مؤتمرات كثيرة لسوريا.. أين الطحين؟!

2019.02.18 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

المؤتمرات واللقاءات والقمم حول سوريا لا تنقطع؛ وأكثرها للأسف "جعجعة بلا طحين". بالأمس انتهى أصحاب "أستانا" مِن قمتهم في /سوتشي/ حول سوريا؛ واتفقوا على قمة أَخرى في إسطنبول بعد شهر؛ وكانوا من المفروض أن يعقدوا "أستانا" 12 أو 13، إلا أنهم قرروا تأجيلها إلى نيسان القادم. بالتوازي مع "قمة سوتشي" كان ممثلو أكثر من سبعين دولة يعقدون مؤتمراً في /وارسو/ لتبيان أذى إيران وعبثها ومخاطرها على محيطها وجيرانها كمصدٍر للإرهاب، {{وبشهادة نتنياهو}} الحاضر في "وارسو". العبارة السحرية في هذه المؤتمرات كانت سوريا: واقعها، ما حلَّ بها، مستقبلها. كل تلك اللقاءات والأحاديث والمناقشات المعمقة والقرارات والبيانات، وليس هناك من سوري حاضر، أكان من "النظام" أو من "المعارضة". هذا، وكل من يحضر تلك اللقاءات يصرُّ بتصريحاته وبياناته وتعهداته على أن القضية السورية يجب أن تحلها أيادٍ وعقول سورية فقط.

الأكثر حماساً لتفرد "السوريين فقط" بحل قضيتهم يشيعون عن سابق إصرارٍ وتصميم ويُسخّرون أبواقهم الإعلامية ومراكزهم للدعاية والبحوث والغوبلزية، ويشيعون بأن العرب يتسابقون على التطبيع مع "نظام الأسد"، وأن تركيا تتخلى عن المعارضة وعن الثورة السورية، وتسعى إلى مقايضة ذلك بمصالحها، وأن استتباب الأمن والاستقرار في المناطق التي احتلها النظام مؤخراً عال العال، وأن الأسد قد تم تقبله دولياً، وأن المجتمع

الوضع القائم حيث يسيطر النظام بمساعدة الغوبلزيين ينبئ بالكوارث الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والضياع وتمني حتى الموت الذي لا يأتي

الدولي جاهز لإعادة إعمار سوريا في ظل حكم الأسد، بل وتسليمه أموال إعادة الاعمار مجاناً لينهض بها نظامه من جديد. من جانب آخر يرى كثيرون ممن خابت وخارت قواهم وأكلهم اليأس والإحباط، وأُخذوا بالدعاية المغرضة أن هناك ميلاً جارفاً للاستسلام مبعثه اليأس ومحاولة إقناع النفس أن كل شيء انتهى، وأن السوريين المعارضين للأسد قد هزموا، وأن الأسد انتصر.

لا صحة لأي من هذا؛ والدليل على ذلك ثلاثة أمور أن الوضع القائم حيث يسيطر النظام بمساعدة الغوبلزيين ينبئ بالكوارث الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والضياع وتمني حتى الموت الذي لا يأتي؛ وهذا ليس انتصاراً. من جانب آخر، هؤلاء الذين يشيعون ذلك من بعض القوى التي اجتمعت في سوتشي هم أنفسهم مأزومون؛ فإيران تعاني من حصار لم يسبق له مثيلا؛ عملتها في الحضيض، والفقر يضرب أطنابه، ومؤتمر "وارسو" تم ليخنقها أكثر؛ وروسيا ذاتها حليفتها تريد خروجها من سوريا؛ ولا مكان لها في مناطق النظام الروسية؛ وفي مناطق وجودها وتأثيرها، الشعب السوري يريد خروجها. أما روسيا التي قال رئيسها يوما إنه خلال ثلاثة أشهر سينهي الأمور في سوريا، فها هو بعد ثلاث سنوات ونيّف يستجدي ملمح نجاح سياسي. يستطيع فقط أن "يتفاخر" بأنه جرّب على السوريين ثلاثمئة صنف من الأسلحة. تركيا، من جانب آخر، تعبر عن أزمتها لأنها صاحبة الحدود الأطول مع كتلة النار السورية؛ هي تشتكي من تهديد أمنها القومي، وتريد إنجاز منطقة آمنة؛ ولكن هناك مَن يعرقل ذلك أكانوا أصدقاء تقليديين، أو أصدقاء مصلحة، أو أصدقاء طارئين، أو أعداء.  والحال هكذا، خلاصة القول؛ إنه إذا اتفقت روسيا وتركيا، إيران تستنفر؛ وإن اتفقت إيران وتركيا، روسيا تستنفر؛ وإن اتفقت إيران وروسيا، تركيا تستنفر.

