icon
التغطية الحية

ما علاقة معركة ريف حماة بأزمات نظام الأسد الداخلية؟

2019.05.24 | 16:05 دمشق

نازحون من ريف حماة (رويترز)
وجيه حداد - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أوقفت تغريدة لترمب الصيف الماضي معركة إدلب بعد حشود واستعدادات عسكرية وإعلامية لها، ولكن الفترة الواقعة بين المعركة المعطلة وإعادة انبعاثها ابتداء من ريف حماة الشمالي كشفت أن محاولات تعويم الأسد لا تصطدم بالعقبات السياسية والعسكرية فقط، وإنما يقف الواقع الاقتصادي والخدمي المنهار حائلا بينها وبين تحقيق الفكرة.

فالأزمات المتتالية التي عصفت بالنظام كشفت للحاضنة الشعبية قبل غيرها، أن استمرار نظامه لم يعد ممكنا بسبب عجزه البنيوي عن تأدية الوظائف الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة منه، حتى بالحد الأدنى، واتسمت الشهور الماضية بارتفاع منسوب الإحباط والغضب لدى شرائح الموالين وتوجيه الاتهام للسلطة، وخلافا للعادة تمت مخاطبة الأسد شخصياً وتوجيه الاتهام المباشر أو المبطن له بوصفه المسؤول عما يجري.

في ظل هذا الواقع، عمد النظام إلى اتخاذ مجموعة من التدابير السريعة والفورية في محاولة منه لترميم الصورة وإيقاف التدهور الذي بات يهدد استمراريته، بذات بالقدر الذي يهدد أيضا المشاريع السياسية لداعميه الروسي والإيراني، كلٌ على حدة.

ارتفاع منسوب الانتقادات العامة

ففي الجانب الأمني تم الإيعاز للأجهزة الأمنية لتشديد القمع وكم الأفواه وإخراس الانتقادات المتصاعدة التي باتت تشكل حالة تململ  من شأنها أن تضع المجتمع السوري على أعتاب انفجار محتمل، وطالت الحملة المدروسة والعشوائية الكثير من أبناء مناطق "المصالحات" كما طالت بعض الناشطين النوعيين، ولم يسلم من الحملة إعلاميو السلطة المعروفين تاريخيا بولائهم وتم زجهم في السجن بذرائع شتى، ورغم خروج بعضهم من الاعتقال بعد أيام، إلا أن منسوب الانتقادات العامة إعلاميا، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي باتت مقننة وحذرة إلى حد كبير.

وترافقت الحملات الأمنية مع تكثيف إعلامي لمفهوم الحرب الاقتصادية التي يتعرض لها النظام بوصفها المسؤولة عن سوء الواقعين المعيشي والخدمي، كما تم استعادة أجواء المؤامرة والمعركة المستمرة و"محاربة الإرهاب" كأولوية على كل مناحي الحياة بما فيها الهم الاقتصادي.

اقتصاديا: على الرغم  من نجاح النظام إعلاميا وتصويره بأن أزمة المحروقات قد انتهت، أو تراجعت بشكل كبير إلا أن الواقع يخالف الصورة، فما انتهى منها هو الجانب الشكلي فقط، حيث تم تحوير الصورة ونقل الأزمة من واقع نقص للكميات إلى أزمة أسعار مرتفعة، وتزيد عن مثيلاتها العالمية، ما يعني عمليا نقل الأزمة من النظام إلى المواطن و تحميله أعباء إضافية، علما أن أزمة الكميات نفسها ما تزال حاضرة وبقوة حتى في القطاع العام  وفي الجانب الإنتاجي منه، وهو ما كشف عنه توقف معمل بورسلان حماه بسبب انقطاع توريد المازوت إليه.

عجز عن وقف تدهور الاقتصاد

أما على صعيد الوضع الاقتصادي للسوريين في الداخل فإن القوة الشرائية المرتبطة بتبدلات سعر الصرف قد تراجعت بنسبة 30%، وإذا أضيف لها التضخم المبدئي الناشئ عن الأزمات وتحرير سعر الطاقة فإن انخفاض القوة الشرائية خلال الشهور التسعة الماضية يقدر بـ 40% مقارنة مع منتصف العام الماضي، وهي نسبة صادمة تتعاكس مع الوعود التي أطلقها النظام لجهة تحسين الوضع المعيشي وزيادة الرواتب والأجور وتثبيت الأسعار، وتشير المآلات الراهنة إلى استمرار تآكلها وانحدار الوضع المعيشي العام.

ضمن هذا الإطار وفي هذا التوقيت بالذات، وفي ظل عجز النظام عن وقف تدهور الوضع الاقتصادي، يمكن النظر سياسيا إلى معركة ريف حماه الشمالي كخطوة تقع على تقاطع خطي الزلازل الداخلية والخارجية التي يقف عليها النظام حاليا، وتمثل تتويجا لرغبته في عزل الأزمات الداخلية عن الفعل السياسي، واستعادة مفهوم السياسة الأسدية بوصفها حقا حصريا له، وتصويبا لانفلات وتسرب الفعل السياسي إلى الشارع الموالي، وإن كان في صوره الجنينية الأولى التي ظهرت على شكل تململ او انتقادات أو مناشدات.

شراء الوقت

وإذ ترمي المعركة بأهدافها الداخلية من منظور النظام إلى قطع خيط السياسة الوليد في الشارع على خلفية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك القطع محمول، افتراضيا، على نصر محتمل من شأنه أن يلمع الصورة التي تصدعت لدى حاضنته، ويشتري مزيدا من الوقت بانتظار متغيرات يمكن لها أن تساعده ماديا.

بهذا المعنى سيكون صعبا على النظام تقبل الخسارة في المعركة الحالية سواء لجهة الخسائر البشرية الكبيرة التي مني بها خلال المعارك الدائرة والتي تشير التقارير المحلية إلى تكتمه عليها، ومحاولة تأجيل الإعلان عنها، أو لجهة عدم قدرته على إحداث اختراق نوعي رغم الغزارة النارية الهائلة، وإتباعه لسياسة الأرض المحروقة بمساندة الطيران الروسي، علما أن مجرد إطالة المدة الزمنية للمعركة هي شكل من أشكال الخسارة للنظام، وتعد استنزافا ماديا هائلا لاقتصاد منهك غير قادر على تحمل أكلاف معركة مديدة.

من شأن معركة ريف حماة التي أريد لها أن تخفي الأزمات، أن تمنح الأسد بعضا من الوقت في حال انتصاره، غير أن الخسارة سيكون لها وقع شديد على النظام والحاضنة التي يرجح أن تفتح باب الأسئلة على مصراعيه، من باب الهم المعيشي وربما من باب السياسة هذه المرة.