icon
التغطية الحية

ما الذي يجري في ريف حماة؟

2019.05.11 | 21:05 دمشق

دبابة لهيئة تحرير الشام شمال حماة (إنترنت)
منار عبد الرزاق - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

ميلشيا (قوات النمر) المدعومة من موسكو تتقدّم بدعم جوي كثيف من قبل الطيران الروسي وبراميل النظام بريف حماة الشمالي، وتسيطر على عدة بلدات استراتيجية من بينها "كفرنبودة" التي تعد بوابة الدفاع الأولى عن إدلب، بعد محاولاتها الفاشلة في التقدم على محور تل الصخر، ثم مالبثت أن استكملت التقدم في عدة قرى من بينها "قلعة المضيق" بدون قتال كونها ساقطة عسكريًا بحكم وقوعها تحت السيطرة النارية لقوات النظام.

هكذا بدا المشهد في التاسع من أيار/ مايو الجاري، والذي أتى عقب تصعيد غير مسبوق من قبل الطيران والمدفعية على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بريفي إدلب وحماة في أيامها الأولى، ثم امتدت لتشمل ريفي حلب الجنوبي واللاذقية في الأيام الأخيرة، وهذه الحملة التي لاتزال مستمرة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 100 مدني وإصابة مئات آخرين، فضلًا عن مساهمتها بتهجير نحو  150 ألف مدني على الأقل فروا من القصف إلى الممخيمات والقرى الحدودية شمال إدلب.

كل ذاك التصعيد والهجمة الشرسة من قبل النظام وحلفائه، قوبل بمشاركة خجولة من الفصائل التي تشكّل الثقل العسكري في المنطقة والتي على رأسها "هيئة تحرير الشام"، فيما اقتصرت مشاركة "جيش العزة" على بعض استهداف الآليات العسكرية لقوات النظام بصورايخ "الميم دال"، فيما حاول أبناء "كفرنبودة" المنضويين تحت مسميات فصائلية مختلفة كـ "الجيش الثاني، جيش النصر، وحركة أحرار الشام"، الدفاع عنها حتّى آخر رمق، لكنهم اضطروا إلى الانسحاب منها، بسبب القصف المكثّف لطيران النظام والذي أدى إلى تسوية أحياء المدينة بالأرض.

تلك التطورات الميدانية على الأرض، لم تحظَ بأي ردة فعل من أنقرة التي اكتفت بالصمت، فيما توعدّت موسكو باستمرار العملية العسكرية لطرد من وصفتهم بـ"الإرهابين" من "المنطقة منزوعة السلاح"، متذّرعة بأنّ الهدف الأساسي لها سيكون منع الهجمات بـ"طائرات بلا طيار" على قاعدة حميميم العسكرية، والتي تتهم على الدوام من تصفهم بـ"التنظيمات الرديكالية بتنفذها".

هذه الأحداث أوحت أنّ هناك اتفاقًا بين أنقرة وموسكو قد ينجز ضمن تفاهمات "سوتشي" و"أستانا" وهو السماح لميلشيات النظام بدعم روسي بالوصول إلى الطرق الدولية ((M5-M4، وتطويق المنطقة الآمنة، وضرب طوق عسكري لحلفاء موسكو حول قاعدة حميميم

هذه الأحداث أوحت أنّ هناك اتفاقًا بين أنقرة وموسكو قد ينجز ضمن تفاهمات "سوتشي" و"أستانا" وهو السماح لميلشيات النظام بدعم روسي بالوصول إلى الطرق الدولية ((M5-M4، وتطويق المنطقة الآمنة، وضرب طوق عسكري لحلفاء موسكو حول قاعدة حميميم وما دعّم تلك الفرضية في ذاك الوقت، هو ما أفادت به مصادر في فصائل المعارضة بصدور تعليمات من قيادة الفصائل تتضمن تثبيت نقاط التماس وعدم شنّ هجوم مضاد.

في صباح اليوم التالي، انقلبت الأمور في الميدان رأسًا على عقب، إذ أعلنت المعارضة شنّ عملية عسكرية واسعة لاستعادة المناطق التي خسرتها شمال حماة، ونجحت في السيطرة على قرى "الشريعة، باب الطاقة، وأجزاء كبيرة من الحماميات وكفرنبودة"، لكنها اضطرت للانسحاب من الأخيرة على وقع القصف الهستيري لطيران النظام وروسيا، بالتزامن مع تأكيد قادة عسكريين فيها عن الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم.

في هذا الإطار، قال القيادي في المعارضة والمسؤول عن غرفة عمليات حماة الملقب بـ "أبي شهاب" إنّ "مقاتلي المعارضة مصصمين على استعادة جميع المناطق التي خسروها مع النظام"، عازيًا أسباب تهلهل الجبهات في اليوم الأول من المعركة إلى "القصف الجنوني (الجوي والبري)"، واصفًا إياه بـ "الأكثر ضراوة في العصر الحديث"، مضيفًا أنّ "من جملة أسباب التهلهل هو التحشيد الكبير للنظام، واستهداف البيئة الأهلية لمقاتلي المعارضة، ما جعل تفكيرهم في الميدان ينصب على إيجاد طرق آمنة لخروج ذويهم من تحت القصف".

