icon
التغطية الحية

مؤشرات على انعطافة تركية جديدة في الملف السوري

2019.05.14 | 14:05 دمشق

الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في موسكو(رويترز)
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

لم تكن تصريحات وزير الدفاع التركي "خلوصي آكار" قبل عدة أيام حول ضرورة "لجم هجوم النظام السوري على إدلب" كلاماً روتينياً، وذلك بالنظر إلى توقيتها ومكانها والطريقة التي أطلقت فيها.

تصريحات الوزير التركي جاءت بعد أن فرغت أنقرة من مفاوضاتها مع واشنطن بخصوص المنطقة الآمنة ومستقبل شرق الفرات، وأتت بعد ساعات قليلة من تأكيد المبعوث الأمريكي إلى سوريا "جيمس جيفري" الاتفاق مع تركيا حول تفاصيل تلك المنطقة التي ستمتد على طول الشريط الحدودي مع تركيا، وتلويح "جيفري" المسؤول عن الملف السوري في الإدارة الأمريكية بتحرك بلاده في حال استمر الهجوم الروسي على إدلب، كما أن تصريحات "آكار" نفسه تم إطلاقها من على حدود المحافظة التي تقع تحت الوصاية التركية بشكل مباشر، وجاءت بالتزامن مع إعلان فصائل الشمال السوري وأبرزهم الجبهة الوطنية للتحرير المدعومة من أنقرة عن غرفة عمليات مشتركة للتصدي للحملة الروسية، وتنفيذ تلك الفصائل لأول هجوم معاكس لها بريف حماة.

دخلت كل من أنقرة وموسكو حالياً في مرحلة مواجهة غير مباشرة في محافظة إدلب وما حولها

ودخلت كل من أنقرة وموسكو حالياً في مرحلة مواجهة غير مباشرة في محافظة إدلب وما حولها، حيث يسعى الفيلق الخامس وقوات النمر المدعومة روسياً إلى التوغل بالمحافظة، في حين تقود الجبهة الوطنية للتحرير عمليات التصدي للحملة والهجمات المعاسكة.

وأبدت "إلهام أحمد" الناطقة باسم "مجلس سوريا الديمقراطية" الواجهة السياسية لـ "قوات سوريا الديمقراطية" استعدادهم للتعاون مع تركيا في المنطقة الآمنة، وأشارت إلى أنهم لا يشكلون خطراً على أنقرة بل على العكس من ذلك ممكن أن يفيدوها قرب الحدود، كما أعلنت وبشكل مفاجئ قطع الاتصال مع النظام السوري بعد مفاوضات استمرت لأشهر بين الجانبين، واللافت أن تلك التصريحات جاءت بعد يومين من الإعلان عن الاتفاق التركي – الأمريكي بخصوص شرق الفرات، لتشكل تلك التصريحات علامة مهمة على التوجه الأمريكي الجديد القاضي بإطلاق يد تركيا في المواقع السورية التي ستنسحب منها واشنطن.

وأعلنت وكالة رويترز بشكل مفاجئ أن تركيا تدرس طلباً أمريكياً يتضمن تأجيل إتمام صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية "s400"، والتزمت الحكومة التركية الصمت ولم تنفي تلك الأنباء، ليضاف ذلك إلى المؤشرات السابقة حول وجود انعطافة تركية جديدة في الملف السوري، بعد عملها بشكل وثيق ولأكثر من عامين ونصف مع موسكو وطهران ضمن مستار "أستانا".

 

ماذا تغير؟

حمل شهر نيسان الماضي في طياته العديد من المحطات الصدامية بين أنقرة وموسكو، حيث امتنعت الأخيرة من الاستجابة لطلب تركي بخصوص تسيير دوريات مشتركة في منطقة تل رفعت، بالإضافة إلى خلاف سياسي حول تفاصيل تشكيل اللجنة الدستورية والذي أسفر في نهاية المطاف إلى إعلان فشل الجولة 12 من مسار أستانا.

أيضاً فإن الإصرار الروسي على إعادة محافظة إدلب ومحيطها إلى سيطرة النظام السوري، وعدم رغبة موسكو بدخول تركيا إلى مناطق شرق الفرات والتأكيد مراراً على ضرورة أن تملأ قوات الأسد فراغ الانسحاب الأمريكي، كلها تطورات جعلت أنقرة تبحث عن الخيارات البديلة كونها أدركت أن مرحلة "تدوير زوايا الخلاف" مع روسيا بدأت تنتهي، وأن هامش المناورة والاستثمار في العلاقة مع موسكو بالملف السوري أخذ يضيق أكثر، فتركيا لا ترحب بعودة النظام إلى إدلب لأن ذلك يشكل تهديداً على مكتسباتها في عملية "غصن الزيتون" بمنطقة عفرين، كما أنها لا تثق بالعروض المطروحة والمتضمنة أن تحل قوات الأسد مكان "وحدات الحماية" على الشريط الحدودي كونها تدرك حجم التنسيق والتعاون بين الطرفين ضدها، وهذا ما دفع أنقرة عام 2016 لحسم أمرها ومباشرة الدفاع عن أمنها الإقليمي بنفسها وبالتحالف مع الفصائل العربية السنية المعارضة للنظام السوري، لأنها ترى فيها الضمان الوحيد لحماية مصالحها، خاصة وأنها استثمرت في دعمها لسنوات طويلة.

