icon
التغطية الحية

ما هو احتمال نشر قوات عربية في سوريا؟ ومن ستواجه تركيا أم إيران؟

2018.04.19 | 22:04 دمشق

القوات الأمريكية في مناطق سيطرة "قسد" (الإنترنت)
تلفزيون سوريا - ماهر الوكاع
+A
حجم الخط
-A

بدأت فكرة إرسال قوات عربية إلى مناطق تسيطر عليها القوات الأمريكية وحلفاؤها في شرق سوريا تأخذ منحىً متصاعداً مع توالي التصريحات التي تؤيد هذه الخطوة أو تناهضها.

ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ما زالت تحاول حمل دول عربية على القبول بالفكرة، بعد كشف صحيفة "وول ستريت جورنال" منذ يومين عن اتصالات تجريها واشنطن مع دول خليجية من أجل المشاركة في هذه القوات ودعمها مالياً، فضلاً عن اتصال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بمدير المخابرات المصري لإبلاغه بالخطة الأمريكية ومعرفة موقف القاهرة منها.

ونقلت في نفس الإطار شبكة "سي إن إن" عن مصادر أمريكية مسؤولة اليوم أن ترمب يدرس تقديم ما وصفته بـ "مكافأة إجبارية" للسعودية من أجل إقناعها بإرسال قوات إلى سوريا، وهي واحدة من من الأفكار التي يدرسها حالياً مجلس الأمن القومي الأمريكي بحيث تصبح المملكة -إذا وافقت على الخطة - دولة بدرجة حليف رئيسي خارج الناتو مثل إسرائيل والأردن وكوريا الجنوبية.

بدوره "البنتاغون" لم ينفِ بحسب تصريحات المتحدث باسمه أريك باهون، عمل واشنطن على الخطة الجديدة وقال: "الرئيس كان قد صرح بأن الولايات المتحدة طلبت من حلفائها بما فيهم شركائنا بالمنطقة، تقديم مساهمة أكبر لتحويل سوريا إلى مكان للاستقرار والسلام، وغير قابل لعودة تنظيم الدولة إليه مرة أخرى".

ولم يصدر رد عربي صريح على الخطة سوى من السعودية، حيث قال وزير خارجيتها عادل الجبير إنهم يجرون نقاشاً مع واشنطن حول نوعية القوات التي يجب أن تتواجد شرقي الفرات، ومن أين ستأتي هذه القوات، وأنهم طرحوا الفكرة منذ بداية هذه السنة.

وشدّد الجبير على أن فكرة إرسال قوات عربية أو إسلامية إلى سوريا ليست بالجديدة، وأن السعودية سبق وأن اقترحتها على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.


احتمالات إرسال قوات عربية إلى سوريا

وبما أن الخطة مازالت أفكاراً لم يتم تنفيذها على الأرض، يبقى احتمال وجود قوات عربية شرق سوريا كبديل عن القوات الأمريكية، خاضع لعدة اعتبارات، فالمنطقة التي طُرد منها تنظيم الدولة حديثاً وتسيطر عليها "قسد" مازالت محط نظر النظام ومن خلفه إيران وروسيا، بالإضافة لتركيا التي تعتبر "وحدات حماية الشعب" خطراً على أمنها القومي.

وفي هذا الصدد يرى الكاتب السوري عبد الناصر العايد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن احتمال إرسال قوات عربية ضخمة بشكل واضح إلى سوريا غير وارد، وأن وجود قوات من هذا النوع قد يقتصر على كونها جزء من تركيبة تحالف يقوده بولتن (مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد) لتحجيم إيران في سوريا والضغط على روسيا.

وفي حال نجحت المشاورات بهذا الخصوص يعتقد العايد أن طبيعة التواجد العسكري في شرق سوريا مستقبلاً سيكون عبارة عن تحالف عسكري نواته القوات الأمريكية التي ستتولى المهام القتالية في حال تعرضت المنطقة لهجمات خطيرة من تنظيم الدولة، أو إيران أو الروس، وتحيط بالقوات الأمريكية دائرة من القوة العربية تكون منظمة ومنضبطة، وهناك دائرة ثالثة هي من القوا ت المحلية (أبناء المنطقة العرب).

