ماذا تريد روسيا من إدلب؟

2018.09.06 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يغيب عن معظم التحليلات السياسية التي ترى حتمية الغزو الروسي لإدلب تقديم السبب المقنع لهكذا غزو، وأين مصلحة روسيا، التي تروج لنصرها وقضائها على "الإرهاب" وتعمل على إقناع العالم بقبولها كوصية على سوريا، في البدء بسلسلة جديدة من المجازر والجرائم تعيد تكريس الصورة الوحشية التي رافقتها منذ بدء هجومها على سوريا في نهاية أيلول عام 2015، ما الذي دفع روسيا إلى المخاطرة بعلاقاتها مع تركيا الآن بعد التقارب النادر تاريخياً بين البلدين.

خرجت الحرب الروسية على سوريا من نطاقها المتعلق بقمع الثورة السورية وتوطيد النظام السوري إلى استعمال الحالة التي آلت إليها سوريا، بسبب التخاذل أو التواطؤ العالمي، في سياسة موسكو الخارجية واستخدامها كورقة ابتزاز لتحقيق مصالحها وبالتالي انتقال الصراع على سوريا إلى صراع عبرها.

روسيا تطالب العالم بقبول الوضع الجديد وتسديد فاتورة إعادة الإعمار عبرها، وعبرها فقط دون أي رقابة أو إشراف دوليين، مع بقاء الوضع الشاذ لنظام الأسد وتسلط الميليشيات الإيرانية والأفرع الأمنية دون أي تنازل في مجال الحريات والحقوق، وإلا فالتهديد بتجميد الحالة السورية وبالتالي بقاء نظام عاجز عن الحكم إلا في حدود قصره مع قوى محلية وأجنبية تتقاسم السلطة والنفوذ مع ما يعنيه من نزاعات وعدم استقرار وبالتالي عدم حل مشكلة اللاجئين السوريين.

بدأت روسيا بدق طبول الحرب على إدلب منذ مطلع شهر آب الماضي وتصاعدت حملتها الإعلامية والسياسية مع نشر عدد كبير من الفيديوهات للحشود العسكرية بمحيط المحافظة وإطلاق التصريحات والتهديدات بشكل شبه يومي، فإن صمت وزير الخارجية لافروف تكلم وزير الدفاع شويغو.

وتمثل الحالة في إدلب على ما يبدو السياسة الجديدة لروسيا فهي لن تعود لارتكاب خطئها في الجنوب السوري،

كثيراً ما بدت روسيا في الأسابيع الأخيرة وكأنها تحاور نفسها وبالرغم من كم التصريحات وحدة اللغة التي استعملها مسؤولوها حول محافظة إدلب ومحيطها إلا أن ردة الفعل الأمريكية والأوروبية بشكل عام اتسمت بالبرود.

حين تخلت أمريكا عن تعهداتها وقبلت باستيلاء روسيا مقابل ضمان إبعاد الإيرانيين عن الحدود مع الأردن وإسرائيل دون أن تتلقى روسيا بالمقابل أي مكاسب، وظهر ذلك في حملتها الفاشلة التي أطلقتها لاستجلاب الأموال الغربية تحت عنوان إعادة الإعمار.

كثيراً ما بدت روسيا في الأسابيع الأخيرة وكأنها تحاور نفسها وبالرغم من كم التصريحات وحدَّة اللغة التي استعملها مسؤولوها حول محافظة إدلب ومحيطها إلا أن ردة الفعل الأمريكية والأوروبية بشكل عام اتسمت بالبرود واكتفى وزير الخارجية الأمريكي بإبداء قلقه "الدبلوماسي" عبر تويتر قبل أن يلحقه رئيسه بتغريدة بائسة.

قامت روسيا بكل ما يجب فعله لخلق حالة تريدها من الترقب والتوقعات لهجومها المفترض على إدلب وانتظرت الاتصالات والمحادثات، فأوجدت حالة من التصعيد الإعلامي والسياسي حول حربها المفترضة على إدلب، ولكنها بقيت المصدر الوحيد وعليه بقيت الحملة محصورة في صحفها وبين مسؤوليها، أما الإعلام الغربي فبقي مصراً بعكس الرغبة الروسية بالتشديد على خطورة ما تعلنه روسيا على المدنيين في إدلب وتحميلها مسؤولية التصعيد.

