icon
التغطية الحية

ما الذي دفع الإمارات والبحرين لإعادة العلاقات مع نظام الأسد؟

2018.12.28 | 17:12 دمشق

رجل يعمل على شارة سفارة دولة الإمارات أثناء إعادة فتحها في دمشق (رويترز)
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

ربما لم تكن الخطوة الإماراتية والبحرينية المتضمنة إعادة فتح سفارتيهما في دمشق كإعلان صريح عن عودة العلاقات الرسمية مع نظام الأسد مفاجئة، خاصة وأنه قد سبقها حراك طويل جرى خلف الستار تسربت بعض تفاصيله سابقاً، وانطلقت إشارته الأولى منذ المصافحة الحارة بين وزير الخارجية البحريني ووزير خارجية النظام في مقر الأمم المتحدة شهر أيلول / سبتمبر الماضي، وأخيراً فقد مهدت لعملية فتح السفارات زيارة رئيس الأمن القومي "علي مملوك" قبل عدة أيام إلى مصر الحليف الإستراتيجي والوثيق لكل من الإمارات والسعودية.

وتطرح عملية إعادة كل من الإمارات والبحرين لعلاقتيهما مع نظام الأسد أسئلة كثيرة عن المقاصد والأهداف، وما دلالة التوقيت الذي تم اختياره لاتخاذ القرار، وما إذا كان سيتبعها قرارات مماثلة من دول عربية أخرى.

 

مقاربة إسرائيلية - أمريكية - عربية

منذ تعيين مستشار الأمن القومي الجديد في البيت الأبيض "جون بولتون" في شهر آذار / مارس 2018، تبنى مع تل أبيب مقاربة جديدة للتعاطي مع الملف السوري تعتمد على التنسيق مع روسيا من أجل إخراج إيران من سوريا مقابل بقاء الأسد في السلطة.

وأبلغ "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في تموز / يوليو خلال زيارته إلى العاصمة موسكو بأن "الأسد سيكون في مأمن إذا قامت روسيا بإخراج القوات الإيرانية من سوريا".

وجاءت مسودة إعلان مجموعة الدول المصغرة حول سوريا وهي: الولايات المتحدة – بريطانيا – السعودية – الأردن – فرنسا لتركز فقط على قطع علاقات "الحكومة السورية" مع النظام الإيراني وعدم تهديد دول الجوار كشروط للقبول بها، دون التطرق إلى ضرورة تغيير النظام الحالي أو رحيل الأسد.

وأكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا "جيمس جيفري" في شهر تشرين الثاني / نوفمبر أن بلاده لا تستهدف تغيير النظام، وإنما تركز فقط على تغيير سلوكه نحو مواطنيه ونحو جيرانه والمجتمع الدولي، لتحمل هذه التصريحات أبلغ دلالة على الإستراتيجية الجديدة التي يتبناها المحور الأمريكي – الإسرائيلي – العربي تجاه الأوضاع في سوريا.

ومن الجانب العربي فيمكن القول إن الإشارة الحقيقية لوجود تغيرات في المقاربة للملف السوري تمثلت بتصريحات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ربيع العام الحالي، والتي أكد فيها أن "بشار الأسد باقٍ في السلطة، ومن غير المرجح أن يترك منصبه قريباً، وأنه يجب عليه أن لا يصبح دمية بيد إيران".

 

الدخول الروسي إلى الشرق الأوسط

لقد قرأت غالبية الدول العربية وخاصة دول الخليج منذ التدخل العسكري الروسي المباشر بسوريا في شهر أيلول 2015 نية روسيا الذهاب بعيداً في الدور الذي ستلعبه بمنطقة الشرق الأوسط، فكانت زيارة ملك البحرين "حمد بن عيسى آل خليفة" الشهيرة إلى موسكو في شباط 2016، وتقديمه السيف الدمشقي إلى "بوتين" رسالة مهمة على رغبة الحلف الثلاثي (السعودية – الإمارات – البحرين) بالتعاون المشترك.

وزار الملك "سلمان بن عبد العزيز" في تشرين الأول 2017 العاصمة موسكو، والتقى بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ويمكن ملاحظة غياب المطالبات برحيل الأسد عن الخطاب السعودي والتركيز فقط على وقف التدخل والتمدد الإيراني بالمنطقة منذ ذلك الحين.

