icon
التغطية الحية

مرض الذهان.. وجه آخر لكوارث الحرب في سوريا

2019.04.08 | 17:04 دمشق

مركز سرمدا للصحة النفسية ( تلفزيون سوريا)
سيلا الوافي - تلفزيون سوريا - إدلب
+A
حجم الخط
-A

لم تفترس الحرب في سوريا الأجساد فقط، بل تعدتها لتبسط رعبها على قلوب وعقول السوريين من أطفال ونساء ورجال، جراء معايشتهم لأهوال القصف ومشاهدة أشلاء الجثث والدماء المسكوبة على الطرقات، والتي تسببت بانتشار حالات الذهان والاضطرابات النفسية والاكتئاب بين المدنيين.

في مدينة سرمدا بريف إدلب والتي شهدت كغيرها من مدن وبلدات المحافظة قصفا عنيفا وأعمالا عسكرية، تنتشر حالات الذهان بين المدنيين، حيث افتتحت دار لاستشفاء الأمراض النفسية، إلا أن هذه الدار لم تتمكن من القضاء على حالات الخوف التي تنتاب مرضاها وذلك لشعور المريض الدائم بفقدانه للبيئة الحاضنة له.

"عباس الحسن" شاب يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاما عانى منذ صغره من مشاكل عائلية جعلته يعيش طفولة منعزلة سببت له بعض الاضطرابات النفسية ليزداد وضعه الصحي سوءا بعد مقتل أحد أعز أصدقائه نتيجة القصف على قريته، إضافة إلى مشاهدته الدماء والجثث في الشوارع، ما جعله حبيسا لاضطراباته النفسية محاولا في العديد من المرات الانتحار أو الاعتداء بالضرب على أقاربه.

ومثله "قمر" (خمسة وعشرون عاما)؛ لم تتمكن من السيطرة على حالتها النفسية بعد فقدها لزوجها الذي أصيب بطلق ناري، فبدأت تصاب بنوبات نفسية حادة وتعتدي بالضرب على الصغار والكبار، ما جعل أهلها يقومون باللجوء لمركز الرعاية الصحية من أجل معالجتها.

 

كيفية استقبال الدار لمرضاها

يقول عبد العزيز حسن المرشد النفسي والمشرف على حالات علاج المرضى لـ موقع تلفزيون سوريا، إن عمله هو رديف وجزء من عمل الطبيب المختص الذي يكون مشرفا على الجانب الدوائي، بينما نقوم نحن بجلسات العلاج النفسي حيث يتم استقبال المريض من قبل الطبيب ضمن العيادات الخارجية لتقييم حالته الصحية والنفسية ومدى حاجته للعلاج الدوائي أو النفسي ليتم تحويله إلى دار للاستشفاء.

 

                           مريض يمارس نشاطا معرفيا وترفيهيا  (تلفزيون سوريا)                                                                                                          

 

ويضيف "نقوم نحن بدورنا بتقديم عدة برامج وأنشطة حركية وتأهيل معرفي وأنشطة ترفيهية من مهارات اجتماعية وحياة مستقلة التي تصب في صالح إعادة دمج المريض ضمن المجتمع وتأهيله قدر الإمكان لجعله مستبصرا لمرضه تماما وتشجيعه على متابعة العلاج سواء في المركز أو خارجه".

 ويتابع "نجد الكثير من آثار التعنيف على أجساد المرضى كجروح بأدوات حادة وعلامات لحروق سجائر سببها عدم وعي أو إدراك المريض لما يفعله أو يدور حوله".

 

أرقام مرعبة لعدد حالات مرضى الذهان

يؤكد الطبيب "محمد ساطو" اختصاصي الأمراض النفسية والمشرف الطبي بوحدة سرمدا للأمراض العقلية والنفسية لـ موقع تلفزيون سوريا، أن نسبة ارتفاع عدد المرضى النفسيين في تزايد نتيجة الحرب الدائرة في  سوريا منذ ثماني سنوات، بحسب الإحصائيات المجدولة منذ افتتاح الوحدة.

ويضيف "هناك ( 10366)حالة مقسمة فقط بين مرضى تم قبولهم واستشارات ضمن العيادات الداخلية والخارجية، و(536) حالة مقسمين بين حالات حادة مثل نوبات الذهان الحاد والاكتئاب الذي قد يودي بصاحبه للانتحار، إضافة إلى الأمراض العقلية التي ترافقها اضطرابات سلوكية".

يقوم الكادر الطبي بدعم من منظمة الصحة العالمية، بتقديم العلاج للمرضى بالإضافة إلى وجود العيادات المتنقلة  التي تهتم بمتابعة حالات المرضى بعد خروجهم من الدار وتتألف الوحدة من كتلتين بنائيتين، قسم للرجال وآخر للنساء لكنها لا تتمكن من استيعاب أكثر من عشرين سريرا ومدة استقبال أقصاها شهرا لكل مريض على اعتباره المركز الوحيد المختص بعلاج الحالات الحادة.

ازدياد واضح بنسب الاكتئاب عما كانت عليه قبيل الحرب (تلفزيون سوريا)                                                               

 

إمكانيات ضعيفة تمنع من استقبال الأطفال

أما بالنسبة للأطفال فليس هناك استطاعة أو مجال لاستقبالهم بحسب شروط الوحدة التي تقتصر على استقبال البالغين فقط بدءا من 18 عاما فما فوق وكذلك الحال بالنسبة لحالات الإدمان.

فهناك ازدياد واضح ومضاعف بنسب الاكتئاب عما كانت عليه قبيل الحرب حيث تصل الآن إلى نسبة 15% تقريبا بين فئات المجتمع من بينها الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة الذين هم أكثر تأثرا بظروف الحرب وعرضة للإصابة بالاضطرابات السلوكية، وتظهر عند الأطفال كضعف في التحصيل الدراسي والتسرب وانتشار العمالة التي هي أكثر شيوعا بين  الأطفال حيث ازدادت بشكل كبير في ظل الحرب والفوضى الدائرة التي تسببت في فقد معيل الأسرة، فجعلت من الأطفال الصغار آباء مثقلين بالهموم والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم من أجل تأمين لقمة العيش.

 

وصمة عار !

رغم المعاناة والألم التي يعاني منها المريض أو ذووه إلا أنهم يعيشون في خوف دائم وتردد من الإقدام على خطوة العلاج، فهي آخر الحلول المتاحة خوفا من "وصمة العار" التي تطلقها فئة ليست بصغيرة من المجتمع على مرضى الاضطرابات النفسية موجهة أصابع الاتهام لهم على أنهم مجانين ومختلون عقليا وما من سبيل لشفائهم.

ووفقا للطبيب "محمد ساطو" لا يمكن إيجاد طريقة في الوقت الراهن لتفادي وقوع المواطنين في الأزمات النفسية الحادة وخاصة أن الظروف الراهنة التي يعيشها السوريون في المخيمات التي لا تصلح للحياة واستمرار القصف وانعدام فرص العمل وغيرها من الأسباب قد تؤدي إلى تزايد الحالات المرضية ولا يمكن لدار الرعاية الصحية من تغطية جميع المناطق لانعدام الإمكانيات لديها.