وشبه العايد القوات العربية بـ "المخدّة" التي تفصل بين القوات الأمريكية، والقوات المحلية التي من الممكن أن تشكّل مخاطر للقوات الأمريكية، فهي لن تكون منضبطة ومسيطر عليها بشكل كامل هناك، ومن المحتمل أن يتم اختراقها من قبل إيران كما حصل في العراق، وتوقع خسائر بشرية بالقوات الأمريكية وهو ما يشكل مصدر رعب وقلق لواشنطن.

أما الباحث السوري سنان حتاحت يرى أن السعودية أبدت مبدئياً استعدادها لإرسال قوات إلى سوريا، ويتوقع أن ترافق الإمارات أي قوّات سعودية في حال تم إقرار هذا الخيار. وصاحب مشروع إقناع القوى العربية بالانتشار شرقي الفرات جون بولتون، الذي لا يمكن تجاهل رؤيته في المشرق. فهو من أشرس السياسيين الأمريكيين عداوة ضد إيران، وفي ذات الوقت يؤمن بضرورة أن تتصدّى القوى المحلية لهذه المهمة ولا ضرر من أن تغرق المنطقة ببحر من الدماء، فهذه الطريقة الأولى لإصلاحها. وفق حتاحت.

ويتوقع حتاحت أن تطلب الدول العربية من أمريكا أن تقوم بتدريب قواتها وأن ترافقها قوات جوية أمريكية بالإضافة إلى ضبّاط ارتباط. يؤمن العديد من الساسة العرب أن من شأن مثل هذه العمليات العسكرية المشتركة أن تنشئ علاقة مميزة بين جيوشها والجيش الأمريكي، وأن الاستثمار في مثل هذه العلاقات سترفع من رصيد أنظمتها ضمن المؤسسات العسكرية الغربية.

ورغم كل هذه المؤشرات القوية التي تدلّ على وجود قوات عربية على الأراضي السورية كبديل عن التواجد الأمريكي أو مرافق له، هناك من يقلل من هذا الاحتمال، فالباحث علي باكير يرى أن ترجيح إرسال مثل هذه القوات إلى سوريا في الوقت الراهن ضعيف جداً، إن لم يكن مستحيلاً. 


القوات ستواجه إيران أم تركيا؟

في الضفة المقابلة لم يتأخر النظام بالرد على الخطة المحتملة واعتبرت بثينة شعبان المستشارة الإعلامية والسياسية لرئيس النظام عزم ترمب استبدال القوات الأمريكية في سوريا بأخرى عربية أمر في غاية الغرابة. وقالت في تصريح لروسيا اليوم: "في حال صحة التسريبات فإنه أمر غريب جداً أن تقوم دولة احتلال غير شرعي بتوجيه دعوات لأطراف أخرى كي تأتي وتحتلّ البلد أيضاً".

أما حليفة النظام إيران وصفت الخطوة بـ "حرب بالإنابة"، وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي الإيراني، حسين نقوي حسيني: "إن واشنطن تريد تحميل حلفائها تكلفة الحرب في سوريا مالياً وبشرياً، هذا التحرك ينطبق على مقولة الحرب بالإنابة، أمريكا تريد أن يحارب حلفاؤها بدلا منها في المنطقة".

وإذا كانت إيران ترى أن نشر مثل هذه القوات يستهدف تقويض وجودها العسكري في سوريا، فإن تركيا التي لم تبدِ رأيها بشكل واضح من الخطوة، لابدّ أن تنظر بريبة إلى نشر قوات عربية في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية".

وتكررت خلال الفترة الماضية تصريحات المسؤولين الأتراك حول عزم بلادهم متابعة عمليتها العسكرية على الحدود السورية التركية، لطرد "وحدات حماية الشعب" من شمال سوريا، كما فعلت في عفرين، ولذلك يعتبر وجود قوات عربية في مناطق "قسد" دعماً لها بمواجهة تركيا.