وأكدّ القيادي في المعارضة أنّ "المعنويات كبيرة لدى المقاتلين، بعد أن تم إبطال مفاعيل هجوم النظام ومنع تمدده في المنطقة، وتثبيت نقاط دفاعية"، لافتًا إلى أنّ "لا يهمه ما يجري في كواليس الساسة، وما يُشاع عن اتفاقات دولية وإقليمية بخصوص المنطقة" وأنّ "الجهود منصبة (فقط) على منع تقدم النظام"، وفيما يتعلق بخسارة بلدتي "كفرنبودة" و"المضيق"، قال أبو شهاب إنّ "الأخيرة ساقطة عسكريات بحكم أنها مكشوفة لقوات النظام الذين يشرفون عليها من عدة زوايا".

وأكدّ القيادي في المعارضة أنّ "المعنويات كبيرة لدى المقاتلين، بعد أن تم إبطال مفاعيل هجوم النظام ومنع تمدده في المنطقة، وتثبيت نقاط دفاعية"، لافتًا إلى أنّه "لا يهمه ما يجري في كواليس الساسة، وما يُشاع عن اتفاقات دولية وإقليمية بخصوص المنطقة"

ومما أسهم بتعزيز دور مقاتلي المعارضة، ومنع تقدم النظام، تدمير صواريخ "التاو" الداخلة ضمن منظومة "ميم دال"، لعشرات الأهداف الثابتة والمتحركة لقوات النظام، في هذا السياق، يقول المسؤول عن طواقم (الميم دال) في حماة، الملقب بأبو عبدو كاف لـ "تلفزيون سوريا" إنّ "طواقم وقواعد الميم دال أسهموا في إصابة عدد من الأهداف الثابتة والمتحركة لقوات النظام بعد رصدها".

وأوضح القيادي في المعارضة أنّ "طواقم الميم دال دمرت أربعة أهداف ثابتة ومتحركة لقوات النظام يوم أمس، من بينها دبابتان، وسلاح ثقيل، وتجمع لسيارات النظام"، مشيرًا إلى "تدمير الطواقم خلال الأيام الماضية لعدد من الأهداف العسكرية من بينها عدد من الدبابات"، لافتًا إلى أنّ "عدد الأهداف التي تم تدميرها للنظام، سيتم الكشف عنها بعد الانتهاء من المرحلة الأولى من المعركة".

انتقال فصائل المعارضة من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، تزامن مع تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار من مدينة "ييلادغ" في ولاية هاتاي الواقعة على الحدود مع محافظة إدلب، التي قال فيها: "يتوجب لجم هجمات قوات الأسد على جنوبي إدلب وضمان انسحابها إلى الحدود المتفق عليها في مسار أستانة"، ما يشي أنّ العمل العسكري ضد قوات النظام وخروقات الروس للاتفاقات مع أنقرة، يسير ضمن غطاء سياسي من الضامن التركي.

انتقال فصائل المعارضة من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، تزامن مع تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار من مدينة "ييلادغ" في ولاية هاتاي الواقعة على الحدود مع محافظة إدلب، التي قال فيها: "يتوجب لجم هجمات قوات الأسد على جنوبي إدلب وضمان انسحابها إلى الحدود المتفق عليها في مسار أستانة"

مايجري من تصعيد في إدلب ومحيطها، والتصريح الأخير لوزير الدفاع التركي، يعكس عدم وجود اتفاق نهائي بين أنقرة وموسكو حول إدلب ومحيطها، على الرغم من اتفاقهما على محاربة ما يسمى بـ "المجاميع الإرهابية" في المنطقة، إضافة إلى تسيير دوريات مشتركة بين الجانبين على طول حدود المنطقة "المنزوعة السلاح"، إضافة إلى فتح الطرق الدولية.

ولعلّ التصعيد العسكري الروسي الأخير يعكس أيضًا خشية أنقرة من عدم إيفاء موسكو بالتزاماتها، وخاصة أنّ الأخيرة تتعمد المرواغة في السياسة للحصول على مكاسب في الميدان، وهو ما بدا جليًا في تهربها من اتفاقات "خفض التصعيد" بمحافظات "دمشق، حلب، حمص، ودرعا"، والسيطرة عليها بعد تهجير أهلها، خاصة أنّ الأخيرة تبدي ذلك علنًا من خلال إعلانها باستمرار رغبتها بالسيطرة على كامل إدلب، عبر سياسة القضم البطيء أو ما يطلق عليها عسكريًا لدى الروسي بسياسية "الخطوة خطوة" ولدى النظام بـ"دبيب النمل".