لايمكن تجاهل التداعيات الداخلية التي تشهدها تركيا وخاصة على صعيد الإقتصاد، وأثرها على قرارات أنقرة بما يخصه تحالفاتها الدولية

ويبدو أن تركيا قرأت جيداً التحركات التي تقودها واشنطن ضد الوجود الإيراني في المنطقة وسوريا ، وتأكدت من جديتها من خلال إرسال الولايات المتحدة الأمريكية لقاذفات B52 وقطع من الأسطول البحري إلى الخليج العربي والبحر المتوسط، خاصة وأن تغير التعاطي الأمريكي مع تركيا من أبرز دوافعه تحييد أنقرة عن التعاون مع طهران لضمان محاصرة الأخيرة بشكل كامل، كما أن روسيا نفسها قادت خلال الأشهر الماضية عملية تقليم أظافر إيران في سوريا من خلال التضييق على ميليشياتها وإبعادها من مواقع مهمة في ريف حماة ودير الزور وحلب، الأمر الذي يعني أن حاجة أنقرة لمسار يجمعها مع طهران وموسكو لم تعد كبيرة في ظل تلك المتغيرات الدولية الجديدة، والتي بات واضحاً أنها مختلفة تماماً عن الظروف التي دفعت تركيا في وقت سابق للعمل مع الثنائي الداعم للنظام السوري، فبالوقت الحالي واشنطن تقود بنفسها جهود إعادة إحياء مسار جنيف، كما أعلنت رسمياً فشل مفاوضات أستانا في تحقيق أي نتيجة، وتداعت مع دول أخرى أبرزها بريطانيا وفرنسا لبحث تشكيل اللجنة الدستورية في جنيف مطلع شهر أيار الحالي.

ولايمكن تجاهل التداعيات الداخلية التي تشهدها تركيا وخاصة على صعيد الاقتصاد، وأثرها على قرارات أنقرة بما يخصه تحالفاتها الدولية، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأكثر قدرةً على التأثير في الاقتصاد وسعر صرف الليرة التركية، وكان هذا واضحاً عند وصول الليرة إلى عتبة 7 ليرات مقابل الدولار الواحد بعد فرض العقوبات الاقتصادية من قبل ترامب على تركيا العام الماضي، كما أن قيمة الليرة تحسنت إلى 6.06 بمجرد إعلان "جيفري" للاتفاق مع تركيا حول سوريا بعد أن وصلت إلى 6.20 قبل أسبوع، ويبدو أن الحزب الحاكم يريد دخول جولة إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول دون أي أزمات مالية جديدة، وهذا بطبيعة الحال يدفعه للتهدئة مع الولايات المتحدة.

 

ماهو المتوقع؟

ليس من الضروري أن تؤدي الانعطافة التركية في التحالفات لصراع مع موسكو، فلا تزال أنقرة تدرك أن روسيا لاعب أساسي ومهم في الملف السوري، ولايمكن تأمين المصالح هناك إلا من خلال العمل معها، كما أن تركيا رفضت أن تتورط في مثل هذا الصراع منذ عام 2015 بداية التدخل العسكري الروسي بسوريا ، واختبرت آثاره وأضراره بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية فوق جبل التركمان، وما تبعه من رد روسيا على الشريط الحدودي من دعم "وحدات الحماية" في الهجوم على طريق أعزاز – حلب.

وشهدت الـ 24 ساعة الماضية تكثيف الاتصالات على أعلى المستويات بين تركيا وروسيا، حيث جرى اتصال هاتفي بين الرئيس التركي "أردوغان" ونظيره "بوتين" يوم أمس، كما استكمل الجانبان المحادثات حول الأوضاع في محافظة إدلب من خلال اتصال هاتفي جديد بين وزيري الدفاع.

وبالجانب الآخر فإن روسيا أيضاً تدرك أهمية العمل مع تركيا في حال أرادت أن تصل إلى حل سياسي يضمن الحد الأدنى لمصالحها في سوريا، على اعتبار أن أنقرة داعم مهم للفصائل العسكرية في الشمال السوري، بل ولاعب أساسي بعد دخول القوات التركية إلى المنطقة.

وبالنظر إلى مجمل التطورات السياسية والعسكرية يمكن القول بأن أنقرة وموسكو طرفان تجمعهما المصالح في سوريا وتفرقهما الأهداف النهائية المقصودة لكل طرف، وأن الاصطفافات الدولية في طريقها للتغير على أعتاب محافظة إدلب وإن كان هذا التغير لن يرقى إلى انقلاب كامل.