وتبقى أوروبا الرهان الأكبر لبوتين الذي قام بزيارة مفاجئة لألمانيا، 22 آب، واجتمع مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتتصدر الزيارة التحليلات الصحفية بعنوان واحد هو فشل بوتين في إقناع ميركل لتمويل إعادة الإعمار في سوريا، وبدت المستشارة الألمانية متشبثة بموقف الاتحاد الأوروبي تجاه ربط ملف إعادة الإعمار بالتغيير السياسي في سوريا متجاهلةً ما تتشدق به روسيا من تحقيق "نصر" مزعوم في سوريا وأنها الوصي الوحيد على سوريا.

وربطت عدة صحف غربية روسيا بمظاهرات اليمين المتطرف ضد الأجانب في ألمانيا وتحدثت الـ "الأوبزرفر" عما سمته بـ "يد روسيا الخفية خلف أعمال العنف مع اليمين في ألمانيا"، فالمواجهات التي تفجرت في مدينة كيمنتس بألمانيا، مع الصور والفيديوهات للحشود وهي تؤدي التحية النازية ومواجهاتها مع الشرطة الألمانية بل وسيطرتها على شوارع المدينة، حمل تفجر الوضع بهذا الشكل في كيمنتس تحذيرات خطيرة وواضحة لتفاقم ظاهرة اليمين المتطرف في عموم أوروبا.

اندلاع هذه المواجهات بعد زيارة بوتين الفاشلة لألمانيا يوجه رسالة تحذير واضحة لأوروبا بضرورة العمل على سحب الفتيل المتمثل، كما تروج موسكو، بتواجد اللاجئين لا سيما السوريين في أوروبا، في رد يبدو من الواضح أنه يأتي بعد فشل زيارة بوتين وإصرار أوروبا على موقفها من ملف إعادة الإعمار وأوكرانيا عدا عن العقوبات الاقتصادية.

منذ بدء العدوان الروسي على سوريا لطالما شكلت الدعاية الروسية وتصريحات مسؤوليها شركاً للمراقبين فاعتماد الروس سياسة التشتيت والتشويش تسبب في تعدد القراءات لأسباب إقدام روسيا على مخاطر غزو سوريا وبينما ركزت على تنظيم الدولة الإسلامية كسبب لعدوانها كانت عملياتها العسكرية تنحصر في محاربة السوريين وتدمير مدنهم وما إن تمكنت من السيطرة على معظم المناطق المحررة حتى بادرت إلى الإعلان عن انتهاء الحرب،

يبدو أن الأمريكيين يدركون تماماً ما تريده روسيا ويعتمدون سياسة التجاهل مع التلويح بالعصا، كما حصل مع الغارات الإسرائيلية الأخيرة والتي تزامنت مع انطلاق المناورات.

وإطلاق دعوتها بدفع المليارات لإعادة إعمار سوريا للسماح بعودة اللاجئين والآن وبعد فشل جهودها أمام لامبالاة ترامب وغرقه  في مشاكله الداخلية وتمنع أوروبا من المساهمة بشرعنة نظام الأسد تحت الوصاية الروسية عادت لابتزاز العالم عبر تهديده بمزيد من القتل والتشريد للسوريين.

لا يمكن لأحد الادعاء بأنه قادر على قراءة ما يفكر به الروس حاليا وهل  ستؤدي كل  هذه الحملات الإعلامية والسياسية بل وتنفيذ مناورات ضخمة قبالة سواحل سوريا لعمل عسكري جديد ضد السوريين، ويبدو أن الأمريكيين يدركون تماماً ما تريده روسيا ويعتمدون سياسة التجاهل مع التلويح بالعصا، كما حصل مع الغارات الإسرائيلية الأخيرة والتي تزامنت مع انطلاق المناورات، التي يتباهى جنرالات روسيا بها ولكنهم لم يجرؤوا حتى على الاعتراف بالغارات ناهيك عن التصدي لها، فهل ستقوم روسيا بالانتقام من كل هذا التجاهل في إدلب، أم أنها تقتنع بعقم محاولاتها وسوء اختيار التوقيت لتقبل بما يحفظ ماء الوجه في اللقاء القادم مع الرئيس التركي ورئيس النظام الإيراني.