إضافة إلى كل هؤلاء، هناك لاعبون آخرون على الساحة الدموية السورية؛ فالمجموعة المصغرة لها "أجندتها"؛ وللمعارضة صفحتها التي تلونت بمختلف الألوان والخطوط؛ وكل مجموعة تقرأ باللغة التي تناسبها؛ وهناك "النظام" المشغول بالكذب وبخداع مواليه بأن الأمور انتهت؛ وفي الوقت ذاته لا يستطيع توفير أي أمن أو أمان اقتصادي أو إنساني أو اجتماعي لهم؛ والغليان ظاهر؛ ولا رتوش أو تزييف يمكن أن يخفيه.

بيان قمة سوتشي الأخيرة تحدث عن جملة من الإيجابيات؛ وعلى رأسها أن الفرقاء قالوا إنهم قريبون جداً من إعلان اللجنة الدستورية. يعرف أي

إلى أين سيعود هؤلاء إذا كان هناك من هو جاهز لقتلهم أو اعتقالهم أو اقتلاعهم من بيوتهم، إن هم خالفوا له رأياً أو طالبوا بجرعة من العيش الكريم؟!

شخص عادي - فما بالك بثلاثة رؤساء - أن لجنة دستورية أو أي دستور فاخر لا يمكن أن تكون له قيمة دون بيئة آمنة وظروف مناسبة لتأخذ بنوده مفاعيلها على الأرض، وخاصة في بيئة كالبيئة السورية التي ما احتُرم فيها الدستور يوما إلا بما يخدم سلطة الاستبداد. فما نفعه إن كان سيُخترق في أي لحظة يشاء المستبد؟!

أتى الحديث في البيان الختامي السوتشي عن "عودة لاجئين ". ما نفع ذلك؛ وإلى أين سيعود هؤلاء إذا كان هناك من هو جاهز لقتلهم أو اعتقالهم أو اقتلاعهم من بيوتهم، إن هم خالفوا له رأياً أو طالبوا بجرعة من العيش الكريم؟!

يشير لقاء سوتشي الأخير أيضاً إلى "ضرورة المساهمة بإعادة الإعمار في سوريا". معروف أنه ما مِن سوري إلا ويريد بلده معمراً وعامراً بالخير والازدهار؛ ولكن ما نفع أن تعيد الإعمار، وهناك من هو جاهز إذا ما خالف أحدٌ رأيَه أو إرادته أن يعيد التهديم والدمار؛ لأنه قطع على نفسه وعمل بشعار /أحكمها أو أدمرها/؟!

المشكلة التي تعاني منها جملة المقاربات المتوفرة لإيجاد حل للمعضلة السورية تتمثل بإغفال متعمد أو خبث أو غباء تجاه جوهر الصراع في سوريا؛ فهو ليس بين حزب يتحكم بالسلطة، ومعارضة تريد أن تكون مكانه، لأن خطتها لسياسة البلد أفضل؛ إنه صراع بين شعب ينشد الحرية، وسلطة استبدادية قمعية لا ترى إلا نفسها ومصلحتها وأبديتها. مرة أخرى، المخرج بالالتزام بتطبيق القرارات الدولية التي تضع سورية وأهلها على سكة الشفاء.

كلمات مفتاحية