، وهذا سبب إضافي أيضاً لتبرير الرفض الروسي للوجود الإيراني بجوارها على الساحل السوري، لكن إلى أي مدى ستنجح موسكو مجدداً في تعطيل هذه الصفقة؟ وهل يعكس إصرار الأسد على المضي قدماً فيها تغيّراً في معادلة موازين القوى والعلاقات الحاكمة بين المثلث الأسد والروسي والإيراني؟ أعتقد أنّ مصير الصفقة سيطلعنا على هذه التفاصيل قريبا.