ويرى الكاتب السوري عبد الناصر  العايد، احتمال وضع القوات العربية في مواجهة تركيا لن يكون وارداً، فالمشاركة المصرية لن تكون كبيرة وفعالة للوقوف بوجه الأتراك، ويضيف العايد إلى ذلك سبب آخر هو عدم رغبة واشنطن برفع يد وحدات حماية الشعب عن المنطقة الشمالية القريبة من الحدود التركية، ويعتقد أن هذه القوات ستكون مهمتها في وادي الفرات جنوب شرق سوريا والحدود العراقية وسيبقى دور "الوحدات" في هذه المنطقة محجماً.

وفي نفس السياق قال باكير لموقع تلفزيون سوريا "في حال افترضنا أنه سيتم إرسال قوات، فإن الهدف المنشود من نشرها سيعتمد على المكان الذي ستتمركز به داخل سوريا، فإذا تمركزت قرب الحدود التركية فستفهم أنقرة على أن هذه القوات موجّهة ضدها. أما إذا نشرت مثلاً في جنوب سوريا أو قرب التنف فقد تكون موجهة ضد الجانب الإيراني".

أما الباحث سنان حتاحت فيرى أن الهدف المباشر لهذه القوات محاربة تنظيم الدولة وبناء منطقة عازلة بين العراق وسوريا، فالأوساط الأمريكية تعتقد أن انفلات الحالة الأمنية على طول الحدود العراقية الغربية هو أحد أسباب صعود التنظيم ونشأة القاعدة أعقاب غزو العراق. ولذلك ينظر لهذه المنطقة أنها صمام أمان للعراق ونفطه.

أمّا الهدف الثاني بحسب حتاحت، هو مقارعة إيران في منتصف هلالها الشيعي، وإذ تسيطر اليوم الأخيرة على غربي حوض الفرات من خلال تحالفها مع النظام بالإضافة إلى تجنيدها ميليشيات محلية، يؤمن الاستراتيجيون الأمريكيون أن الحفاظ على قوة مضادة بالقرب منها يؤسس لقاعدة انطلاق عسكرية سريعة ضد مصالح إيران في حالة الضرورة، بالإضافة إلى إمكانية استغلال هشاشة الوضع الأمني في حال عودة تنظيم الدولة إلى البادية مما قد يتيح الفرصة أمام تلك القوات من انتهاز الفراغ الأمني الناشئ وتوسعة رقعة سيطرتها شرقي سوريا.

وفيما يتعلق بمواجهة تركيا، فهو باعتقاد حتاحت هدف غير معلن ويبقى في حيز سياسات الاحتواء بعيداً عن المواجهة العسكرية، وهذا موقع التقاء مع الدولة العربية التي باتت ترى توسع تركيا في المنطقة العربية بعين الريبة.
 

تأثيرها على تحالف "سوتشي"

في حال نُشرت قوات عربية في سوريا هل ستؤثر على التفاهمات التركية الروسية الإيرانية في سوريا، والتي صيغت في مؤتمر "سوتشي"؟ الباحث علي باكير يعتقد أن الخطة الأمريكية فيما إذا تمت ستدفع إلى تقوية هذا المحور الذي لم يتحول برأيه إلى تحالف بعد ولا سيما من الناحية الأمنية.

ويعتبر حتاحت تفاهمات سوتشي هشة ومعرضة للانهيار في أي وقت، فأهداف تركيا في سوريا تختلف كثيراً عن أهداف كل من روسيا وإيران، وعلاقتهم في البلاد قائمة على مبدأ التفاهم على القطعة وذلك بالالتقاء حول هدف وقف التصعيد. وبالتالي تتطلّع تركيا إلى بناء مناخ يعيد الدفء لعلاقتها مع أمريكا وترى في انتشار قوى عربية شرقي الفرات ضياع ورقة تفاوض بينها وبين واشنطن. أملت تركيا وما تزال تساوم أمريكا على اعترافها بواقع شرقي الفرات مقابل عودة تعاونهما الأمني في حين قد تدفعها عملية إرسال قوات عربية إلى المنطقة للتفاهم مع الوكيل المحلي عوضاً عن الأصيل الأمريكي.