وتبدو بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات أحوج من أي وقت مضى إلى نوع من التوازن في علاقاتها الخارجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وذلك بعد تنامي شعور الغضب في أوساط صناعة القرار الأمريكي وتحديداً مؤسستي الكونغرس ومجلس الشيوخ ضد الرياض وأبو ظبي عقب حادثة اغتيال الصحفي  السعودي "جمال خاشقجي"، والمطالبات الحادة للبيت الأبيض بوقف الدعم الأمريكي للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، كما أن الحزب الجمهوري الذي ينتمي له "دونالد ترامب" فقد الأغلبية في المجلس التشريعي ( الكونغرس) لصالح الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات النصفية، ومعروف عن الحزب الديمقراطي عدم حماسته للتحالف مع السعودية والإمارات، ولعل هذه التطورات الأخيرة قد تكون دافعاً مهماً لمحور الرياض – أبو ظبي لتحقيق المصالح الروسية في قيادة حملة تعويم النظام عربياً، مقابل الحصول على الدعم السياسي الذي سيوازن التفرد الأمريكي، وقد بدأت بوادر هذا الدعم الروسي بالفعل من خلال تأكيد "ميخائيل بوغدانوف" مبعوث الرئيس الروسي على أحقية "ابن سلمان" بخلافة عرش والده، كما حذر الولايات المتحدة من ممارسة أي ضغوطات بهدف تغيير ترتيب الخلافة الملكية في السعودية.

 

التصدي للنفوذ التركي

في شهر أيلول 2018 أصدرت اللجنة الرباعية العربية التي تضم كل من السعودية ومصر والبحرين والإمارات بياناً على هامش اجتماعات مجلس الجامعة العربية أدانت فيه وما وصفته: " التدخل الإيراني والتركي المستمر في الأزمة السورية".

ورأت اللجنة أن هذا التدخل "يحمل تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا وأمنها وسيادتها، ولا يخدم الجهود المبذولة من أجل تسوية الأوضاع السورية".

وبرر "أنور قرقاش" وزير الدولة الإمارتية للشؤون الخارجية قرار بلاده بفتح السفارة في دمشق يوم أمس بأن "الدور العربي أصبح ضرورة تجاه التغول الإيراني والتركي"، وأن الإمارات تسعى عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور.

بالنظر إلى توقيت القرار الذي تزامن مع الحشود التركية على الشريط الحدودي مع سوريا استعدادً لملء فراغ انسحاب القوات الأمريكية التي عملت كل من أبو ظبي والرياض تحت كنفها مطولاً شمال شرق البلاد،وأيضاً ما سبقه من وساطة مصرية بين "وحدات الحماية" والنظام بهدف جمع صفهم لمواجهة التدخل التركي شرق الفرات، وحيث أنه يصعب تصديق فكرة مواجهة التمدد الإيراني في سوريا عبر إقامة العلاقات مع حليف طهران الوثيق "بشار الأسد"، يبقى الراجح في الخطوة الإماراتية – البحرينية أنها تمثل عدة دول عربية أخرى، وتستهدف بشكل أساسي الدور التركي بالملف السوري ، خاصة بعد الأزمة التي عرفتها العلاقات بين أنقرة والرياض بعد حادثة اغتيال "خاشقجي" على الأراضي التركية، وامتلاك تركيا لمفاتيح حلحلة الأزمة والأدلة التي يمكن أن تدين مسؤولين سعوديين كبار.
 

خلخلة محور أستانا

ويسعى محور الرياض – أبو ظبي من خلال الحضور في دمشق إلى خلخلة محور أستانا الثلاثي روسيا – تركي – إيران، والعمل على التأثير في صناعة الأحداث وبلورة الحلول من البوابة الروسية والنظام نفسه، خاصة وأن هذه الدول العربية في طريقها لفقدان الغطاء الأمريكي بعد إعلان الانسحاب من قبل البيت الأبيض، حيث كان هذا الغطاء يشكل لها هامش تحرك وتأثير جيد، تجسد في تقديم الدعم المالي لـ "وحدات الحماية" ومحاولة استثمارها قرب الحدود مع تركيا.

وفي مرحلة لاحقة وفي حال سارت التطورات كما ترغب دول التطبيع مع النظام، قد تتطور الأمور إلى إصدار بيانات عبر الجامعة العربية تستنكر الوجود التركي على الأرضي السورية، وليس مستغرباً التصعيد ومحاولة طرح القضية في مجلس الأمن، إلا أن هذا صعب الحصول إلا إذا اقتنعت موسكو باستغناءها عن الدور التركي في سوريا وسعت للتخلص منه عن طريق تفعيل الدور العربي.

إن المراقب للأحداث والتطورات في سوريا يدرك تماماً أن القرار الإماراتي – والبحريني، لم يكن مفاجئاً، كما أنه ليس وليد اللحظة حيث لعبت أبو ظبي قبل عدة أشهر دوراً حاسماً في تمكين روسيا من السيطرة على محافظة درعا عن طريق تحييد بعض فصائل الجبهة الجنوبية التي تحظى بدعمها وتحديداً "قوات شباب السنة" التي صارت جزءاً من الفيلق الخامس في وقت لاحق، لكن يبقى الرهان قائماً حول قدرة المحور العربي الجديد على التأثير في الأحداث بسوريا رغم إعادة العلاقات، في ظل السيطرة الإيرانية الكبيرة على قرار النظام واستحواذها على بقع جغرافية واسعة على الأرض، وفي ظل تزايد موثوقية العلاقة بين تركيا وروسيا وإدارك موسكو وأنقرة على حد سواء مدى حاجتهما للتعاون المشترك.